فتحي علي باشاغا هو ابن مدينة مصراتة الليبية، وهو أحد رجال الأعمال في مدينته وطيار عسكري متميز في دفته واستقال سنة 1993، ذاع صيته بعد الـ17 من فبراير/شباط، أثناء حصار مدينة مصراتة من قبل كتائب القذافي، وأصبح أحد قيادات المدينة التي لها وزنها كرئيس لقسم المعلومات والإحداثيات بالمجلس العسكري مصراتة، ثم ناطقاً باسمه.
لم يتوقف عمل باشاغا السياسي بانتهاء الحرب على القذافي، حيث استمر باشاغا في حقل السياسة، وانضم إلى اللجنة الاستشارية في هيئة المصالحة الوطنية، بقرار من الحكومة المؤقتة، وعمل عضواً بالمجلس الاجتماعي بمدينة مصراتة، ورُشح عام 2013 لمنصب وزير الدفاع.
وفي عام 2014 انتُخب لعضوية مجلس النواب عن دائرة مصراتة، وبعد الانقسام السياسي الذي كان سببه خليفة حفتر، بإعلانه عن تجميد الإعلان الدستوري، قرّر باشاغا مقاطعة البرلمان، لتبدأ جولات الحوار السياسي، التي كان عضواً فيها، وتُوجت بالاتفاق السياسي سنة 2015، وتسمية المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
باشاغا وفترة تقلّده وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني
عرف باشاغا أكثر عندما كان وزيراً للداخلية، فبعدما فقد الجهاز الأمني قوته في البلاد بسبب توغل الميليشيات، وانتشار السلاح وعدم الاهتمام بالقطاع الأمني، وبعد أن عاش الليبيون فترات التسيب الأمني والخوف وانتشار الجريمة، استطاع باشاغا في فترة قصيرة أن يقلب الموازين ويفرض الأمن في مناطق نفوذه، وأن يُرجع الهيبة للجهاز الأمني بتوفير الإمكانيات لهم والمناخ المناسب للقيام بمهامهم على أكمل وجه.
كما حدّ من المظاهر المسلحة وخاصة في العاصمة طرابلس التي ما تلبث إلا وأن تشهد جريمة تقشعر منها الأبدان، بالإضافة إلى توغل الميليشيات في مفاصل الدولة، حتى ظهر في أحد التصريحات الصحفية وتكلم عن كمية الفساد المالي ومن وراءه وإلى أين سيقود البلاد إذا صمتنا عنه، وهنا أعلن أصحاب المال الفاسد والمستفيدين الحرب عليه، في محاولة لإسكاته ومحاربته مثلما فعلوا مع من سبقوه، مع كل هذا لم يذخر باشاغا جهداً في فرض الأمن والارتقاء بالجهاز الأمني، ولعل ما شهدته المنطقة الغربية وخاصة العاصمة من نقص الجريمة والأجواء الآمنة التي سادت على مواطنيها خير برهان ودليل.
باشاغا ودوره في فترة العدوان على العاصمة طرابلس
مع تردد معظم قيادات حكومة الوفاق يوم الرابع من أبريل/نيسان، إلا أن باشاغا كان أول من صرح عندما أعلن خليفة حفتر هجومه على طرابلس في محاولة منه للسيطرة على العاصمة وعسكرتها مثلما فعل مع شرق البلاد، بل إنه يوم الخامس من ذات الشهر والحرب على أشدها قام بزيارة لمديرية أمن طرابلس لمحاولة رفع المعنويات وشد العزيمة.
باشاغا كان الواجهة السياسية والعسكرية داخلياً وخارجياً طول فترة العدوان على طرابلس، فمع اشتداد العمليات العسكرية وتخلي المجتمع الدولي عن حكومة الوفاق كان هو حلقة الوصل بين السياسة الليبية وبين بعض الدول، وعلى رأسها تركيا، بحيث نجح باشاغا بتتويج هذا التواصل بتوقيع اتفاقية أمنية ساهمت في دعم قوات الجيش الليبي بحكومة الوفاق الوطني وصد قوات حفتر.
