ترحيل الأزمة وإدانة التجربة الديمقراطية الوحيدة.. ماذا أنتجت لجنة التحديث الملكية الأردنية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/10 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/10 الساعة 10:02 بتوقيت غرينتش
ملك الأردن عبدالله الثاني، أرشيفية/ رويترز

"برزت كتل سياسيّة قوية استطاعت تشكيل أول حكومة برلمانيّة في عام 1956، مثّلت تجربة مهمة في التاريخ السياسيّ الأردنيّ، لكنّ ظروفاً معقّدة داخلية وإقليمية ساهمت في إخفاق تلك التجربة وتعطيل الحياة الحزبيّة، لعل أبرزها عدم نضوج الأداء السياسيّ للأحزاب في ذلك الوقت، والقصور في فهم حدود العمل الديمقراطيّ؛ وتجسّد ذلك في خلط الحكومة بين مفهومَي (الولاية الدستورية) و(الاستفراد بالحكم)، ومنح الامتدادات العقائدية الخارجية الأولويةَ على الاعتبارات الوطنيّة، الأمر الذي أدى إلى حظر الأحزاب السياسيّة وفرض الأحكام العرفية، فلا يمكن القبول بالتدخّل الخارجي، أو الاستقواء على النظام السياسيّ، أو اللجوء إلى القوة والمحاولات الانقلابية". 

  • من نص الوثيقة المرجعية للجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.

هكذا وصفت اللجنة الملكية التي يترأسها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي التجربة الديمقراطية الوحيدة في التاريخ السياسي الأردني. وصفتها بالإدانة والاتهامات بالعمالة للخارج وبعدم النضج الحزبي والسياسي، مبررةً فرض الملك الحسين للأحكام العرفية كرد فعلٍ على ما اقترفته حكومة الوطنيين الاشتراكيين بزعامة السياسي سليمان النابلسي، ومهددةً الأردنيين بمصيرٍ مشابهٍ في حال تمّ "الاستقواء على النظام السياسي" بحسب تعبير الوثيقة!

قد يختلف البعض مع طريقة إدارة حكومة النابلسي للأزمة مع القصر الملكي، وقد يدّعي البعض بأنّ إجراءات الملك الراحل الحسين وانقلابه على الحكومة المنتخبة ديمقراطياً ومن ثمّ فرضه للأحكام العرفية لم تجعل منه دكتاتوراً مطلقاً، ولكن هل يمكن أن تصل الأمور بلجنةٍ منوطٍ بها تحديث المنظومة السياسية أن تدين التجربة الديمقراطية الوحيدة في البلاد، وأكثر من ذلك أن تبرر اللجوء لفرض الأحكام العرفية لضمان عدم تكرار هذه التجربة الديمقراطية؟!

نعرف جيداً أنّ سمير الرفاعي مثلما هو سليل عائلةٍ خدمت مشاريع النظام السياسي، هو كذلك يمثّل عقلية وتفكير أحد الأجنحة الرئيسية في نادي الحكم، وهو جناحٌ يفتقد لأي قواعد شعبيةٍ أو حزبيةٍ، ويقدمّ نفسه كمدافعٍ أوّل عن النظام السياسي "الملك"، وعليه فهو يعتبر كلّ تجربةٍ تنادد الملكية في الأردن "على غرار تجربة النابلسي" تعدياً على مكتسبات هذا الجناح بالتوازي مع كونها تعدياً على الخطوط الحمراء التي تحاول منازعة الملك في حكمه، خصوصاً عندما تكون هذه التجربة مدعّمةً بزخمٍ وتأييدٍ شعبي.

ولقد كنت سألت الرفاعي نفسه عمّا يريده الملك من وراء مشروع هذا التحديث السياسي برمته، دون أن يجيب الرجل إجابةً واضحةً، ولكنّ مخرجات اللجنة هي خير تجسيدٍ لشكل التحديث الذي يريده الملك، وهو ما يعني أنّ التفاتة الملك لحجم الاحتقان والغضب الشعبيين لم تكن بحجم المنتظر، بل إنّ جلّ ما فعله هو ترحيل الأزمة وشراء الوقت في انتظار تحسّن الأمور من تلقاء ذاتها.

