"تحتوي فلسطين على إمكانات استعمارية واسعة لا يحتاجها العرب، وليسوا مؤهلين لاستغلالها"
- بن غوريون عام 1937.
أرض جرداء، وضجيج مريع من أبنية متراصَّة لمنشآت صناعية تتوالد بسرعة، وأنابيب تسكب مخلفات سائلة تفوح منها روائح نتنة توحي بالسُّمِّية، بألوان قاتمة في أودية تسكنها الطبيعة وتتكاثر فيها، تبيد كل ما في طريقها: نباتات وأعشاب… فتغدو الأرض وكأن حريقاً ألمَّ بها، ومخلفات صلبة لا يعلم ماهيتها سوى منْ أمر بنقلها أو منْ يحملها، تحملها ناقلات وتُلقي بها في أراض فلسطينية فارغة.. تعتلي بعض تلك المنشآت مداخن بغيضة ترتفع في السماء مثل أبواق تنفث سمومها بيضاء وسوداء ورمادية، وهدير شاحنات وناقلات ضخمة تدخل فارغة وتخرج مثقلة بأحمال تتفاوت من صناعات خفيفة إلى منتجات البلاستيك والمبيدات والأسمدة وصولاً إلى الصناعات العسكرية وغيرها.
مشاريع استيطانية صناعية ضخمة تتوزع في الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها: 25 منطقة صناعية استيطانية تضم 29 منشأة خاصة بإنتاج مواد كيماوية سامة تقذف مخلفات ضارة تُلحق أضراراً بالبيئة والصحة، تُغرس مثل سرطان على أراضي الضفة الغربية لتلتهمها، وتُستغلُّ لاستقطاب الصناعات والشركات للاستثمار؛ لتعزيز الوجود اليهودي وجذب المستوطنين للسكن والعمل في نفس المكان، والتي أخذت حكومات الاحتلال تعمل عليه منذ توقيع اتفاقية أوسلو، وكانت سياستهم قبل ذاك: "اسكن في أرئيل واعمل في تل أبيب".. أما الآن: "فاسكن في مكان واعمل بالقرب منه"، عدا عن كونها مخرجاً لنقل بعض الصناعات الخطرة إلى الأراضي الفلسطينية؛ للإفلات والتحرر من الرقابة البيئية. بالرغم من التعتيم على نوعية الصناعات الإسرائيلية ونشاطاتها وكميات إنتاجها ومخلَّفاتها في المناطق الفلسطينية.
وثَّقت المناشدة وجود 50% من المبيدات شديدة الخطورة والتي تحظرها السلطة الفلسطينية مثل إندوسلفان ودوكاتالون (باراكوات) يتم المتاجرة بها وإدخالها بطرق غير شرعية للأراضي الفلسطينية، حيث ضبطت السلطة خمسة أطنان منها منذ العام 1995 دون أن تستطيع التخلص منها، حيث ترفض دولة الاحتلال استعادتها.
وخلال ذلك، تُصادر الأراضي الفلسطينية بلا حساب، ويُمنع الفلسطيني من دخول أرضه وزراعتها، وتتعرض عناصر البيئة لحملة شرسة من التدمير وكأن بينهم وبين كل ما فلسطيني مهما كان مسماه ثأراً قديماً يعملون على الأخذ به بحقد عزّ مثيله.
هل ينطبق مفهوم العنصرية البيئية على المستوطنات الصناعية؟
يصف مصطلح العنصرية البيئية الظلم البيئي في سياق عرقي أو عنصري، تقوم بموجبه دول صناعية غنية بتعريض دول نامية فقيرة لنفايات سامة وكيماويات خطرة ناجمة عن الصناعة المتطورة لديها، بالتخلص منها في الدول الفقيرة التي تتراخى فيها السياسات البيئية وإجراءات السلامة، نظير مساعدات اقتصادية، أو بسبب سلطة التبعية الاستعمارية.
في عام 2016، أُجريت دراسة بواسطة البيئة الدولية أثبتت وجود ارتباط بين التعرض طويل الأمد للملوثات والفصل العنصري. وهو ما ينطبق على الحالة الفلسطينية، فالمستوطنات الصناعية المقامة على أراضي الضفة الغربية تمارس كافة أشكال التدمير البيئي، في ظل غياب تطبيق القانون الدولي. وتتعدد أنماط التخريب البيئي ضد مقدرات وموارد الشعب الفلسطيني، فكل ما تتضمنه البيئة الفلسطينية يتعرض منذ زمن لكافة أشكال الانتهاك والتدمير، والأمثلة على ذلك كثيرة لا حصر لها.
