تقدم هدايا مجانية وتنازلات غير محسوبة.. لماذا على السعودية تغيير سياستها في المنطقة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/09 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/09 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان/ رويترز

"إسرائيل أسهمت في إحلال الاستقرار والسلام في المنطقة". لم يرد هذا الكلام على لسان وزير خارجية إسرائيل، أو وزير الخارجية الأمريكي، أو حتى من وزير خارجية دولة عربية مطبِّعة مع إسرائيل، بل صدر عن وزير خارجية المملكة العربية السعودية خلال مؤتمر صحفي عقده خلال زيارته الأخيرة لواشنطن. 

لم يعترض أحد في المنطقة العربية على ذلك التصريح، إذ كان القصد منه التأكيد على موقف المملكة المبدئي من إسرائيل، ولأن العلاقات السعودية-الإسرائيلية باتت علاقات متينة في السنوات القليلة الماضية، لكن ما يدعو للعجب هو أن يلجأ سمو الوزير إلى "تزوير" التاريخ من أجل محاباة تل أبيب، وكل ذي ضمير يعلم أن إسرائيل ومنذ نشأتها جلبت معها الخراب والدمار والحروب وعدم الاستقرار إلى المنطقة، وشرّدت شعباً بأكمله، ونكّلت بنسائه وأطفاله وشبابه وشيوخه وما زالت.

إن سياسة استجداء إسرائيل لضرب إيران هي سياسة "استجداء النار خوفاً من الرمضاء"، مع العلم أن إسرائيل لا ترغب في إشعال حرب مع إيران -على الأقل حالياً- وكذلك الأمر الولايات المتحدة الأمريكية، وما تمارسه إسرائيل من دعاية وتهويل من خطر إيران النووي هدفه الحصول على أحدث الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية مجاناً، كي تبقى الأقوى في المنطقة. في سبيل ذلك تروّج إسرائيل صورتها كنعجة بين ذئاب، لتحصل على تضامن وتأييد دوليين، يمكّنانها من قضم الأراضي العربية المحتلة نهائياً وترويض الشعب الفلسطيني أو إبادته. 

لذلك كان من المفترض ألا يغيب عن بال سمو الوزير أن "رأس الأفعى" بالنسبة لإسرائيل هم العرب وليس إيران، وسيكشف له المستقبل القريب أن اتفاقات أبراهام وسياسة التطبيع ما هي إلا سلسلة من الهدايا المجانية التي لن تغير من الطبيعة العدوانية التوسعية الإسرائيلية قيد أنملة.

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي/رويترز

أما سياسة محاباة أمريكا للخروج من المستنقع اليمني فلن تجدي نفعاً هي الأخرى، بسبب تقاطع المصالح بين الحوثيين وأمريكا، حيث إن الأولوية في السياسة الأمريكية تجاه اليمن هي لمكافحة الإرهاب، وليس لحفظ ماء وجه من يرغب في الانتقال السلس للعرش بين جيلين في المملكة، فكل الوقائع الميدانية والسياسية تؤكد عدم انزعاج أمريكا من تمدد الحوثيين، حيث رفعت الإدارة الأمريكية مؤخراً اسمهم من جداول المنظمات الإرهابية، ولم تعترض سابقاً على استيلائهم على صنعاء، بل على العكس، فقد شاركت الطائرات الأمريكية في قصف تنظيم القاعدة في محافظات يمنية إبان اشتباكاتهم مع الحوثيين، إضافة إلى تزويد أمريكا للحوثيين بمعلومات استخباراتية عن التنظيم العجوز.

صحيح أن العلاقات الأمريكية- الإيرانية التي كانت ممتازة زمن الشاه هبطت عدة درجات، لكنها لم تنقلب إلى عداء جدّي، لأن إحدى وظائف إيران للاستراتيجية للإدارة الأمريكية هي أن تبقى "بُعبع" جاثماً على صدر حكام دول الخليج العربي بحيث يتسنى لأمريكا الاستحواذ على ثروة تلك الدول بحجة حمايتها من الخطر الإيراني؛ لذا مع إطلاق أمريكا لمشروع الشرق الأوسط الكبير تمدد النفوذ الإيراني إلى رحاب تتجاوز حدود الخليج العربي بغض طرف أمريكي واضح.

أهل مكة أدرى بشعابها، ومختصر ما نريد هو ألا نرى دولاً عربية جديدة تتمزق وعيوننا مفتوحة، خصوصاً أننا نرى هواة يمارسون السياسة في عالمنا العربي، وليس رجال دولة.

لذلك نرى أن الديناميكية العدوانية المستجدة على سياسة المملكة السعودية في الداخل والخارج من تشتيت وتحطيم لمنافسي ولي العهد محمد بن سلمان من الأسرة المالكة وترويض قسري للمؤسسة الدينية، وقمع أية حركة تطالب بحقوق سياسية، ناهيك عن الفشل في حرب اليمن وفي حصار قطر ومزاحمة الحليف الإماراتي الحميم على مقر الشركات الأجنبية، لم تؤتِ ثمارها، بل زادت موقف السعودية صعوبة في الساحة العالمية.
هل بات البحث عن البصيرة السياسية لصناع القرار في مملكة النفط يشبه البحث عن إبرة في كومة قش؟ 

أتمنى أن أكون على خطأ، وأن يعمد صناع القرار هناك إلى مراجعة ما فعلوه إذا كان لديهم رغبة في إنجاح ما سموه "رؤية 2030". والطريق واضح، يبدأ بالتخلي عن هذه العدوانية الطارئة والعودة إلى السياسة الحكيمة المعتدلة؛ لأنه من المستحيل وضع البندقية على كتف وإطلاق الرصاص منها، وفي نفس الوقت وضع العود على الكتف الآخر والعزف عليه.

وفي الختام.. أقول: أهل مكة أدرى بشعابها، ومختصر ما نريد هو ألا نرى دولاً عربية جديدة تتمزق وعيوننا مفتوحة، خصوصاً أننا نرى هواة يمارسون السياسة في عالمنا العربي، وليس رجال دولة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد