لماذا من الصعب إيجاد أبو تريكة آخر؟ ولماذا يعتبر أبو تريكة لاعباً استثنائياً أساساً؟
في البداية، لم أمتلك إجابات واضحة للسؤالين، فقررت التوجه إلى متخصصين أكثر علماً منِّي، وقدر لي أن أصل إلى استنتاجات تفك لغز أبو تريكة.
ندرة كشافي المواهب
توجهت بالسؤال الأول لأحمد البحراوي وهو كشاف لاعبي كرة قدم ومتابع للدوريات المصرية والإفريقية في مراحلها السنية المختلفة.
أخبرني أحمد أن المشكلة الأساسية وراء ندرة المواهب الفذة هي ندرة كشافي المواهب واللاعبين كما كان الحال من قبل في الكرة المصرية. عادة، يمتلك كل نادٍ، فريق من كشافي اللاعبين، يتابعون الدوريات المختلفة ويكتبون تقارير عن لاعبين مميزين بعدما تابعوهم عن قرب.
الأندية الأوروبية، مثلاً، تتابع كأس أمم إفريقيا ودوري أبطال إفريقيا عن كثب لاصطياد المواهب وضمها، وتتم المتابعة عن طريق شبكة الكشافين أو مواقع متخصصة مثل موقع total football analysis.
قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا الموسم الماضي نشر الموقع تقريراً عن أبرز اللاعبين في البطولة وعاد الكرة وقت كأس أمم إفريقيا (تحت 23 سنة)، وكان من ضمن اللاعبين المنشور أسماؤهم، مصطفى محمد، لاعب نادي الزمالك المصري سابقاً وجالطة سراي التركي حالياً، والذي احترف في الدوري التركي بعد تألقه في بطولة أمم إفريقيا (تحت 23 سنة).
لكن الأندية المصرية، باستثناء الأهلي ووادي دجلة، لا تهتم بالبحث عن المواهب الشابة ولا تمتلك فريق كشافين واعتمادها الكامل على وكلاء اللاعبين والسماسرة.
عدم جودة قطاعات الناشئين
حتى المواهب الشابة والناشئة في مصر تفتقر للكثير من أبجديات كرة القدم الحديثة. نقص يرقى لدرجة الفقر الحاد في الأساسيات، ولا تخفيه الموهبة وإن كانت صارخة.
تطورت كرة القدم بالخارج وبقت عندنا كما هي، ولم تتم مواكبة ذلك التطور السريع على مستوى أساليب التدريب والمناهج والمدارس التكتيكية.
المشكلة الثانية تكمن في قطاعات الناشئين نفسها، التي لا تحصل على اهتمام كبير من المسؤولين ولا يتم الاستثمار فيها وفق خطط واستراتيجيات مدروسة.
اختفاء كرة الشوارع
لما سألت المدرب المعتمد من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وائل سامي بكر، أول ما خرج من فمه هو إشارة لاختفاء كرة الشوارع، ومن تلك النقطة قررت عمل بحث بسيط.
في كتاب "The Best: How Elite Athletes Are Made" يقول الكاتب إن 8 لاعبين من منتخب فرنسا الذي فاز بكأس العالم 2018 كانوا في الأصل يلعبون في شوارع وحواري باريس المختلفة.
أحد المسؤولين عن أكاديمية AAS sarcelles football club والتي أفرزت لاعبين مثل بول بوغبا ورياض محرز، يقول في ذات الكتاب: "إن كرة قدم الشوارع تعلمك المراوغات وتمنحك القوة البدنية وتجعلك متعطشاً دائماً للفوز".
بيليه وكريستيانو رونالدو وميسي ونيمار ورونالدينيو وروبينيو وسواريز وأغلب عظماء كرة قدم لعبوا في الشارع قبل أن يرتدوا قمصان أكبر الأندية الأوروبية.
