لماذا أبكي كلما استمعت إلى القرآن الكريم؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/10 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/10 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
المصحف الشريف، القرآن الكريم/ الصورة من Istock

القرآن الكريم نص "خطير". ليس خطيراً بالمعنى الاصطلاحي، وإنما خطير بالمعنى اللُّغوي المباشر.

خطير؛ يعني له وقع، ليس لغيره أبداً من النصوص. وقع آسر. يخطفك، يغزوك كلياً.

كلما استمعتُ إلى تلاوة جيدة للقرآن الكريم، لم يتملكني مع الشعور بالونس، إلا الرغبة في: البكاء.

لا شك عندي أبداً، في أن هذا النص هو كلام الله. وهذه هي المشكلة!

كلما فتح الله عليّ بالاستماع إلى تلاوة جيدة، أشعر بانهيار كلّ الجسور والحواجز والدفاعات والمُلهيات. الله، عز وجل، موجود، وذاك الكلام العذب كلامه، وأنا أيضاً لا زلت موجوداً أستمع إلى هذا كلام الله. هكذا ببساطة. ليس الأمر بسيطاً أبداً.

القرآن مسبوكٌ لُغوياً على نحو فريد، أقل ما يقال إنه فريد. بمجرد أن تسمعه، "يخطفك" بمشيئة الله، ولعل هذا الوقع المفاجئ الذي يخلب اللبّ ما إن يتعرض لتأثير القرآن، هو ما دفع معارضي الرسالة إبان الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى الحث على ضرورة اللُّغو فيه والإعراض عنه، لأن له وقعاً خاصاً.

إحدى زوايا النظر الجميلة في منطق الخطاب القرآني، هو أن القيم الأخلاقية في النص ليست مبثوثة بشكل مباشر على نحو دائم من باب: افعل ولا تفعل، وإنما هي، أيضاً، قيم حاكمة للوسيط الذي يتلقى القرآن عن جبريل، فيتحرى تكراره حتى لا ينساه، مخافة أن يقصر في تبليغ الرسالة: الرسول، عليه الصلاة والسلام.

استخدم الله عز وجل، هذه القيم المبثوثة في النص بشكل غير مباشر، للتدليل على أن من يتخلق بهذه القيم؛ لا يمكن أن يفتري على الله الكذب، ويدعي أن هذا الكلام من عند الله.

تأمل قوله تعالى في سورة الإنسان عن صفات الأبرار في الجنة: "يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً، ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً، إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً".

مع فرادة السبك، الذي لا يبتغي إمتاعاً فنياً محضاً، كمجمل أشعار العرب؛ كيف يمكن لمن يستحضر تلك القيم والمعاني، أن يفتري على الله الكذب؟ كيف يمكن لمن يتخلق بهذه الأخلاق، أن يقول على الله ما لم يقله؟ حاشاه، صلى الله عليه وسلم.

هذا بافتراض "القدرة"، يعني أن الأخلاق تلجم القدرة. ولكن، كيف لبشر أصلاً، أن يقول هذا الكلام؟ هذا ليس كلام البشر، والله ليس كلام البشر. هو، كلام الله يقينا. في أيدينا بالفعل قدر معقول من كلام البشر المكتوب في مجالات وأزمان وبلغاتٍ شتى؛ لكن هذا الكلام الموجود في القرآن، لا ينتمي، قطعاً، إلى ذلك التصنيف، هو جنس مختلف من "السَّبْك".

لعل أيضاً من أجمل خصائص النص القرآني الدالة على فرادته، هي: الاتساق. الاتساق في البناء اللُّغوي، والاتّساق في المعاني، العقيديّة والأخلاقية ومصدر "الصوت للراوي" الخارج عن نفس قائله. تختلف الوقائع، والظروف والسنوات التي نزل فيها القرآن؛ ولكن نظل أمام نفس "الاتساق".

ولعل أيضاً، من عظمة الرسالة المحمدية، المبثوثة بشكل رئيس في القرآن، الذي هو كلام الله يقيناً، أن "المطلوب" من البشر فيها ليست أموراً "غريبة" – وإنما سلسلة منطقية ومفهومة في معظمها، وللإمام ابن تيمية كلام طيب في هذا السياق عن الفرق بين: محارات العقول، ومحالات العقول.

فقط، إله واحد خالق، أرسل الرسل، وختمهم بمحمد، الذي يتبوأُ مكانة مخصوصة عند الرب، لأسباب كثيرة، والذي يبلغكم أن الربّ جل وعلا، لا يطلب منك إلا كل شيء طيب، في: الاعتقاد والمعاملات والأخلاق. وأن تتجنبوا السبل. الصعوبة بالتأكيد، ليست في مضمون الرسالة القرآنية، ولكن في أمور أخرى تتعلق بالإنسان وأحواله وعلاقته بالدنيا.

"أفلا يتدبرون القرآن؟ ولو كان من عند غير الله، لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً"!.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

تحميل المزيد