فما يعتبره الاحتلال مرفوضاً لمواطنه، لا يعتبره أمراً ذا بال عندما يتعلق بالفلسطينيين!
أمثلة على العنصرية البيئية للمستوطنات الصناعية
شمعون بيريز هو صاحب فكرة المناطق الصناعية على خطوط التماس، وسماها "الحديقة الصناعية"، قال: "مع هذه الحدائق، سنكون قادرين على التنافس مع أبرز القوى في الشرق الأقصى (تايلاند وكوريا وتايوان وهونغ كونغ…) التي لديها ميزة الرشاقة والكفاءة والعمالة الرخيصة، إضافة لتميُّزنا بالقرب الجغرافي من أوروبا".
البعثة المشتركة لتقصي الحقائق برئاسة الجمعية العربية لحماية الطبيعة نشرت مناشدة دولية: إيقاف تسميم فلسطين، أكدت فيها أن دولة الاحتلال تصنِّع وتتاجر بشكل غير مشروع في المبيدات السامة، وتسرِّب مياه الصرف الصناعي والمنزلي ونفايات تصنيع المواد الكيميائية الخطرة من المستوطنات الصناعية إلى مزارع الفلسطينيين ومواشيهم ومصادر مياههم، وتتسبب في انتشار البعوض الناقل للأمراض، وزيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والحساسية والعيون.
وثَّقت المناشدة وجود 50% من المبيدات شديدة الخطورة والتي تحظرها السلطة الفلسطينية مثل إندوسلفان ودوكاتالون (باراكوات) يتم المتاجرة بها وإدخالها بطرق غير شرعية للأراضي الفلسطينية، حيث ضبطت السلطة خمسة أطنان منها منذ العام 1995 دون أن تستطيع التخلص منها، حيث ترفض دولة الاحتلال استعادتها.
العديد من الشركات الكيماوية بدأت عملها داخل الخط الأخضر، ولكنها أُغلقت لانتهاكها القوانين البيئية والصحية، بعد زوبعة من الاعتراضات والقضايا، فكان الحل نقلها إلى الضفة الغربية، وأخذت تعمل بحرية على حساب صحة الفلسطينيين وسبل عيشهم وبيئتهم. أحد الأمثلة، مستوطنة نيتساني شالوم الصناعية المقامة على أراضي طولكرم (المعروفة بـ"مصانع جيشوري" نسبة لمالكها" الإسرائيلي"، وتضم 13 مصنعاً منها مصانع مبيدات وأسمدة وأعلاف وطلاء وبطاريات ودباغة وغيرها) وكشف تقرير مراقب دولة "إسرائيل" للعام 2011 أنها مقامة على 25 دونماً من أراض فلسطينية خاصَّة، و25 دونماً استولت عليها الحكومة "الإسرائيلية" لأغراض عسكرية مؤقتة، وحسب القانون الدولي يمنع استخدام هذه الأراضي لأهداف أخرى.
أُنشئت "نيتساني شالوم" عام 1985 بنقل مصانع شركة "كيشت بيرماه" من نتانيا إلى أراضي طولكرم قُرب أحياء المدينة، وعلى مسافة لا تبعد عن 500 متر من مدارس يرتادها أكثر من 11 ألف طفل فلسطيني! تذكروا أن نقل هذه المصانع إلى الضفة الغربية يُعتقها من الخضوع لقانون العمل الإسرائيلي والالتزامات المترتبة عليه في تشغيل الأيدي العاملة (الفلسطينية)، ويضفي شرعية على وجود المستوطنات.
ورد في مقال تُرجم للعربية من موقع همكوم "المنطقة الصناعية نيتساني شالوم": "نشأ تجمع نيتساني شالوم الصناعي بشكل علني وصريح عبر احتجاز الأراضي واستعباد العمَّال، ليكون تمثيلاً لوجه الاحتلال والبيروقراطية والتمييز العنصري الممنهج، الذي أدى حتى الآن إلى إنهاء حياة عدة أشخاص والإضرار بصحة آلاف الفلسطينيين.. وحظيت هذه المنطقة الصناعية على مدار 30 عاماً باهتمام عالمي، لكن بصورة سلبية مفزعة حول الاستعباد والاستغلال المشين للعمال، وما تسببه من تلوث بيئي للهواء والماء بسبب مجموعة من المواد الكيمائية السامة".
تدفع سلطات الاحتلال بمخلفاتها الصناعية الملوّثة نحو الضفّة الغربيّة، وتتعمد إبعادها عن مراكز المدن. تقرير لمنظمة بتسيلم: "صنع في البلاد" ذكر أن "إسرائيل" وضعت تعليمات متراخية حول الحفاظ على البيئة في المناطق الصناعية الواقعة ضمن مستوطنات مقامة في الأراضي المحتلة، وعرضت في تلك المناطق محفِّزات اقتصادية، كامتيازات ضريبيَّة ودعم حكومي أكثر من تلك التي تُقام على أراض في مناطق الـ48، كجزء من سياسة حكومية تمييزية تجاه المستوطنين تختلف عن السياسة الاقتصادية العامة.
ولم يتوقف الأمر عند نيتساني شالوم، فقد أعلن إيلي كوهين وزير الاقتصاد والصناعة عن إقامة حزام استيطاني صناعي جديد على أراضي قرى جنوب طولكرم شوفة وجبارة وربطه بأراضي مدينة الطيبة في المثلث.
عناصر البيئة تتعرض للعنصرية والإرهاب
يوماً بعد يوم، تتكاثر المستوطنات الصناعية، وتتَّسع مساحاتها، وتتعدد أنشطتها، وتُذبح البيئة الفلسطينية بلا هوادة! ولا ينجو أحد عناصرها أو يبقى في مأمن من الأذى!
العنصرية ضد المياه: تحيط المخاطر بالمياه الفلسطينية من كل ناحية، استنزاف لم يسلم منه خزانات جوفية، أو مياه نهر الأردن، أو بحيرة الحولة، أو حتى عيون الماء والينابيع… حتى غدت كل قطرة في خطر محدق من محتل لا يرتوي.
العنصرية البيئية للاحتلال تظهر بوضوح في تقرير لمنظمة بتسيلم يفيد بأن 5 منشآت تعمل داخل أراضي الضفة الغربية، 4 منها تعالج نفايات ومواد خطرة تُنتج في" اسرائيل"، بما في ذلك نفايات طبِّية، وزيوت ومذيبات مستعملة، ومعادن، وبطّاريات مستعملة ونفايات إلكترونيّة؛ ومنشأة أخرى تعمل على معالجة حمأة المجاري.
وتلوث طال جميع مصادر المياه تقريباً، في تقرير لمنظمة التعاون والتطور الاقتصادي أُشير إلى أن وضع الشواطئ الطبيعية والوديان والأنهار في دولة الاحتلال سيئ للغاية، وهناك مشكلة خطيرة فيما يتعلق بمنع تلوث المياه؛ إذ إن العديد من آبار المياه تعاني من التلوث، دون أن توقف دولة الاحتلال تفاقمه.
أغلقت وزارة الصحة "الإسرائيلية"، في العقد الأخير، عُشر مشاريع ضخ المياه الجوفية بسبب مستويات التلوث المائي المرتفع!
العنصرية ضد الهواء: سُحب مشبعة بأول أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين والأمونيا وكبريتيد الهيدروجين ومذيبات وغازات دفيئة تتسرب من مصانع الاحتلال وتنتشر في سماء المناطق الفلسطينية القريبة وتتسبب بالإصابة بسرطان الرئة، بحسب دراسة أجرتها جامعة النجاح وتناولت عوامل الخطر المرتبطة بالإصابة بسرطان الرئة في محافظات الضفة الغربية، تبيَّن أن ثاني أعلى نسبة للإصابة بسرطان الرئة كانت في طولكرم في الضفة الغربية، وعزت الدراسة ذلك إلى الأبخرة والانبعاثات الصناعية الناتجة عن مصانع جيشوري، عدا عن إحاطة محافظة طولكرم بحقول واسعة يزرعها الاحتلال، ولا ندري طبيعة المبيدات والمسمِّدات الزراعية التي تُستخدم فيها. وبحسب تقرير للجزيرة نت بعنوان "عوادم "جيشوري" موت بطيء يستهدف طولكرم" فإنه في الأيام التي يكون فيها اتجاه الريح شرقياً، فإن مصانع جيشوري تتوقف عن العمل، حتى لا ينسحب الدخان مع الرياح النشطة نحو مناطق الداخل التي يسكنها مواطنو دولة الاحتلال!
