أبو تريكة.. لماذا يكرهه عمرو أديب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/11 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/11 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
كراهية بدأت من جنوب أفريقيا عام 2009


من الدروس العظيمة التي تقدمها لك الحياة والتي يمكن أن يعلمك إياه شخص عاش بما يكفي، أن الحياة ليست كما تعتقد ولا كما تقدمها لك سردية الأفلام.

الحياة صعبة وليست بالهينة، والذي يجعلها كذلك، أنها وجدت لتكون كذلك، وكونها دار امتحان لا دار سياحة واستجمام، وما يمر به الإنسان في هذه الدنيا من يوم يفتح عينيه إلى يوم يواريه الثرى، محطات من هذا الامتحان.

لهذا كلما مر بك حادث ما سرّتك نهايته ولا تتمنى أن يعاد عليك، يجب أن تدرك أنك قد عبرت محطة من محطات الامتحان، وعليك أن تقيم نفسك، من خلال دراسة ردة فعلك، وآثاره النفسية عليك سواء بالإيجاب أو بالسلب، فرغم كون هذا الحادث تجربة تتمنى ألا تكرر، فإنه لابد من وجود ما استفدت منه خلال هذه التجربة على قساوتها.

كثيرون يمرون بلاحظات يأس ولحظات حزن تؤثر على حياتهم بل قد تقلبها رأساً على عقب، كفقدان أحد أفراد العائلة أو الرسوب في الجامعة وربما الفشل في مشروع ما، أو خيانة صديق، وغيرها من الأحداث المريرة، وغالب الأمر ما يتفهم الإنسان المؤمن فقدان الأحبة بموتهم، فكل ما هو من عند الله مرحب به، وإذا أدرك ما قلناه سابقاً عن كون الحياة امتحاناً، فلا شك أن صبره يتضاعف مئات المرات، وهذا من شيم المؤمن. إلا أنه يعجز تمام العجز عن تفسير ما قد يعتريه من الآخرين، كالخيانة أو الغدر، وخاصة إن كان شخصاً طيباً يراعي الناس ويحب الخير للجميع.

ولعل الإنسان في كل مرة يطرح الأسئلة ذاتها:

 – لماذا يحدث هذا معي؟

– لماذا يؤذيني الناس مع أني لا أفعل؟

– لماذا تنفع طيبتي في رد الأذى؟

لن يستطيع المرء الإجابة عن هذه الأسئلة إلا إذا فهم أن الناس أشكال وألوان، مذاهب ونحل، معادن لا يشبه بعضها البعض، ورغم وجود تعاليم أخلاقية ووجود عقل قادر على التمييز بين الجيد والسيئ وبين الصحيح والخطأ، فإنهم سيستمرون في أذية الناس والظلم والتجبر وأكل مال اليتيم وغيرها من الأفعال السيئة.

هم سيفعلون ذلك، لأنهم يريدون ذلك، ولن يتوقفوا لأنك شخص صالح، ولعل الصالحين أكثر من تعرض لأذى الناس، ولعل كونك طيباً لا يعني أن الناس كلهم كذلك. وأورد ما أعتقد أنه أفضل ما قرأت في هذا الباب:

"إذا كنت تتوقع بأن العالم سيكون عادلاً معك لأنك شخص عادل فأنت تخدع نفسك، تماماً كأن تتوقع ألا يأكلك الأسد لأنك لم تفكر بأكله".

جورج باتون – قائد عسكري أمريكي

 أبو تريكة الطيب

هل بإمكاننا أن نختلف على أن الكابتن محمد أبو تريكة شخص طيب؟

لن تجد رجلاً يعرف الرجل حق المعرفة، يعتقد غير هذا، فمحمد اسم على مسمى، لا يختلف اثنان على أن الكابتن خير من يمثل المصريين في الخارج، فسُمعته تخطت حدود بلاد النيل، ووصلت صداها إلى أصقاع العالم الإسلامي من الخليج إلى المحيط، ولا زلت أتذكر الاستقبال المهيب الذي حظي به أبو تريكة عند زيارته للمغرب.

وفي كل زيارة إلى خارج مصر، كان أبو تريكة يلقى الترحاب دائماً وأبداً.

لماذا كل هذا الحب لرجل كمحمد؟ 

ناهيك عن مهاراته عُرف محمد بدماثة الأخلاق وحُسن السيرة، فهل يتذكر أي متابع للفريق الأهلي والمنتخب المصري، تصرفاً غير أخلاقي للرجل، لسنا نتذكر سوى ابتسامته التي لا تفارق محياه، ولسنا نعرف عنه اليوم وهو خارج الملعب سوى الاتزان والتواضع.

هذا ما يمكن أن نعرف عنه، ولكن ما لا نعرفه كثير، خاصة من أعمال الخير التي يقوم بها الرجل، فلا يكاد يصلنا منها شيء.

مع كل هذا، يصبح أبو تريكة إرهابياً، وشخصاً سيئاً وجب محاكمته، بل فرضا على المصريين كرهه، وذاك لسبب بسيط للغاية؛ ألا وهو عدم تأييده لنظام الحالي.

