كثيرون يعتقدون أنه لا توجد فوائد من انقلاب البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول، وهؤلاء هم قصار النظر، ولكن من يفكرون خارج الصندوق وأصحاب الفكر الإيجابي والقراءات الدقيقة والمتابعين جيداً للمشهد السوداني بكل مكوناته بانت لهم الحقائق كاملة تماماً.
صحيح أن الانقلاب أعادنا إلى الوراء، ولكن هناك مكاسب كثيرة وكبيرة، هذا الانقلاب كشف عن أكذوبة اسمها قادة الحركات المسلحة (الأرادلة الجدد جبريل ومناوي وأردول) الانتهازيين الثلاثة المتسلقين للسُّلطة بحجج قضايا الهامش، واكتشف أهل دارفور كذبهم ودعواتهم المزيفة وأنهم حاربوا النظام السابق من أجل دارفور وأهلها، والحقيقة أنهم فيما بدا لنا الآن يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم الشخصية ومستعدون للعب أي أدوار كومبارسية من أجل المناصب.
حركات ليست لها رؤية ولا أهداف ولا مشروع، ولا يؤمنون بالحرية أو الديمقراطية، وكما قال عنهم الراحل (نقد) إن حدهم هو سقوط نظام البشير، بعدها لن تكون لهم قضية وليذهب أهل دارفور وقضيتهم إلى الجحيم، بحسب مقولة الرجل.
هؤلاء أنفسهم عقب الانقلاب انتهى دورهم وحرقوا كروتهم السياسية وانتهى الزخم الإعلامي لهم، والآن يتخبطون ويراهنون على عودة د. حمدوك من أجل استعادة ذلك الألق الإعلامي المفقود، وكلنا نتابع فوضى تصريحات مناوي في المنابر، مناوي الرجل الذي أطلق عليه كاميرون هيدسون لقب ملك الاتفاقيات، الرجل الذي يُوقع دون تردد على أي اتفاق لا يعرف مضمونه أو بنوده (عصا نائمة وأخرى قائمة).
أصداء الانقلاب على الغرب
كانت ردود الأفعال قوية من جانب الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلى جانب الولايات المتحدة، وهذا يدل على عودة السودان للمجتمع الدولي بقوة، والثقل السياسي الكبير لشخصية وكاريزما د. حمدوك. بلا شك هذا نتج عن عمل دبلوماسي كبير جداً أظهر بصمة سودان حمدوك دولياً.
كذلك كشف انقلاب البرهان، للشعب السوداني، وبالأدلة، أن المكون العسكري والدولة العميقة هم من كانوا خلف كل الأزمات السابقة، من انعدام دقيق الخبز إلى تخزين الأدوية والمشتقات البترولية وحتى مواد و(خامات) طباعة الجوازات والبطاقة الشخصية المدنية، بالإضافة إلى تهريب الذهب عبر المطارات الرسمية وغير الرسمية، لخنق الحكومة التنفيذية.
هذا الانقلاب كشف حجم الدولة العميقة وقوتها وتخطيطها وقوة تأثيرها داخل المؤسسات العسكرية والأمنية (الجيش والشرطة وجهاز المخابرات)، وتابع جميعنا عودة هيئة العمليات إلى الواجهة من جديد، وأن كتائب الظل التي تحدث عنها الكوز (لقب يطلقه السودانيون على فلول النظام السابق) علي عثمان طه كتائب حقيقية وموجودة وليست خرافة، فالرجل كان واثقاً مما يقوله.
كشف الانقلاب أيضاً أن الشرعية السودانية (ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة) لا تحتاج لقيادات، فبالرغم من اعتقال كل قادة مركزية قحت وتواجدهم بالسجون لكن الشارع عارض الانقلاب وبشدة، وخرج وقدم الشهداء، والثوار الأحرار والشرفاء لم ولن يستسلموا لسياسة الواقع الجديد.
المحور الداعم للانقلاب
انقلاب البرهان كشف كل الأطراف اللاعبين في المشهد السوداني، وكشف المحور الداعم للانقلاب؛ مصر والإمارات والاحتلال الإسرائيلي. فيبدو أن السيسي ورط البرهان في انقلاب غير محسوب العواقب بابتعاثه مدير مخابراته عباس كامل حاملاً رسالة للبرهان بضرورة رحيل رئيس الوزراء د. حمدوك.
كما ثبت بالأدلة الواضحة ضعف البرهان كقائد وأنه لا يصلح لقيادة القوات المسلحة السودانية والمؤسسة العسكرية العريقة، دعك من قيادة السودان، فهو لم يستوعب ويفهم رسائل المبعوث الأمريكي فيلتمان ولم يحلل إشارات الولايات المتحدة المبعوثة عبره للعسكر بالدبلوماسية الأمريكية الناعمة والمحذرة من خطورة اتخاذ إجراءات أحادية.
تأكد العسكر تماماً أنهم أدخلوا رؤوسهم داخل عنق الزجاجة، وأنه وبعد مرور أيام من الانقلاب فهم ما زالوا في المربع الأول وأن د. حمدوك هو وحده طوق النجاة الوحيد الذي بقي لهم. الشيء الذي أضعف انقلاب البرهان معارضة سفراء السودان وخاصة بالدول الغربية إجراءات عزلهم بشدة، بحجة أنه لا يملك الشرعية الدستورية ولا السلطة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات.
طريق واضح لا لبس فيه
الآن السودان أمام طريق واضح لا غموض ولا لبس فيه، والعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول مرتبطة بقوة الشارع السوداني ومرتبطة كذلك بتعهدات دولية غربية تختلف عن الظروف والملابسات التي وُقّعت فيها الوثيقة الدستورية، وما البيان الرباعي الذي صدر من أمريكا وبريطانيا والإمارات والسعودية، والذي دعا إلى عودة الحكومة المدنية برئاسة د.حمدوك ومؤسساتها وإطلاق سراح المعتقلين ورفع وإنهاء حالة الطوارئ بالبلاد، إلا دليل على ذلك، ودليل أيضاً على أن هنالك خطوات وعقوبات أشد قسوة تنتظر العسكر، ومن نفذوا الانقلاب.
موقف د.حمدوك هو الموقف السليم والطبيعي لأنه لا يشرعن الانقلاب، ورفض مراراً إضفاء أي صبغة قانونية عليه. ما سيحدث أنه في حال استمرار البرهان في موقفه، فالسودان مباشرة يتجه نحو حرب أهلية مدمرة، بمعنى أنه هنالك قوى وأطرافاً في اتفاقية وملف السلام ترفض ما حدث، وميليشيات تنتشر في الخرطوم بكامل عدتها وعتادها وتقوم بانتهاكات خطيرة ضد المدنيين الرافضين للانقلاب. استمرار البرهان ومن عاونه على الانقلاب في أي مشهد مستقبلي ينذر بحرب أهلية ومستقبل مظلم ويعتبر عودة لحقبة ديكتاتورية طويلة جداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.