تقييم بيئي نشره معهد القدس للدراسات، قورنت فيه دولة الاحتلال مع دول منظمة التعاون والتطور الاقتصادي، تبيَّن أن كمية انبعاثات الغازات الدفيئة للفرد الإسرائيلي بلغ 11.8 طن للفرد سنوياً، وهو ما يزيد عن متوسط الانبعاث للفرد في الدول الأوروبية والذي يبلغ 10.5 طن.
العنصرية ضد التربة: التي تلوثها نفايات خطرة، ما بين مياه عادمة سائلة وأخرى صلبة تحتوي على ملوثات شديدة السمية كالعناصر الثقيلة من رصاص وزنك وكاديميوم… والنفايات المشعة. وأشار التقييم البيئي سابق الذكر إلى أن كمية النفايات الناتجة في إسرائيل ارتفعت بنسبة 15% خلال العقد الأخير؛ حيث تصل معظمها إلى مكبَّات النفايات ولا يعاد تدويرها أو استعمالها.
وفي جنوب الضفة الغربية، تحديداً أراضي يطا وبني نعيم قضاء الخليل والنقب، فتدفن "إسرائيل" نفايات مفاعل ديمونا، حيث سجلت دائرة الإحصاء الفلسطينية أعلى نسبة للإصابة بالسرطان في العالم وفي الأراضي المحتلة. مفاعل ناحال سوريك يتوسط مستوطنة ناحال سوريك ولا يبعد عن مدينة الخليل وقراها سوى 25 كلم، سكان بلدة بيت شيمش القريبة من مفاعل ناحال سوريك، وبلدتا عومر وعراد القريبة من مفاعل ديمونا، رفضوا أن تُدفن هذه النفايات بالقرب منهم واحتجُّوا ورفعوا قضايا حتى استصدروا قراراً من محكمة العدل العليا بمنع دفن هذه النفايات بالقرب من تجمعاتهم.
العنصرية البيئية للاحتلال تظهر بوضوح في تقرير لمنظمة بتسيلم يفيد بأن 5 منشآت تعمل داخل أراضي الضفة الغربية، 4 منها تعالج نفايات ومواد خطرة تُنتج في" اسرائيل"، بما في ذلك نفايات طبِّية، وزيوت ومذيبات مستعملة، ومعادن، وبطّاريات مستعملة ونفايات إلكترونيّة؛ ومنشأة أخرى تعمل على معالجة حمأة المجاري.
وفي مقال لبتسيلم أيضاً "منشأة لاستخراج الطاقة من النفايات تقام في مستوطنة "معليه أدوميم" ذكر أنه ومنذ سنين طويلة تستغل "إسرائيل" موقعها كدولة احتلال مستخدمة أراضي الضفة الغربيّة في معالجة النفايات (بما في ذلك نفايات خطرة) ومياه الصرف الصحي المتولدة في بلدات تقع داخل حدودها السيادية، ولكي تسهِّل "إسرائيل" المهمة لنفسها أنشأت واقعاً تتيح فيه التشريعات البيئية في الضفة تسهيلات كبيرة مقارنة مع الوضع داخل إسرائيل، وهي في ذلك تتجاهل الآثار بعيدة المدى على السكان الفلسطينيين والبيئة وموارد الطبيعة.
وفي تقرير لصحيفة الأيام الصادرة في رام الله 15/10/2019 بعنوان "استخلاص الطاقة من النفايات شرق القدس.. مشروع استيطاني هو الأخطر" ذُكر أن 60% من الحمأة السامة الناتجة عن محطات معالجة المياه العادمة في "إسرائيل" تُكَب في الأغوار الفلسطينية، وجزء كبير من النفايات "الإسرائيلية" الخامة يُدفن في الأراضي الفلسطينية، وجزء آخر يترك دون دفن.