مع كل ما قدمه لمصر، ومع كونه لم يؤذ أحداً ها هو الكابتن محروم من أبسط حقوقه كمصري، متابع بتهم ملفقة؛ وموضع ضمن لائحة للإرهاب، وهو الرجل المكروه للنظام وزبانيته في الداخل والخارج، ولو أمكنوا منه لفتكوا به.

أرأيت، رغم الطيبة وحُسن الأخلاق والسيرة لم يسلم أبو تريكة من أذى الناس، بل الذين سرقوا ونهبوا وقتلوا وشردوا طلقاء يسرحون ويمرحون؛ وتلقوا التحايا؛ والكابتن وغيره من الصالحين متابعون!

اكرهوا أبو تريكة

هذا العنوان الفرعي أضعه وبين عيني مسرحية "انسوا هيروسترات"، مع اختلاف كبير للغاية بين الرجلين وبين ما قام به ويقومان به؛ والشاهد من المسرحية أنه في الوقت الذي حكم القاضي بضرورة أن ينسى الناس هيروسترات. لم نتذكر القاضي إلا بسبب هيروسترات، أي أن الناس لم تنساه ولن تنساه ولو أمر بذلك كل قضاة الدنيا وحكامها.

فالأوامر التي تعطى اليوم للإعلاميين بتأليب قلوب المصريين على أبو تريكة، لن تؤثر على سُمعة الرجل ولا حب الناس له، إلا بقتل كل المصريين وإحراق كل ما يذكر بالرجل، وهذا لعمرك محال.

اليوم وضمن حملة زبانية النظام، يخرج علينا أحد أهم أوجه النظام السابق والحالي، الرجل الذي لطخ يديه بدماء الناس وأعراضهم، والشخص الذي شجع على الرقص فوق جثث الغلابة والضعفاء، وطبّل دون كلل ولا ملل، ولسنين للنظام الحالي، وقاد بشراسة الحملات المسعورة على كل من هو معارض للسيسي ونظامه.

اليوم يخرج علينا الإعلامي عمرو أديب بقرار يريد أن يتخذه وهو رفعه لدعوى ضد نادي الأهلي، بسبب تهنئته لأبو تريكة!

وإلى جانب عمرو، سيصطف ولا شك مجموعة من الإعلاميين والحمقى من العوام؛ وسيرفعون شعارات ضد الأهلي والكابتن، ويربطون كل هذا بالوطنية وحرب أكتوبر، وسيناء وخط برليف، وأحمد عرابي ومحمد علي كلاي، ومحمد الكحلاوي، والوحدة العربية، على رأي عادل إمام في مسرحيته "شاهد ما شفش حاجة".

وإنها لمسرحية سيئة الإخراج، مبتذلة التشخيص، هي تلك التي يريد النظام وإعلامه من الناس متابعتها. ولكن كنا قلنا فالمصريون أذكى من أن تنطلي عليهم هذه المسرحية ولو أحضروا ممثلي الدنيا.

 لماذا يكرهون محمد أبو تريكة

بعيداً عن حسه الديني واعتباره وجهاً يمثل المعارضة، وبعيداً عن كونه مستثمراً يجب الاستيلاء على أمواله كما هي عادة الأنظمة الفاسدة. يكره النظام المصري الكابتن لسبب رئيس في نظري، وهو حب الناس له.

قد يبدو الأمر غريباً وربما تافهاً، لكن بالعودة إلى عقلية المستبد التي نجيدها في مقدمة ابن خلدون ونجدها في كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للكواكبي؛ نجد أن الحاكم يصبح عدواً لكل شخص محبوب من الناس، الأمر الذي أدخل قديماً الأمراء في صراع مع العلماء والشيوخ، وحديثاً يدخلهم في صراع مع الكُتاب والمثقفين.

فهكذا نجد أن النظام المصري يقف موقف عداء من كل الذين قد يسرقون النجومية من الرئيس.

لن أذكركم بالأسماء التي زُجّ بها في السجن دون تهمة إلا لتأثيرها القوي في للجماهير وحب الناس لها على رأسهم الدكتور حازم أبو اسماعيل والمهندس أيمن عبد الرحيم.

في النهاية يجب أن نشير إلى أمر مهم، وهو تفكيك عقلية الإعلامي عمرو أديب باعتباره ظاهرة تستحق الدراسة، وحسبنا هنا التأمل في موقفه، يرى الإعلامي أن أبو تريكة خارج عن ملة الدولة فلا يجب تهنئته، وإذا أخذ رأيه في تهنئة الهنود مثلاً بعيد ديني وثني، وجدته يؤيد الأمر ويشجع عليه مع أن الهنود خارج ملة الدين والإسلام.

يكره عمرو أديب أبو تريكة مع أنه لم يسرق فلساً واحداً ويطبل ليل نهار لمن ينهب خيرات البلد ويسجن الأبرياء!

وحتى لا ننسى، لا بد للتاريخ أن يقول كلمته، ويحكم حكمه، بالخلود للرجال والمذلة للخونة والمطبلين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي الرباج
كاتب مغربي
كاتب مغربي
تحميل المزيد