بعد خطاب الملك وتسليم المطلوبين .. 5 تطورات تخبرنا باتجاه العلاقات المغربية الجزائرية إلى خفض التوتر

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/11 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/11 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش
الحدود المغربية الجزائرية/ رويترز

ثمة خمسة تطورات مهمة برزت في الآونة الأخيرة بخصوص العلاقات المغربية الجزائرية، وهي رغم ما ترسله من إشارات متناقضة، فإن التفاعلات بينها، تنبئ بالاتجاه نحو خفض التوتر.

أول هذه التطورات، وهو إعلان الرئاسة الجزائرية عن حادث استهداف شاحنتين جزائريتين أفضى إلى مقتل ثلاثة جزائريين في الطريق المؤدية بين دفلة الجزائرية وموريتانيا، واتهام المغرب باستهداف الشاحنتين بأسلحة جد متطورة في إشارة إلى طائرات الدرون، التي اقتنتها القوات المسلحة الملكية مؤخراً.

ثاني هذه التطورات ارتبط بقرار مجلس الأمن حول الصحراء الذي ثمنته الرباط، وانتقدته الجزائر واعتبرته متحيزاً للمغرب وأطروحته.

ثالث هذه التطورات يرتبط بخطاب الملك محمد السادس في ذكرى المسيرة الخضراء، والذي لم يبادل التصعيد الجزائري بمثله، بل لم يذكر الجزائر بالمطلق في خطابه، واكتفى بالحديث عن التزام المغرب بمسار التسوية لملف الصحراء، واحترامه للشرعية الدولية، ولوقف إطلاق النار، ودعمه لجهود الأمم المتحدة في التسوية السلمية لهذا النزاع، وتثمينه للمواقف الدولية الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي.

رابع التطورات وهو ما يرتبط بإقدام المغرب على تسليم مطلوبين للعدالة الجزائرية، التزاماً من المغرب باتفاقية التعاون القضائي، وفتح الحدود الشرقية استثناء لتحقيق هذا الغرض، ويخص الأمر 11 جزائرياً وموريتانياً على خلفية اتجارهم في التهريب الدولي للمخدرات.

خامس هذه التطورات، ورغم أنه لا يتعلق بالمطلق بالمغرب، فإنه يحمل دلالة مهمة، كونه يتزامن مع التطور الثالث، فقد أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصريحات ودية إلى الجزائر، هي أشبه ما تكون بالاعتذار، يعتبر فيها أنه وقع سوء فهم لتصريحاته السابقة، وأنه يكن احتراماً للأمة الجزائرية.

مسارات التصعيد من جهة الجزائر لم تتوقف لمدة شهور، بدأت عملياً، باتهام المغرب بالضلوع في إشعال الحرائق التي اندلعت في عدد من الولايات الجزائرية وبشكل خاص في ولاية بجاية وتيزي ويزو، أعقب ذلك اتهامه بدعم الحركتين الانفصاليتين "الماك" و"رشاد"، ليبدأ مسلسل التصعيد العملي، من خلال إيقاف عقد تزويد المغرب بالغاز، وإيقاف تصدير الغاز الجزائري لإسبانيا وأوروبا عبر طريق أنبوب الغاز المغاربي المار من الأراضي المغربية، ثم التهديد بالرد الحازم على المغرب على خلفية اتهامه باستهداف الشاحنتين الجزائريتين وقتل ثلاثة جزائريين في الحادث.

من جهة المغرب، لم يسجل من جهته إلا تصعيد واحد، عبر عنه ممثله الدائم في الأمم المتحدة، السيد عمر هلال، حين رد على نظيره الجزائري، بالقول إن المغرب سيتعامل مع الجزائر بنفس الأسلوب، وأنه كما تقوم الجزائر بدعم الانفصاليين (البوليساريو) وتقدم لهم الدعم اللوجستي والعسكري، وتطالب باستقلال جمهورية الصحراء، فإن من حق الشعب القبايلي أن يتمتع بالاستقلال عن الجزائر، وهو التصعيد الذي أعلن الملك محمد السادس في خطابه للعرش أنه لا يتعلق بموقف سياسي عملي، وإنما بمناوشات وردود أفعال صدرت في المنتظم الدولي بين الجانب الجزائري والمغربي.

ردود فعل الأمم المتحدة حول حادث الشاحنتين الجزائريتين، وضع الأمور في نصابها، فالمتحدث باسم الأمين العام الأممي فرحان حق، كشف في جواب عن أسئلة صحفية، أن مكان وقوع الحادث لا علاقة له بالطريق التي تربط الجزائر وموريتانيا، وإنما هو في المنطقة العازلة (بئر لحلو)، وهي المنطقة التي يفترض أنها عسكرية، أي لا مبرر لوجود جزائريين بها، معلناً أن بعثة المينورسو توجهت إلى المكان وحددت مكان الشاحنتين ورصدت آثار الاستهداف، دون أن تكشف عن طبيعة الدمار الذي أصابهما، وهل يتعلق الأمر باستهداف من طائرات أم من باصطدام بألغام.

