تقطع صديقتي الغلاف والمقدمة، وتعطيني الكتاب، أتعرف على البطل من خلال سطور قليلة، هو "الفقير المستور"، أتساءل هل بطل الكتاب شخص يحكي مأساته لنشفق عليه، ثم أتفاجأ باسمه، أتصفح الكتاب لأتأكد، إنه من حفر اسمه بجانب أفلامه، فأصبحت سينما المخرج "سينما صلاح أبو سيف".
صارت أفلامه قادرة على توصيف المشهد من خلال صورة فنية دقيقة وجميلة، واقعيتها جعلتها مرجعاً لبعض الأحداث والوقائع والحكايات، كان الكتاب "مذاكرات صلاح أبو سيف"، الصادر عن دار ريشة للنشر والتوزيع.
سيرة صلاح أبو سيف التي لم تكتمل بسبب مرضه، ثم مفارقته للحياة، سيرة بدأت بالطموح ومرت بالتحقق ثم وصلت للعالمية.
صلاح أبو سيف رائداً للواقعية
لغز الواقعية تفسره حياة أبو سيف، فأبو سيف عاش دون أب، إذ قرر الأب ترك الأم والأطفال في وقت مبكر، فذاق أبو سيف مرارة الحرمان، وعاش على نفقة والدته التي تكدح وتتعب من أجل تعليمه في بيت جده لأمه، في كنف خاله بحي بولاق الدكرور في مصر.
اكتشف أبو سيف الحياة بمفرده، فعرف ماذا يكره، وماذا يحب، أو ماذا يعشق، وكانت إجابته السينما، هذا العشق بدأ في المرحلة الابتدائية، وبلغ ذروته أثناء عمله مساعداً في قسم المونتاج في استوديو مصر، فيقرر أبو سيف السعي وراء شغفه، حتى وإن كلفه الأمر عدم القدرة على دفع إيجار شقته، ليبدأ بعد ذلك خطوته الأولى نحو تجسيد الواقع.
أبو سيف لم يدرس السينما، وإنما عرف السيناريو والإخراج بحسه، ومن خلال الواقع الذي يعيشه، فهو الذي لا يبني قصوراً في الأفلام، وإنما يبني حارة وحماماً شعبياً، يرى أبو سيف أن السينما هي المكان الوحيد التي يقبل الواقع بدون تجميل، لذا قدم أبو سيف الظلم والقهر في "الزوجة الثانية"، "بداية ونهاية"، "المواطن مصري"، والفلسفة الاجتماعية في "القاهرة 30" و"بين السماء والأرض"، وبذلك كان نصيب أبو سيف من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية 12 فيلماً.
مثلما نقل أبو سيف من خلال أفلامه الواقع أيضاً نقل واقعه، فكان إماماً في فيلم "شباب امرأة"، وهو نفسه أبو سيف ولكن في باريس، فعندما سافر إلى باريس وقع فريسة لشفاعات، ولكن شفاعات الفرنسية وليست صاحبة السرجة، هذا التصالح مع الذات والقدرة على المصارحة جعله يروي قصصاً لأشخاص حقيقيين غيره، فقدم فيلم "الفتوة" وهو مستند إلى قصة حقيقية لرجل يدعى "محمد زيدان"، كان محتكراً سوق الخضراوات آنذاك.
وفيلم "الوحش" الذي من خلاله يروي قصة خُط الصعيد، مدمجة مع قصة مجرم آخر هو "الأعمى"، وفيلم ريا وسكينة، ويقدم من خلاله قصة السفاحتين الشهيرتين "ريا وسكينة".
العالمية التي زهد فيها
العالمية لم تكن غايةً في قاموس صلاح أبو سيف لنيل ألقاب جديدة، فهو لا يبحث عنها وإنما هي من بحثت عنه، ففي عام 1958 تم عرض فيلم إيطالي باسم "سنعيد التحدي"، وهو النسخة الإيطالية لفيلم الفتوة لأبو سيف، وعندما قدم أبو سيف فيلم "لك يوم يا ظالم" وهو مستند إلى رواية فرنسية، قام بتغيير شخصية البطلة، لذا عندما قام الفرنسيون بإعادة تقديم الرواية مرة أخرى، استندوا إلى التغييرات التي أجراها أبو سيف، فقدموا البطلة مثلما قدمها، اقتناعاً بأن ما فعله هو الأنسب والأكثر واقعية.
وعندما عُرض الفيلم في مهرجان برلين 1953 علقت كاتبة السيناريو الألمانية "تيا فون هاربو" وأحد أعضاء لجنة التحكيم أنها شاهدت فيلم "لك يوم يا ظالم" أربع مرات، لشدة إعجابها به، وهذا ما جعلها تتمنى أن تكتب سيناريو لفيلم مصري، يقوم أبو سيف بإخراجه.
خلال المهرجان أشاد النقاد بالفيلم، لأنهم شعروا لأول مرة "أنهم أمام فيلم مصري قلباً وقالباً". كما وصف المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي "جورج سادول" أبو سيف بأنه "واحد من أهم مئة سينمائي في العالم"!
ظل أبو سيف متزوجاً من حب حياته وفيقة أبو جبل، ولم يلتفت يوماً عن هذا الحب، وخلال رحلته أثرى السينما بأكثر من 40 عملاً فنياً، قدَّمَ من خلالها "نجيب محفوظ" كاتبَ سيناريو، و"حسين كمال" مخرجاً، و"شادي عبد السلام" مساعداً في شؤون الديكور والإكسسوار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.