تغيير معالم السطح والتضاريس في الضفة الغربية بسبب تجريف الأراضي من الشركات "الإسرائيلية" وانتشار الكسَّارات ومقالع الحجارة التي تقتلع الصخور وتشكِّلها لتوفر حجارة البناء للاحتلال، هي إحدى صور العنصرية البيئية أيضاً. تقرير لهيومن رايتس ووتش "إسرائيل – إغلاق المقالع يهدد معيشة الفلسطينيين" ذكر أن جيش الاحتلال رخَّص 11 مقلعاً على أراضي الضفة الغربية بإدارة" إسرائيلية" توفر 25% من مواد البناء المستخلصة من المقالع اللازمة للاقتصاد "الإسرائيلي" واقتصاد المستوطنات، وتُسدد رسوم الاستخراج للإدارة المدنية (التابعة لجيش الاحتلال) والضرائب لبلديات المستوطنات. وهذا يخرق التزامات إسرائيل كقوة احتلال.
أشار تقرير منشور في مجلة آفاق بيئية "تأثيرات الكسَّارات ومقالع الحجر على عناصر البيئة" إلى أن الكسَّارات ومقالع الحجر "الإسرائيلية" وبمباركة من محكمة العدل العليا التي حكمت بقانونية (استغلال "إسرائيل" للموارد الطبيعية في الضفة الغربية لأغراض اقتصادية)، وسَّعت هذه الكسَّارات ومقالع الحجر عملها في الضفة الغربية وقامت بتشويه وتدمير المشهد البيئي والموارد الطبيعية الفلسطينية، عبر آلياتها التي تعمل في عشرات الكسَّارات ليل نهار، لتصدِّر أكثر من 94% من إنتاجها للسوق" الإسرائيلي" وتغطي أكثر من ربع استهلاك دولة الاحتلال من مواد البناء.
بموجب دراسة تقييم الأثر البيئي والصحي للمنطقة الصناعية "نيتساني شالوم" لسلطة جودة البيئة، أثبتت فحوصات من مصادر المياه والتربة وجودة الهواء والآثار المتعلقة بالتنوع الحيوي، ودم وحليب الأمهات في المنطقة القريبة من "جيشوري" أن تركيز العناصر الثقيلة كمركبات الديوكسين والفيوران (وهي ملوثات عضوية سامة ثابتة تبقى لسنين طويلة في البيئة) في العينات التي أُخذت من أشخاص يسكنون قرب المنطقة الصناعية، أعلى مقارنةً مع غيرهم من الفلسطينيين في مناطق أخرى، وأن الانبعاثات من غازات وعناصر ثقيلة وسامة في تلك المنطقة عملت على تقليل النشاط البكتيري في التربة، وكانت مياه الأمطار حمضية، بسبب ذوبان أكاسيد النيتروجين والكبريت والأمونيا الناتجة من المصانع وعمليات حرق الوقود غير النظيف في مياه الأمطار. وأكد 60 في المئة من عمال تلك المصانع عدم معرفتهم بطبيعة المواد الخام التي تدخل في الصناعات التي يعملون بها.
أصدر مركز بحثي فلسطيني ورقة "الانتهاكات البيئية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة" أشار إلى وجود 98 موقعاً في الضفة الغربية تستخدمها سلطات الاحتلال للتخلص من نفايات المستوطنات والمصانع الإسرائيلية، وتشمل 34 مكباً للنفايات الصلبة، و64 للنفايات السائلة. وذكر أيضاً أن مخلفات منشأة "بركان" الصناعية لوثت الموارد البيئية بمعادن سامة في منطقة سلفيت، كالألمونيوم والكروم والرصاص والزنك، وأثَّرت على الثروة الحيوانية، وتكاثر الحشرات والقوارض والخنازير البرية، وأظهرت الورقة أن الرصاص في المياه العادمة في منطقة "بركان" أعلى من المستويات المحددة من قبل منظمة الصحة العالمية بنحو (50%)، إضافة إلى ارتفاع نسب معادن أخرى، مثل: المغنيسيوم، والبوتاسيوم، والبيكربونات، والنترات، والصوديوم. والتلوث بالرصاص موضوع محوري في العنصرية البيئية لأنه واسع النطاق وبالغ الخطورة.
يتضح وبالأرقام والحقائق المثبتة أن الاحتلال لا يدَّخر جهداً في انتهاز كافة الموارد الفلسطينية لإنشاء مصانع ومنشآت صناعية وزراعية وغيرها في المستوطنات يقيمها على الأراضي الفلسطينية رغماً عن أصحابها لتحقيق أرباح اقتصادية تبلغ مليارات الدولارات سنوياً، دون أن يعبأ بمدى التدمير الذي يُلحقه ببيئتهم وصحتهم ومستقبل أجيالهم اللاحقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.