في حربها المستمرة ضد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، جاءت الخطوة الأمريكية الجديدة لتطال مجال الطائرات المسيرة التي تتكئ عليه طهران في استهداف مصالح مناوئيها في المنطقة، وهو المجال الذي استطاعت أن تخطو فيه خطوات جيدة في الفترة القليلة الماضية، خاصة بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة وحتى الآن.
الخطوة الأمريكية الجديدة تضمنت عقوبات جديدة، الجمعة، واستهدفت أعضاءً في "شبكة من الشركات والأفراد قدموا دعمًا مؤثرًا" لبرامج الطائرات دون طيار وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
كذلك استهدفت عقوبات واشنطن سعيد آغاجاني، قائد قيادة الطائرات بدون طيار التابعة لقوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني، حسب بيان وزارة الخزانة الأمريكية، الذي قال إن فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني "استخدم الطائرات بدون طيار القاتلة وانتشر استخدامها من قبل الجماعات المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله وحماس وكتائب حزب الله والحوثيون، وإثيوبيا، حيث تهدد الأزمة المتصاعدة بزعزعة استقرار المنطقة الأوسع".
أين مكمن الخطر الحقيقي؟
من المعلوم بالضرورة أن ترسانة الأسلحة الأمريكية في الشرق الأوسط قادرة على حسم أي صراع محتمل مع الجمهورية الإيرانية، فالحصار الأمريكي وضعف الاقتصاد أعاقا التقدم الإيراني في الجانب العسكري بشكل واضح، وإن كانت طهران تعمل على تحسين وضعها العسكري من خلال صفقات مع الصين أو روسيا على فترات متباعدة.
لكن في المقابل ومع اشتعال الحرب في اليمن، وتفجر مناطق أخرى استهدفت بالمقام الأول مصالح إيران خاصة في فترة دونالد ترامب التي كان يعمد فيها إلى تجريد إيران عسكرياً وسياسياً من نفوذها، وإن كان أخفق في ذلك، عمدت طهران جراء هذه الظروف كافة إلى نقل الصراع العسكري مع خصومها وكذلك مصالح واشنطن في الشرق الأوسط إلى مساحة أخرى.
لذلك فإن نقل الصراع إلى مساحة الطائرات المسيرة، وقدرة إيران على اختراق التسليح العسكري لبعض خصومها مثل السعودية أقلق إسرائيل وواشنطن، ولفت انتباههما إلى أن هناك سلاحاً جديداً قادماً في المعركة ربما يغير الصورة النمطية عن الصراع في الشرق الأوسط منذ سنوات.
فالخطوة هنا على سبيل المثال ما يفعله الحوثيون في اليمن، من خلال إطلاق طائرات مسيّرة محملة بالمتفجرات، بمكونات قادمة من إيران، وكثيراً ما استهدفت هذه الضربات شركات مثل أرامكو وبنى تحتية سعودية كالمطارات وأهداف مدنية أخرى، أحدثت معها قلقاً حقيقياً واستنزافاً للجانب السعودي الذي اضطر إلى توقيع صفقات ضخمة مع الجانب الأمريكي لشراء أسلحة متنوعة لحماية نفسه من الهجمات الحوثية وكان آخرها الصفقة التي أبرمتها الرياض مع واشنطن في الخميس 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بقيمة 600 مليون دولار وتضمنت شراء أسلحة جو- جو.
كذلك فإن مكمن الخطورة الآخر في تطور سلاح الطائرات الإيرانية، هو ما قاله تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2021 إن إيران نجحت في اختراق ثغرات في نظام الرقابة على الصادرات حول العالم ما ساعدها على استيراد مكونات الطائرات المسيرة من الصين.
في المقابل، تعمل مجموعات تابعة للقوات المسلحة الإيرانية، بعد استيراد مكونات الطائرات المسيرة من شركات صينية، تقوم هذه المجموعات بإنتاج الطائرات المسيرة واختبارها وإدخالها في الخدمة بعد ذلك لتستخدمها القوات الإيرانية في استهداف المصالح الأمريكية والخليجية في المنطقة وكذلك توريدها إلى الحوثيين وإلى حزب الله.
ربما يرى البعض أنه ليس هناك مشكلة في استيراد إيران مكونات الطائرات المسيرة من الجانب الصيني، أو من أي طرف آخر، لكن في الحقيقية فإن دخول الصين لمساحة الصراع العسكري الإيراني الأمريكي في الشرق الأوسط وتزويد طهران بما تحتاجه من معدات عسكرية سيجعل من بكين صاحبة موطئ قدم في صراع الشرق الأوسط، وهو ما يفزع أمريكا بالمطلق، والتي تتخوف من أن الصين قادرة على احتلال مناطق نفوذها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من الصراع حول العالم، ما يهدد مصالح ونفوذ وحتى حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.
