بين الهشاشة النفسية والصلابة.. كيف نتعامل مع “ألم الصدمة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/02 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/02 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
كيفية التعامل مع ألم الصدمة/ Istock

"الصلابة النفسية" أو "المتانة النفسية" مصطلح تكرر كثيراً في الفترة الأخيرة مع تزايُد الاهتمام بالصحة النفسية، وهو يراد به مدى قدرة الفرد على تحمل أي صدمة يمر بها في حياته، فلا تخلو الحياة من صدمات مفجعة، سواء من فقد (أشخاصاً- أماكن- علاقات- وظيفة)، أو أيّاً من الأحداث الحياتية المفاجئة في حياة الإنسان، ونجد أن ما يكون صدمة لأحدهم قد لا يكون صدمة لآخر في نفس الموقف.

يقول الدكتور أوسم وصفي في كتابه "قوة الغضب" وكتابه "الألم" (استعنت بآراء من الكتابين في كتابة المقال)، إن هناك 5 مراحل أو سيناريوهات لردود الفعل الإنسانية تجاه ألم الصدمة، وفقاً لنموذج الدكتورة إليزابيث كيوبلر روس، يسمى بمراحل الحزن الخمس أو دائرة النوح، وليس بالضرورة أن يمر كل إنسان بالمراحل الخمس، ولا أن يمر بها بالترتيب ذاته، أو أن يستمر نفس المدة في كل مرحلة من المراحل، بل قد يمر بعض الناس بمراحل ويقفزون فوق أخرى.

تلك المراحل تسمى "دائرة النوْح" ويمكن أن يدور الإنسان في هذه الدائرة أكثر من مرة قبل أن يصل إلى القبول. وقد يعود المرء ثانية من المساومة إلى الغضب، أو من الحزن إلى الإنكار، أو إلى الغضب ثم القبول في النهاية.

الإنكار

تبدأ تلك الحالة في كثير من الأحيان كرد فعل لبعض الصدمات، وذلك كمحاولة لتقليل الشعور بالألم، فالإنكار هو الرفض اللاواعي لقبول الحقيقة، إنه أحد الدفاعات أو الحيل النفسية اللاشعورية، ويظل بعض الناس في هذه الحالة في بعض الأحيان مدة طويلة، لا سيما عندما لا يكون هناك احتياج للتعامل مع نتائج الحدث الصادم، لذا فلا ضرورة لمواجهة الواقع.

وتظهر تلك المرحلة بوضوح في حالة الأشخاص الذين لا يسمحون لأنفسهم بالتعبير عن مشاعرهم ومواجهة الواقع المؤلم، وذلك لأسباب التنشئة وثقافة المجتمع الذي يرفض الاعتراف بالمشاعر، أو لإسدال الستار على بعض أنواع الصدمات وتجاهلها تماماً (مثل التحرش)، بل رفضها وعدم الاعتراف بحدوثها.

وأحياناً يحدث الإنكار تحت غطاء من التدين، بدعوى أن إظهار الحزن نوع من أنواع رفض ما يحدث، وتدل تلك المشاعر على عدم الرضا بالقضاء والقدر. وهذا الرفض يتناقض مع الطبيعة الإنسانية، فمشاعر الحزن تأتي مع الأحداث المؤلمة.

هناك خلط شديد بين مشاعر الحزن وبعض سلوكيات الحزن الموجودة في المجتمع، والتي تعد مرفوضة مثل الصراخ والنحيب بصوت مرتفع أو ردود أفعال غاضبة قد تؤذى الجميع بما فيهم المتألم.

وحين نرفض الشعور بالحزن تحت أي مسمى أو سبب فنحن نواجه مشكلة أكبر، فقد ندخل في دوامة من السلوكيات التي يكون الغرض منها فقط الهروب من الحزن والألم.

وتعتبر السلوكيات الإدمانية بكل أنواعها محاولات لإنكار الألم وجعل الإنكار يستمر عن طريق تلك السلوكيات كنوع من الإلهاء. وحتى لا يضطر الشخص المتألم من الصدمة إلى مواجهة الواقع بما فيه.

الغضب

تلك المرحلة بعد زوال الصدمة والإنكار غالباً ما تظهر مشاعر الغضب. وفي كل الأحيان يجب أن يعبر الغاضب عن غضبه بطرق صحية عن طريق معالج أو مجموعة أو بيئة آمنة؛ لأن الغضب غير المعبّر عنه قد يظهر في صور عديدة، ويوجه باتجاهات مختلفة، فربما يوجه نحو أشخاص يرى المتألم أنهم مسؤولون عن الألم، وقد يوجه اللوم نحو أشخاص محيطين به من دون أن تكون لهم علاقة بما حدث.

وفي بعض الأحيان يوجه النائح غضبه تجاه نفسه، فيكره نفسه وحياته، أو ربما يشعر بالذنب لاعتقاده أنه كان من الممكن أن يتصرف بطريقة تمنع الألم الذي تعرض له، وأحياناً يصل إلى الاكتئاب.

أما المرحلة الثالثة فهي:

المساومة

وهي تلك الرحلة التي نحاول فيها أن نرجع عقارب الساعة إلى الوراء، وهي سمة من سمات الطفولة، فالطفل يهدأ ويكف عن البكاء عندما تضرب أمه الأرض بعد أن يقع عليها، وذلك عقاباً للأرض التي أوجعته، ويختفي الألم على نحو سحري.

وتظهر تلك المعضلة حين نساوم أنفسنا بعد تلقي الصدمة، بدلاً من قطع العلاقة العاطفية، نقول إننا "سنظل أصدقاء" مثلاً، مع أن التفكير الواقعي يقول إن هذا شبه مستحيل.

وأحياناً تكون الشفقة على الذات نوعاً من أنواع المساومة، فأحياناً يظن الشخص أن الرثاء على النفس والشفقة عليها، فإن هذا سيعوضه عما فقده.

الحزن

إذا استطعنا مواجهة الأفكار الطفولية والسحرية وتجاوزناها، تكون النتيجة أننا نواجه الفقد على أنه حقيقة واقعة، ونحزن ونبكي، وهذا البكاء صحي ويغسل القلب ويهيئ الإنسان لمواجهة الواقع.

القبول

يحدث القبول عندما نتقبل حقيقة الألم والفقد، عندها تختفي مشاعر الغضب والحزن بالتدريج، ويتعامل الإنسان مع الأمور بموضوعية وتجرد.

القبول لا يعني الموافقة على ما حدث، وإنما القبول والإقرار بأن ما حدث حقيقة واقعة لا يمكن تغييرها أو التهرب منها، ونظن أن الحديث عن هذه الأمور يجعلنا نعيش في ألم، ولكن الحقيقة هي أننا حين نتكلم بشأنها نتركها ونتقدم إلى الأمام في حياتنا. فالحزن ليس رفضاً للحدث والقبول ليس الموافقة.,

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رانيا ضياء
كاتبة مصرية مهتمة بالعلاقات الأسرية
حاصلة على دبلوم العلاج المعرفي السلوكي من المؤسسة المصرية للعلاجات المعرفية، أعمل في مركز أبسال لتنمية المهارات الحياتية والتربوية بالإسكندرية
تحميل المزيد