تمر علينا هذه الأيام ذكرى مرور 3 أعوام على "حد السيف"، حيث كان الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تاريخ وضع قادة العدو أَمام تحدٍّ جديد الرابِح فيه المقاومة الفلسطينية، بعد أن استطاعت مرة أخرى أن تكشف هشاشة نخبته وأجهزته الاستخباراتية في عملية أطلقت كتائب القسام عليها اسم "حد السيف".
عملية حد السيف تركت تأثيرًا كبيرًا في نخبة الجيش الإسرائيلي وقادته العسكرية والأمنية توِّجت بانتكاسة عسكرية واستخبارية في معركة سيف القدس 2021، وهو ما دعا الاحتلال الإسرائيلي إلى أن يعيد الحساب في سياساته العسكرية والأمنية في التعامل مع قطاع غزة والإقرار لاحقاً بأنه عاجز عن التعامل مع قطاع غزة.
الإقرار بالفشل والعجز لم يكن ليتحقق إلا بتوفر المعلومات الدقيقة والآنية عن العدو وبجميع أشكاله، التي تمكن قيادة المقاومة وبكافة مستوياتها من الوصول إلى القرارات السليمة، ووضع الخطط الدقيقة لأي عمل قتالي.
لذا تعد الإحاطة التامة بالمعلومات المفصلة عن حجم قوات الاحتلال والأسلحة التي يمتلكها وأساليب القتال التي يخوضها، ونواياه القريبة أو البعيدة مسائل ضرورية ومهمة لعمل المقاومة.
تتميز المقاومة الفلسطينية بخصوصيتها الفلسطينية الوطنية وإيمانها المطلق بإنجاز الانتصار النهائي بإذن الله، وهذا ما يدعو قيادات المقاومة للمراجعة الدورية وتقييم العمل المقاوم بعد كل عملية إسرائيلية من أجل أخذ الدروس من الأخطاء السابقة وتطوير العمل المقاوم وتوسيع قواعده.
فالغاية الأساسية للعمل الاستخباري للمقاومة الفلسطينية تتضمن الوصول إلى بناء منظومة استخبارية قوية تكون ركائزها ثابتة ومعتمدة على عقيدة وطنية راسخة، مفادها أن هذه المنظومة هي التي تقود المعركة، وسوف تربحها مع الأخذ بنظر الاعتبار المواقف والتبدلات والظروف المتغيرة.
وأن تستطيع هذه المنظومة تقديم نهج مقاوم عملياتي خاص لمواجهة العدو الصهيوني، ضمن البيئة المعقدة، وتحقيق انتصارات متفرقة في أوقات متعددة، تحد من حركة الاحتلال وفعله، وتقود في النهاية إلى تحفيز كل قوى وقواعد شعبنا وتهيئته لاستثمار الموقف وتحقيق المواجهة والمقاومة الشاملة وقطف ثمرة النظر بإذن الله.
نتائج عملية "حدّ السيف" كسر ظهر المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية وكسر هيبتها، فكل التقديرات الأمنية والعسكرية، سواء لدى المقاومة أم الاحتلال، أشارت إلى أن فشل الاحتلال في خانيونس ستكون له امتدادات تؤكد على تخبط وفشل للاحتلال، وهو ما تحقق في معركة سيف القدس التي تسببت بخسائر متعددة الأوجه والجوانب.
كما أجبر الفشل الذريع لوحدة "سيرت متكال" في عملية حد السيف شرق خانيونس وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على الاستقالة بعد يومين فقط من العملية، كما أُجبر قائد قسم العمليات الخاصة بشعبة الاستخبارات العسكرية بجيش الاحتلال والقائد السابق لوحدة سيرت متكال على الاستقالة بعد أسابيع.
وعلى وقع الهزيمة المدوي اعترف رئيس أركان الاحتلال أفيف كوخافي بفشل العملية، وسيطرة حماس على وثائق عسكرية ومعدات وأجهزة مهمة، ما دفعه للطلب من قائد العمليات الخاصة في شعبة الاستخبارات العسكرية السابق العودة إلى الشعبة لـ"ترميم قدرات الجيش بعد الفشل في تلك العملية".