ممرات الملاحة في المنطقة
ذهاب واشنطن إلى ورقة العقوبات على سلاح الطائرات المسيرة الإيرانية، لم يقتصر فقط على ما ذكرناه سابقاً من مخاوف، بل إن تطور نشاط البحرية الإيرانية في خليج عمان وفي مضيق هرمز وتضييقه على الملاحة وحركة تجارة النفط، كان سبباً وجيهاً لإقدام واشنطن على التضييق على نفوذ إيران في هذا الملف.
ففي 29 يوليو/تموز 2021، وقع هجوم إيراني على سفينة الشحن التجارية ميرسر قبالة سواحل عُمان، أسفر عن مقتل اثنين من أفراد الطاقم، وقبلها ما وقع من أحداث مشابهة في مضيق هرمز قامت بها البحرية الإيرانية في الشهور الماضية، فضلاً عن قصف المنشآت النفطية السعودية 20219 بالطائرات المسيرة الإيرانية على يد الحوثيين، كلها أسباب وجيهة أيضاً لعقوبات أمريكية جديدة على إيران.
حتى إن الإدارة الأمريكية في عقوباتها على سلاح الطائرات المسيرة الإيرانية لم تكتفِ فقط بأشخاص ومؤسسات إيرانية تعمل على تطوير هذا السلاح، بل ستسعى وفق تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي عقَّب على جملة العقوبات بقوله إن واشنطن ماضية في استخدام تلك العقوبات من أجل احتواء وتفكيك شبكات البيع التي تسمح بتوريد المواد والتقنيات المتعلقة بالطائرات المسيرة.
الغريب بالفعل وهو مثار اهتمام حقيقي ومصدر قلق بطبيعة الحال للجانب الإسرائيلي والجانب الأمريكي في الشرق الأوسط، هو أن إيران استطاعت اختراق مجال الطائرات المسيرة، وهو المجال الذي كان مقتصراً على الجيوش النظامية والمتقدمة مثل أمريكا وإسرائيل وكذلك تركيا في الآونة الأخيرة.
فقد كان تركيز الجانب الأمريكي والإسرائيلي على الملف النووي الإيراني فقط باعتباره المهدد الحقيقي لأمريكا ومصالحها وحلفائها في المنطقة، لكن لم يدركوا إلا مؤخراً أهمية سلاح الطائرات المسيرة الإيراني في إعادة رسم شكل صراع المصالح في الشرق الأوسط من جديد، وذلك في السنوات القليلة الماضية.
العقوبات وحدها لا تكفي
رغم الدور الواضح لإسرائيل في تحجيم نفوذ إيران في الشرق الأوسط، حتى إن صحيفة " هآرتس " الإسرائيلية قالت إن تل أبيب نقلت معلومات هامة عن نظام الطائرات المسيرة إلى واشنطن ما ساعد في فرض العقوبات الأمريكية.
لكن إسرائيل لم تتوقف عند تبادل المعلومات فقط مع الولايات المتحدة حول أنظمة الطيران المسيَّر التي تمتلكها الجمهورية الإيرانية، بل تسعى لتجنب أي محاولات إيرانية لاستهداف المصالح الإسرائيلية أو الأراضي الإسرائيلية سواء من جانب حزب الله في لبنان، أو أي من مصالح إسرائيل في المنطقة، وذلك من خلال إطلاق منطاد ضخم جديد مجهَّز بنظام متطور للكشف عن الصواريخ والطائرات في سماء شمال إسرائيل.
تسعى إسرائيل من خلال ذلك إلى تحسين دفاعات البلاد لمواجهة الطائرات المسيرة الإيرانية، وذلك عن طريق نشر نظام الكشف المسمى "سكاي ديو" على ارتفاعات عالية، وذلك في مشهد من السباق العسكري في المنطقة بين إيران وإسرائيل والغلبة في النهاية لمن يستطيع أن يتحكم في مفردات الصراع العسكري لصالحه وبأقل الخسائر الممكنة.
تبقى الإشارة هنا إلى أن النظام الإيراني الذي يواجه ضغوطاً دولية كبيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن اختراق إسرائيلي واضح لنظمه الأمنية، يحاول أن ينقل الصراع إلى مساحة أخرى يحقق فيها مكاسب واضحة يروِّج من خلالها لمواطنيه في الداخل قدرته على الانتصار على العدو التاريخي للثورة الإيرانية وهو إسرائيل وكذلك أمريكا، وذلك في محاولة منه لضمان ألا يجد إبراهيم رئيسي نفسه وحيداً أمام تذمر داخلي، يدفع لتظاهرات كالتي حدثت ضد سلفه حسن روحاني والتي كانت سبباً في اهتزاز مكانة الرجل أمام الشعب والنظام الإيراني كل على حدة وإدراك الجميع أنه، أي روحاني، غير قادر على قيادة البلاد بحرفية، وهو ما لا يريده النظام الإيراني لابنه "المدلل" رئيسي!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.