في بداية أزمة منظومة صواريخ "S-400" الروسية بين أنقرة وواشنطن، قدمت تركيا مقترحاً للبيت الأبيض، بالدعوة إلى تشكيل لجنة مشتركة، ومناقشة اعتراضات واشنطن فيها، من أجل حل هذه المسألة.
لكن وبالطبع لم يقبل الجانب الأمريكي هذا العرض أبداً، حيث لم يكن هذا هو السبب الرئيسي لاعتراضاتهم المتكررة لسياسات تركيا.
لكنهم الآن يطرقون باب أنقرة بعرض آخر، وسأنقل لكم كلمات مسؤول تركي رفيع كان على علم بمضمون قمة أردوغان مع بايدن في روما، في 31 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم:
"لم يكونوا أبداً مستعدين لقبول عرضنا، لكنهم الآن قدموا اقتراحاً مماثلاً، مطالبين بإنشاء آلية للتفاوض بشأن جميع القضايا المتعلقة بالعلاقات الثنائية، بما في ذلك S-400".
هل يمكن اعتبار هذا العرض تراجعاً أمريكياً؟
سيكون من الأنسب قول "وضع جديد، عرض جديد" بدلاً من "تراجع". يمكن القول إن أهم نتيجة للقاء أردوغان وبايدن، 31 أكتوبر/تشرين الأول، في العاصمة الإيطالية روما كان قرار إنشاء مثل هذه الآلية باقتراح من الجانب الأمريكي.
لكن لم يتضح بعد الأسماء والشخصيات التي ستعمل ضمن هذه الآلية المشتركة. وبحسب الجانب الأمريكي، فإنهم سيحددون قائمتهم الخاصة قريباً في أنقرة.
بايدن لأردوغان: لو كنت رئيساً لأمريكا خلال السبع سنوات الماضية لما حدثت أيٌّ من هذه المشكلات
هناك معلومات مثيرة للاهتمام حول خلفية لقاء أردوغان مع بايدن. كان من المرجح أن ينعقد اللقاء في "غلاسكو" حيث ستنعقد قمة المناخ. لكن كما تعلمون، لأن السلطات الاسكتلندية لم تستجب لمطالب تركيا فيما يتعلق بالبروتوكول الأمني، ألغى أردوغان هذه الرحلة وعاد إلى تركيا. وعندما حدثت هذه التطورات، تقرر تغيير اليوم والوقت المحددين مسبقاً للاجتماع، وتقرر عقده في روما صباح الأحد.
وبينما كنا في روما، كانت هناك تقارير في الصحافة التركية تفيد بأن الاجتماع استمر لمدة 20 دقيقة، لكن هذه المعلومات لم تكن صحيحة.
استمر الاجتماع لمدة ساعة و10 دقائق، وخلال ذلك الوقت حاولت بعض الأسماء المسؤولة عن بروتوكول الجانب الأمريكي إنهاء الاجتماع، إلا أن بايدن صدهم من خلال الإشارة برفع حاجب عينه.
فحوى المحادثات والاجتماع
خلال عملية تقييم المشاكل في العلاقات الثنائية، قال جو بايدن جملة مثيرة ولافتة للأنظار، حيث وعد بإعادة العلاقات مع تركيا إلى مسارها الصحيح خلال فترة ولايته، وقال "لو كنت جالساً على الكرسي طوال السنوات السبع الماضية لما حدثت أي من هذه المشاكل".
ما يجعل هذه الجملة مثيرة ولافتة للأنظار هو أنه وخلال السنوات السبع الماضية، لم يُذكر فقط عهد ترامب، ولكن أيضاً الولاية الثانية لأوباما، التي كان بايدن نائبه حينها.
ومن اللافت للنظر أن الرئيس الأمريكي الحالي لا يشير إلى ترامب فحسب، بل يشير أيضاً إلى أوباما كواحد من المسؤولين عن تدهور العلاقات التركية الأمريكية.
لقد أراد بايدن إقناع أردوغان بأنه غير مذنب بالعديد من الإجراءات التي سممت العلاقات التركية-الأمريكية بشكل خطير، بما في ذلك محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز عام 2016.
إن شخصاً مثل بايدن وعد بإسقاط أردوغان من منصبه من خلال التعاون مع المعارضة، أثناء حديثه إلى صحيفة نيويورك تايمز في نهاية عام 2019، يثير تساؤلاً حول "مدى مصداقيته"، لكن لا شك في أن مثل هذا النهج هو تكتيك جيد من حيث كسب ثقة المخاطب.
اسمحوا لي أن أشارك حكاية أخرى مثيرة للاهتمام من اجتماع أردوغان وبايدن.
لقد كان أحد أهم مواضيع هذا الاجتماع هو توريد وتحديث طائرات F-16 الجديدة في تركيا، وذلك بعد إزالة تركيا من برنامج حيازة طائرات F-35.
لقد أكد لنا الرئيس أردوغان على متن الطائرة، بأن بايدن يتخذ مقاربة إيجابية لهذه القضية. ومع ذلك قال بايدن إن هذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً في مجلس الشيوخ، مشيراً إلى التوازن في مجلس الشيوخ 50/50 بين الجمهوريين والديمقراطيين.
وبالطبع، إنه يقول ذلك للفت الانتباه إلى صعوبة المهمة التي يقوم بها لتلبية طلب تركيا بشأن مقاتلات F-16.
وخلال حديثه استخدم بايدن عبارة "بسبب هذا التوازن في المجلس الأمريكي، يرى كل عضو من أعضاء مجلس الشيوخ نفسه رئيساً".
لقد أخبرنا الرئيس أردوغان عند عودته من روما أنه رد على بايدن بالقول: "أعتقد أنه يمكنك تحقيق ذلك وأرى أن لديك الصلاحيات والمؤهلات لفعل هذا الأمر".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.