إن ما أحدثته عملية حد السيف من إخفاق استخباري وميداني كبير، جعل كل شيء لدى الاحتلال في قطاع غزة مثاراً للشك، كون أن المقاومة بات لديها قدرات استخبارية، وطورت قدراتها بشكل مضاعف بعد هذه العملية.
كما استطاعت المقاومة التشويش على المعلومة التي يحصل عليها الاحتلال من العنصر البشري الذي يعتبر من أثمن المعلومات لدى أمن الاحتلال، مما يجعل القدرة الاستخبارية للاحتلال معقدة.
المقاومة استخلصت الدروس وتعلمت كثيراً وأصبح لديها طرق واضحة في كيفية تعامل الاحتلال مع العملاء واستطاعت تطوير قدرات مضادة للاحتلال، ونتائج معركة سيف القدس الأخيرة تشير إلى فشل استخباري إسرائيلي ذريع، لم يمنحها إمكانية تركيع المقاومة، فمعركة سيف القدس كشفت سلسلة من الإخفاقات الاستخبارية والعسكرية تحدث عن جزء منها التحقيق العسكري الإسرائيلي الذي تحدثت عنه القناة 12 العبرية.
فكشفت أجزاء من تحقيق عسكري إسرائيلي حول الثغرات التي اعترت معركة سيف القدس مع المقاومة الفلسطينية، وقالت إن جيش الاحتلال قدم في وسائل الإعلام "صورة منفصلة عن الواقع العملياتي" وهو ما أضر بعمل الوحدات العسكرية وثقة الجمهور الإسرائيلي في الجيش.
واشار التحقيق الإسرائيلي الذي وجه نقداً حاداً لأداء جيش الاحتلال إلى وجود ثغرات استخبارية كبيرة، حالت دون تلبية الجيش للتوقعات التي حاول تصويرها بشأن الأضرار التي لحقت بالمنظومات المضادة للدبابات والصواريخ لفصائل المقاومة في غزة، وأيضاً بقيادتها العسكرية.
تستخدم كتائب القسام في عملها العسكري وبشكل فائق مع الاحتلال الإسرائيلي مبدأ العقل مقابل القوة المتفوقة، فكانت استخبارات القسام عينها على العدو تسعى لخرقه ومباغتته وكشف مخططاته، وعرقلة ومنع مخططات العدو السرية التي يسعى فيها إلى مباغتة المقاومة.
أظهرت عملية "حد السيف" قدرة المقاومة النوعية على مفاجأة العدو ويقظتها العالية، عبر اكتشاف القوة المتسللة واشتبكوا معها، فأوقعوا قائدها قتيلاً وأصابوا آخرين، قبل أن يفر بقية أفرادها تاركين سلاحهم ومعداتهم في أرض المعركة يجرون ذيول الخيبة والفشل تحت غطاء ناري كثيف جداً من طائرات الاحتلال.
وفي "سيف القدس" نجحت المقاومة في توجيه الضربة الأولى وتنفيذ تهديداتها السابقة، بقصف مدن وأهداف بعيدة المدى حتى 250 كلم. لتتخطى بذلك جميع منظومات القبة الحديدية، وتجبر المناطق الرئيسية في الكيان مثل العاصمة "تل أبيب" و"غوش دان"، على الإغلاق الشامل ونزول المستوطنين إلى الملاجئ.
كما استطاعت التسبب بتعطل المرافق الرئيسية من المطارات والمنشآت النفطية، مثل إغلاق مطار بن غوريون (لأول مرة بسبب تهديد عسكري)، وصورة احتراق خزان النفط في محطة توليد الكهرباء بعسقلان.
كما فشلت منظومات الرصد والاستطلاع، خصوصاً الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، في كشف مواقع إطلاق وتخزين الصواريخ، رغم أنها تتواجد بشكل كثيف ودائم في أجواء القطاع، بالتزامن مع إعلان فصائل المقاومة لمواعيد إطلاقهم الصواريخ.