في دورة "الفلكي" بمدينة الإسكندرية والتي هي واحدة من أعرق دورات كرة الشوارع في مصر، حامد العربي وهو لاعب كرة سابق ومسؤول عن تنظيم الدورة في الوقت الحالي، يؤكد أن المواهب بدأت تقل عندما توقف الأطفال عن اللعب في الشوارع.
لذلك فسر محللو موقع The Athletic هدف وأسيست محمد صلاح في مرمى مانشستر سيتي كأمر اعتيادي لمحمد صلاح، مهارة يمارسها ببداهة ودون تكلف.
ظاهرة أبو تريكة
المثير للدهشة في حالة أبو تريكة هي انضمامه للأهلي وهو في الـ26 من عمره، عمر متقدم نسبياً في كرة القدم، وحتى وإن تعلم بعض المهارات في استاد "التتش" فهو داخل للقلعة الحمراء بموهبته غير المفهومة آنذاك.
"كرة القدم قد تطورت بشكل كبير عما كانت في الماضي، وواحد من أكبر التغييرات التي حدثت هي أهمية الذكاء في الكرة الحديثة، الطبيعة الديناميكية والتكتيكية تعني أن اللاعبين الأذكياء عادة هم الأفضل على الملعب".
- مقدمة مقال بعنوان "أهمية قراءة اللعب" على موقع Total Football Analysis.
بعد المقدمة، يقول الكاتب إن الذكاء في الملعب معناه قراءة اللعب ومسار اللعب بشكل صحيح، وأنه لا يمكن قراءة مسار اللعب لو ظل اللاعب محدقاً بالعشب طوال الـ90 دقيقة.
أبو تريكة كان يمتلك ذلك الذكاء النوعي، وبلورها مهارته في الكشف والفحص أو الـ"scan". لذلك كانت أغلب تمريراته صحيحة، وكان دائماً في المكان والزمان
جير جوديت وهو أستاذ علم نفس الرياضي، تحدث عن دور الرؤية وتأثيرها على الكرة، وقسم العوامل الرئيسية التي تساعد على اتخاذ القرارات في الكرة إلى 3 عوامل:
١- قدرة اللاعب على تجميع المعلومات من حوله.
٢- قدرته على مسح أو عمل "scan" للملعب.
٣- القدرة على رؤية وتوقع ما سيحدث.
جير جوديت غطى 1279 مباراة، وخلص إلى أنه كلما زاد معدل فحص اللاعب للملعب من حوله زادت دقة تمريراته.
المدرب المخضرم آرسين فينغر يقول إن أفضل اللاعبين هم أصحاب معدلات الفحص العالية، حتى مدرب برشلونة الجديد تشافي هيرنانديز يقول في مقابلة له مع صحيفة The Guardian "فكر بسرعة، وابحث عن المساحة، هذا ما كانت أفعله، ابحث عن المساحة، هنا؟ لا، هنا لا؟ مساحة، مساحة، مساحة، المدافع هنا؟ العبها هناك".
في هذا السياق، كان أبو تريكة خارقاً للعادة، كان يقوم بمهارات سابقة للكرة المصرية في حينها. كان زيدان أفريقياً، بل كان أبو تريكة.
من الممكن أن نتفق أن أبو تريكة ليس أفضل لاعب مراوغ أو سريع الركض بالكرة، لكن ذلك لا معنى له، ليس هذا سر تفوقه بالأساس. لكن أي لاعب أراد أبو تريكة مراوغته كان يراوغه وبسهولة وسلاسة.
قدرته على تغيير وضعية جسمه في أجزاء من الثانية رغم طول قامته رفعت من قدراته على التسديد والتمرير لدرجات مدهشة.
عقله المتقد، عيناه المتحركتان دوماً، قراءته للمساحات الضيقة والتفكير السريع واتخاذ القرار الأنسب، كلها مهارات كانت كفيلة بتحويله للاعب استثنائي بدأ يأخد التقدير المستحق بعد ما جاوز عامه الـ26.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.