تمثّل الوثيقة بالتوازي مع باقي مخرجات اللجنة، مختصراً مفيداً عن شكل "التحديث" الذي يريده الملك، وهو تحديثٌ يلقي للنّاس الفتات دون أملٍ في تغيير شكل المنظومة السياسية، أو تمكين الشعب من امتلاك زمام أمره واختيار من يمثّل مصالحه.

ديمقراطية تناسب الأردنيين

في بداية الشهر أعلنت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية النتائج والتوصيات التي توافقت عليها وشملت مسودتي مشروعي قانونين جديدين للانتخاب والأحزاب السياسية، والتعديلات الدستورية المتصلة حكماَ بالقانونين وآليات العمل النيابي، إضافة إلى التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة.

مجلس نقابة المعلمين الأردن
جانب من احتجاجات المعلمين الأردنيين المطالبين بعلاوتهم في سبتمبر، أيلول 2021 – الأناضول

وتضمن التقرير الذي تسلمه الملك عبدالله الثاني الوثيقة المرجعية والرؤية الوطنية لتحديث المنظومة السياسية، والملخص التنفيذي والتفصيلي لنتائج أعمال اللجنة الملكية وآثارها المتوقعة.

ووضع التقرير ملامح التدرج للوصول إلى النموذج الديمقراطي الأردني، للانتقال عبر مراحل زمنية في تطوير التشريعات والبنى المؤسسية والممارسات وصولاً إلى النضج الديمقراطي.

وتضمنت الورقة المرجعية في التقرير مجموعة من المنطلقات والشروط التي توافقت عليها اللجنة في التوصيات، والتي تشكل مجتمعة البيئة الحاضنة لبناء النموذج الديمقراطي الأردني المطلوب، وهي تحديث وطني شامل ومتكامل يشتمل على التحديث والتطوير الاقتصادي، والتحديث والتطوير الإداري والقضائي، وصولا إلى تحديث المجتمع في أنساقه الثقافية والاجتماعية المتعددة. ووضعت اللجنة الشمولية والتكامل في التحديث السياسي بدائرتين أساسيتين؛ تتمثل الأولى في البيئة الداخلية للتحديث السياسي بما تنطوي عليه من تحولات وعمليات تمس التشريعات وبنى المؤسسات وما يتصل بها من حريات عامة ومنظومة حقوق الإنسان، أما الدائرة الثانية فهي البيئة العامة الأشمل التي تعنى بالتحديث الاقتصادي والتحديث الإداري والقضائي وصولاً إلى تحديث المجتمع.

وأشارت اللجنة إلى أن النموذج الديمقراطي يجب أن يكون "ديمقراطية تناسب الأردنيين"، فلا توجد دولة تشبه دولة أخرى في مسارها التاريخي نحو الديمقراطية.

هندسة ليبرالية 

اليوم في مقال على المنبر الليبرالي جريدة "الغد" الأردنية، يقدم الأستاذ سائد كراجة -أحد منظري التيار الليبرالي الملكي في الأردن- دفاعاً عن الوثيقة المرجعية للجنة الملكية للتحديث السياسي "المنتهية أعمالها".

وفي إطار استمرار هجوم اللجنة "الملكية" على التجربة الديمقراطية الوحيدة في تاريخ الأردن، المثمثّلة بحكومة الوطنيين الاشتراكيين بزعامة سليمان النابلسي، يحمّل الأستاذ كراجة الحكومة مسؤولية فشل التجربة، بحجة "أن التجربة شابها الكثير من التدخل الحكومي في شكل ومضمون العملية والتجربة الديمقراطية"، في تأكيدٍ منه على ما كنت قد طرحته سابقاً حول عدم رغبة هذه اللجنة -خصوصاً مهندسيها "الليبراليين"- في أي مساسٍ بمكتسبات النخبة الحاكمة، أو أي محاولةٍ للوصول إلى ديمقراطية اجتماعيةٍ أو تمثيليةٍ حقيقية، بحيث تبقى هذه النخبة تتداول السلطة في ظل الرعاية الملكية، مع نزوعها نحو شكلٍ ليبرالي على غرار فترة صعود الرزاز المأساوية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر المعادات
مدرس وكاتب أردني
مدرس وكاتب أردني
تحميل المزيد