ما بين "حد السيف" و"سيف القدس" القسام لم يكتفِ بالعمل على ضرب مخططات ومحاولات التجنيد والاختراق التي لطالما أجاد الاحتلال الإسرائيلي هندستها وبرع من خلالها في اختراق ساحات عربية وإسلامية عديدة، لعل ذلك غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي فقد سُجل للقسام نجاحات باهرة في مجال العمل الاستخباري واختراق الجيش الإسرائيلي من الداخل.
ما بين "حد السيف" و"سيف القدس" هناك دور تكاملي مع الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة في غزة، وتتعدد جوانب هذا الدور وأهدافه، ويأتي في مقدمتها تمكين الجبهة الداخلية، والحفاظ على أمن أفراد المقاومة ومقدراتها، وذلك من خلال إحباط خطط أجهزة استخبارات العدو ومؤامراتها، خصوصاً ما يتعلق بالعملاء والأدوات التقنية، هذا على صعيد الدور الدفاعي.
أما على الصعيد الهجومي، فإن المقاومة تعتبر أن كل أراضينا المحتلة عام 1948 وعام 1967 والتي يجثم الاحتلال الغاصب عليها؛ مسرح عمليات أمنية لها، حيث تتعدد مهامها وأهدافها في هذه المنطقة، ومن المؤكد أن العمل الاستخباراتي للمقاومة أسهم كثيراً في تحقيق الانتصارات في الحرب الأخيرة سيف القدس على العدو الإسرائيلي.
عملية "حد السيف" و"سيف القدس" لا يزال صداهما يتردد في أروقة مؤسسات الكيان الأمنية والعسكرية، فقيادة العدو لم تتوقف للحظة عن البحث والتحليل والتعليل، وتارة أخرى البكاء والعويل على من قُتلوا.
عمليتا "حد السيف" و"سيف القدس" كانتا بمثابة فضيحة كبرى لأجهزة الاستخبارات العسكرية، حيث تسبّبت "حد السيف" في كشف العديد من وحدات الموساد والشاباك والمؤسسات التي تتحرك من خلالها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعديد من المناطق العربية والإسلامية وضد المقاومة بغزة، بالإضافة لكشف العديد من العملاء وفق ضربة أمنية للحكومة وأجهزة المقاومة الأمنية، وفي "سيف القدس" فشل الاستخبارات الإسرائيلية في جمع المعلومات اللازمة حول قدرات وأداء المقاومة وفشل مركز التحليل في فهم المعلومات بشكل صحيح نتج عنه فشل في تقدير موقف المقاومة من استعدادها للعملية العسكرية، كما نجحت المقاومة في تضليل كيان الاحتلال، الذي لم يكن يتوقع أن توجه أولى الضربات الصاروخية الكثيفة باتجاه مدينة القدس المحتلة، وفي أول يوم من أيام العملية أي الإثنين 28 رمضان، ما تسبب في صدمة لدى صناع القرار السياسيين والعسكريين.
ما بين "حد السيف" و"سيف القدس" الاستخبارات العسكرية للمقاومة أخذت أهمية وشمولية كبيرة، وغدت مرتبطة باستراتيجية المقاومة، وشملت مهماتها تفصيلات عن النظريات العسكرية، وعن البناء الحربي للعدو وخططه الحربية، وما يطلق عليه (تنظيم القوات للمعركة) التي بدورها تشمل المعلومات العامة عن أماكن الوحدات البرية والبحرية والجوية والبيانات الفرعية كأسماء الضباط ورتبهم والإشارات المميزة للوحدات.
مما تقدم نستطيع القول إن أعمال وأنشطة الاستخبارات، وفي ظل حالة عدم الاستقرار في المنطقة، تسعى قوى المقاومة جاهدة إلى تحديث وتطوير أجهزة الاستخبارات لديها؛ فالاستخبارات هي عينها التي ترى بها مواطن الضعف والخلل في جسد العدو، كما أن هذا السبق في صراع الأدمغة ما بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي سيتطور مستقبلاً، والصالح فيه للمقاومة وسيساعدها في عملية الصراع المستمرة حتى إيجاد توازن في القوى، ومن ثَم تفوق ولو بشكل جزئي لإحراز النصر على الاحتلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.