واستطاع باشاغا أن ينجح فيما لم ينجح فيه وزير الدفاع والمالية، حتى إن البعض وصفوه بأنه الرئيس الفعلي غير المعلن في تلك الفترة، حتى إنه أصبح البوصلة السياسية في ليبيا، فقد كان جريئاً في زيارة رسمية لإحدى الدول التي دعمت العدوان على طرابلس عسكرياً ولوجستياً، ورغم حملة الانتقادات التي تلقاها في ذاك الوقت فإنه فتح الباب من خلال هذه الزيارة للسياسيين الليبيين وشجعهم على زيارة هذه الدولة بعده.
باشاغا وعلاقاته الدولية
في مشهد ديمقراطي تمت عملية التسلم والتسليم بين فتحي باشاغا "وزير الداخلية بحكومة الوفاق" وبين نظيره بـ"حكومة الوحدة الوطنية" خالد مازن، الذي تسلم مهامه شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام، خروج باشاغا من وزارة الداخلية لم يقف عقبة أمام تحركاته الدولية والسياسية النابعة من حسه بالمسؤولية الوطنية ورغبته في الترشح للرئاسة.
في يوم 17 من شهر مايو/أيار الماضي، انطلق باشاغا في رحلة سياسية أوروبية تخللتها العديد من اللقاءات بالشخصيات الدبلوماسية المسؤولة عن الشرق الأوسط والشمال الإفريقي.
وحسب المعلن فإن الانطلاقة كانت في "بروكسل"، عاصمة الاتحاد الأوروبي، حيث التقى بالسيدة فإن كالستر، المدير العام للشؤون الثنائية، وناقشا أهمية الانتخابات المرتقبة ودعم الاتحاد الأوروبي لها، وضرورة سحب المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، لتكون المحطة الثانية في "برلين" مع رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن حيث دار اللقاء على مؤتمر برلين الثاني وأهميته على توفير المناخ الدولي والإقليمي للانتقال الديمقراطي للسلطة.
وتلا هذا اللقاء لقاؤه مع وزير الدولة بوزارة الخارجية الألمانية "نيلز آنين"، وعضو البرلمان الألماني الدكتور "بيتر رامسور، ولتكون الوجهة الألمانية الأخيرة لمركز الأبحاث الألماني، وحسب ما أعلن باشاغا عبر بواباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي فإن المجتمع الدولي اليوم يحث على ضرورة الدفع تجاه انتخابات جديدة في ليبيا "رئاسية وبرلمانية"، ويرى أنه من الضروري خروج كل المرتزقة والالتزام بمخرجات الاتفاق السياسي، الذي ينص بإيقاف الحرب وإجراء انتخابات في موعدها المقرر يوم 24 ديسمبر/كانون الأول.
الخلاصة
رغم خروج باشاغا من وزارة الداخلية إلتزاماً بمخرجات الاتفاق السياسي، إلا أن قاعدته الشعبية لا زالت صلبة نظير ما قدمه للدولة من أعمال يقر بها الصديق والعدو، بل أن هناك أصوات اليوم تطالبه بالتقدم للانتخابات الرئاسية في ديسمبر القادم، وهذا ما سيضع باشاغا أمام المسؤولية الاجتماعية والوطنية، وكذلك دوليا، فبعد أن لبس عباءة محاربة المليشيات ومافيا المال العام أصبحت أسهمه الدولية في ارتفاع ولم تنخفض بتركه للداخلية ولعل إشادة السفير الأمريكي بما قدمه باشاغا في هذا الاتجاه كافية، واليوم العديد من الدول تثق فيه وقد تراه الأنسب لرئاسة ليبيا، خاصة الدول الأوروبية فهي الأكثر تضررا بالوضع السياسي الليبي ومن مصالحها أن يكون الرئيس القادم له حاضنة شعبية داخليا وعلاقات دولية خارجيا لصناعة الاستقرار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.