هل الانسداد السياسي الداخلي في لبنان الذي تجلّى مؤخراً بحظر اجتماع الحكومة هو مؤشر على أزمة دورية عابرة؟
هل الانتفاضة السعودية التي واكبها تضامن معظم دول الخليج معها في وجه الحكم اللبناني هي مؤشر على أزمة بين أشقاء، وستكون مجرد سحابة صيف عابرة؟
هل حكومة "معاً للإنقاذ" تستطيع إنقاذ نفسها أولاً حتى توهم اللبنانيين بأنها قادرة على إنقاذهم؟
هل يُصدّق اللبنانيون أن الانتخابات النيابية القادمة إن حصلت ستكون مفصلية في حياتهم السياسية؟
كلها أسئلة لا نرى أية جدوى من الإجابة عنها، لأن لبنان في واقعه الحالي تجاوز تلك الأسئلة وإجاباتها، ودخل من جديد إلى مرحلة "دولة قيد التأسيس"، وهذا هو التشخيص الواقعي والمنطقي دون سواه.
منذ سنوات ولبنان يمر بأجواء الحرب الأهلية الباردة، ومع أحداث خلدة وشويا وعين الرمانة بدأت المتاريس الطائفية تظهر، ويبدو أن الحملة السعودية تساعد على تدشيم هذه المتاريس، وبالتالي بات احتمالاً وارداً أن تتدحرج الأمور نحو السخونة، خصوصاً أن الحرب الأهلية جربت ونجحت في أن تكون مؤسسة دستورية تُستخدم عند اختلال التوازن واحتدام الصراع في المجال الإقليمي ولبنان إحدى ساحاته المفضلة لأن أولي الأمر في لبنان يغلبون ولاءاتهم الخارجية وتبعيّتهم على مصلحة بلدهم بتوطين الحجج بغية الاستفادة مما طرأ من تغيرات على التوازنات الطائفية والسياسية الداخلية بين الحربين، لتنتهي كل حرب أهلية بتسويات تراعي التوازنات المستجدة.
أما الضحية في كل مرة فهم اللبنانيون، وكل من يعيش على أرض لبنان عدا أمراء الحرب وزبانيتهم من مختلف الطوائف، لأن هدفهم من الحرب الأهلية ليس معرفة من هو الجبان ومن هو البطل، بل هي استثمار مربح بأية حال، وهذا دليل قاطع على أن الديمقراطية والطائفية نقيضان، وما دام الأمر كذلك فلا حل لأزمة النظام في لبنان.
وهنا أنوه إلى أني قرأت كتباً كثيرة عن الديمقراطية التوافقية وتطبيقاتها في دول عدة، لكن الاستنتاج الوحيد كان أن كلمة توافقية أُدخلت عنوة على كلمة ديمقراطية، بحيث إنها وجدت في مخيلة المؤلفين وليس في مؤسسات الدول الديمقراطية، لأن أية ديمقراطية توافقية هي نظام محاصصة.
وهناك مَن يسأل: هل اندلاع حرب أهلية في لبنان أمر محتمل، أم إجراء انتخابات نيابية أكثر احتمالاً؟
هناك وجهة نظر تدعي أنه لا يوجد مصدر تمويل لهذه الحرب، وأن فائض القوة يمتلكه طرف واحد، وهناك وجهة نظر أخرى تدعي أنه عندما يبلغ صراع الإرادات بين الدول حدّ الذروة، إما أن تلجأ إلى الحرب المباشرة أو تنقلها إلى حروب في الأطراف، وعندها تتفوق السياسة على الاقتصاد، بحيث يحصل التمويل.
أما بالنسبة للأمر الثاني فإن أية حرب أهلية من مسلّماتها أن تنتهي بتسوية وليس بحسم جذري، لأن الطرف المهزوم لن يخسر جنسيته بعد الحرب الأهلية، بل تهبط درجته في سلم الحقوق والسلطة، والمؤشرات الحالية تتشابه مع مقدمات الحروب السابقة، حيث اشتعلت حرب سنة 58 بعد احتدام الصراع الإقليمي حول حلف بغداد وما نتج عنه من اصطفافات سياسية.
أما حرب سنة 75 فاشتعلت بعد انتصارات الثورة الفلسطينية في انتزاع اعتراف دولي غير مسبوق، ونجاح حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، في كسر هيبة إسرائيل.
واليوم الفيلق الزلزالي يقع بين السعودية وإيران، بعد أن تبدل عنوان الصراع في المنطقة من عربي- إسرائيلي إلى سني- شيعي.
لذلك يمكن القول إنه إذا ما استمر التصعيد السعودي بمطالب جديدة وباتخاذ تدابير أكثر شدة بحق الحكم في لبنان، فإن أسهم الحرب الأهلية سوف ترتفع فوق أسهم الانتخابات، خصوصاً أن الاحتقان المذهبي والطائفي بات قريباً من ذروته.
وبِتنا بحاجة ماسّة إلى مؤتمر دولي لمكافحة الاحتباس الطائفي في لبنان وانبعاثات الكراهية والحقد المتفشي بين اللبنانيين، أسوة بمؤتمر المناخ الهادف إلى تخفيف الاحتباس الحراري في غلاسكو.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.