هذا الإعلان من جانب المتحدث باسم النائب العام الأممي، تسبب في حرج للجزائر، سواء معها أو مع موريتانيا، التي سارعت إلى نفي حدوث أي حادث فوق أراضيها ثم رتبت زيارة بعد ذلك إلى الجزائر للتنسيق حول الحدود البرية، ليبقي السؤال معلقاً حول مبرر وجود الشاحنتين في بئر لحلو، وما إذا كانت تحملان سلاحاً موجهاً إلى جبهة البوليساريو، مما يتطلب من جهة الجزائر توضيحاً.

الجزائر ورغم انتقادها لقرار مجلس الأمن، ورفضها للجلوس في الموائد المستديرة التي ترعاها الأمم المتحدة، ستكون مضطرة إلى توضيح طبيعة موقفها، أو على الأقل خفض مستوى التوتر في المنطقة، فقد ضغطت بقوة من أجل استئناف عملية التسوية، ونددت بحالة الفراغ من جراء عدم تعيين مبعوث خاص للأمين العام الأممي في المنطقة، ثم سارعت -عند تعيين دي ميستورا- إلى دعم جهوده لحل النزاع في الصحراء، لكنها اليوم، توجد في حرج الموقف من مخرجات قرار مجلس الأمن  بسبب رفضها المشاركة في الموائد المستديرة التي يعتمدها المبعوث الخاص الأممي كآلية لفك النزاع.

خطاب الملك محمد السادس كان بمثابة تتويج للدينامية التي أطلقتها الدبلوماسية المغربية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وما أحرزته من تقدم، برز في مخرجات قرار مجلس الأمن الأخير حول الصحراء، ولذلك، اختار عدم الرد على الجزائر وتجنب لغة ردود الأفعال والوقوع في التصعيد مؤكداً أنه لا يريد الحرب، وأن الدبلوماسية هي أسلوبه في الدفاع عن مصالحه، وأن الخيار الوحيد المتبقي للتفاوض، هو حول تفاصيل الحكم الذاتي لا خارجه.

الجزائر زاوجت بين أسلوب التصعيد وبين تبني الخيار الدبلوماسي والسياسي، فتوجهت لقطع إمدادات الغاز عن المغرب، وإحاطة التفاوض مع إسبانيا بجملة شروط سيادية، تحسن بها موازين القوى التي اختلت مؤخراً لصالح المغرب، كما أن توجه الرئاسة في بداية هذا الأسبوع، لعقد اجتماع مع ممثلي الهيئات الدبلوماسية والقنصلية للجزائر، ومحاولة تعبئتها للدفاع عن مصالح الجزائر، يشعر بانعطافة إلى الدبلوماسية في مواجهة المغرب وتخفيض مستوى التوتر والتصعيد.

في الواقع، ليست هناك مؤشرات كافية يمكن أن يستند إليها للقول بأن الجزائر طلقت بشكل كامل خيار التصعيد مع المغرب، فكل المؤشرات الموجودة، تشير إلى تعذر خيار الحرب، وإلى كلفتها الباهظة على المنطقة، وعدم جاهزية الطرفين لها، لاسيما في هذه الظرفية التي ينتظر فيه اقتصادا البلدين بعض الانتعاشة بعد جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة.

المغرب، من خلال خطوة تسليم مطلوبين إلى العدالة الجزائرية، أرسل رسالتين اثنتين، تتعلق الأولى بتصحيح تصور الجزائر بخصوص ملف المخدرات الذي طالما جعلته سبباً في عدم فتح الحدود. مضمون الرسالة أن وصول المخدرات إلى الجزائر عبر المغرب ليس سياسة دولة، وإنما هي سياسة تواطؤ مهربين من البلدين بل الأمر يتعلق بتهريب دولي، وأن الجواب الأفضل للتعامل مع هذا الملف هو تعزيز التعاون الأمني والقضائي. والرسالة الثانية، هو مساعدة الجزائر في الداخل، على تبرير ترك التصعيد.

المغرب يحاول من جهته التوجه لترك لغة التصعيد، فالتعبئة الداخلية التي تمت على خلفية افتراض معاداة الجزائر من قبل الأعداء، يصعب التحول عنها، دون مساعدة، لتجنيب المنطقة خطر التصعيد، كما يبين، على الأقل من جهة المغرب، حرصه على الوفاء بالتزاماته التي التزم بها، ولو كانت من طرف واحد، بل ولو كان قطع الجزائر للعلاقات الدبلوماسية بشكل منفرد يبرر التحلل من هذه الالتزامات.

التقدير، أن الجزائر اقتنعت أن خط التصعيد لن يؤدي إلى أي نتيجة، بل سيكون سبباً في المس بالاستقرار بالمنطقة كلها، وأن هناك مستجدات في قضية الصحراء، وأن الخيارات المطروحة للتدافع مع المغرب، ومواجهته، ينبغي أن تتوسل الأدوات الدبلوماسية والسياسية، أما خيارات الحرب المباشرة، أو الحرب غير المباشرة عبر دفع البوليساريو إلى المنطقة العازلة، وتسليحها، للعودة بملف الصحراء إلى  لغة البنادق، فهو خيار غير واقعي، لأن بعثة المينورسو تمتلك شرعية الوجود بنص قرار مجلس الأمن الأخير، وهي تراقب الوضع الأمني، وتراقب الخروقات العسكرية من الطرفين، كما أن الإمكانات التكنولوجية المتوفرة للمغرب أو لحلفائه، ستجعل هذا الخيار صعباً إن لم يكن مستحيلاً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد