“حق المرأة في الإجهاض”.. لماذا تطور النقاش حول قضية إسقاط الحمل بهذا الشكل في المجتمع العربي؟

تم النشر: 2021/11/02 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/02 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش


قبل أيام أُثير نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص موضوع الإجهاض، وذلك بعد رأي أعلنته إحدى المؤثرات المتخصصات في مجال الأمومة والتربية، التي دافعت فيه عن حق المرأة في الإجهاض، حينما سألتها إحدى المتابعات عن الإجهاض المُتعمَّد. 

في الماضي، حينما كنا نطرح هذا السؤال في مجتمعاتنا العربية كان يتم بشكل سليم، لكن الآن أصبحنا نطرحه بالمقلوب!

فقد تحول السؤال "هل يجوز إجهاض الجنين؟" إلى شكل جديد "أليس من حق المرأة الإجهاض؟"!

وانتقل مركز ثقل السؤال من أن يكون "الجنين"، إلى أن يصبح "المرأة وجسدها".

يعتبر السؤال "أليس من حق المرأة الإجهاض؟" منطقياً جداً، في ظل مجتمعات قائمة على الحرية الجنسية، ولا ريب في أنّ نقاش "امتلاك المرأة لجسدها وحقها المطلق في الإجهاض" هو نقاش أفرزته الثورة الجنسية، التي بدأت في أوروبا والولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي.

ورغم أن هذه الثورة ترافقت مع البدء باستخدام حبوب منع الحمل، فإن ذلك لم يمنع من ارتفاع حالات الحمل خارج إطار الزواج، التي ترافقت مع المطالبات بتشريع الإجهاض.

لأن الحمل، حتى في أكثر المجتمعات تثقيفاً جنسياً، أمر لا يمكن السيطرة عليه كلياً، خاصة عند المراهقين، أو عند تعاطي الكحول، أو حتى فشل الوسائل المستعملة لمنع الحمل، التي لا تضمن منعه مئة بالمئة.

إن حمل المرأة خارج إطار الزواج، في ظل مجتمع غير منضبط جنسياً، وغير محكوم بهيكلية أسرية صارمة، يعتبر بالفعل معضلة أخلاقية حقيقية.

 في هذه المعضلة تحصل مفاضلة صعبة بين "حق الجنين في الحياة" و"حق المرأة في ألا تتكلف وحدها بأعباء الحمل والولادة وتربية الطفل".

ومهما تشددت القوانين في إلزام والد الجنين بالاعتراف بالطفل، وحمل المسؤولية المشتركة مع الأم، إلا أن هناك كثيراً من الحالات التي يفشل فيها القانون في إجبار الأب على القيام باختبار الأبوة، أو التي لا تستطيع فيها المرأة تحمل كلفة اللجوء إلى القضاء، أو التي لا تعرف فيها المرأة أساساً هوية الأب الحقيقية، بسبب حصول الجماع تحت تأثير الكحول، أو عند حصول جماع الليلة العابرة، الذي يختفي فيه الرجل بعدها بلا أثر، أو حتى عند تعدد العلاقات الجنسية في فترة الحمل.

وفي حين تحصل المرأة في الغرب الأوروبي على دعم مؤسسي، في حالة الحمل والولادة، لا تشعر معه بالعوز من الناحية المادية على الأقل، فإنها في الولايات المتحدة مثلاً لا تستطيع الحصول على إجازة مدفوعة من العمل بعد الولادة! ولذا فإنّ الحمل يعتبر كارثة يمكن أن تقلب حياة المرأة رأساً على عقب، ويجعلها عرضة لفقر مدقع مع طفلها، ولتبعات اجتماعية وحياتية كارثية.

هل تذكرون العبارة التي قالتها رايتشل لروس في مسلسل الأصدقاء حين أخبرته بأنها حامل منه؟

Ross, there is no pressure on you… you can be as involved as you want!

لن أضغط عليك يا روس، تستطيع أن تشارك في الأمر بقدر ما تريد!

أي أنها كانت تشعر بأن الحمل مسؤوليتها وحدها، وأنها لا تملك ما تجبره به على تحمل مسؤولية الطفل القادم، هذا إذا افترضنا أن المسؤولية مادية فقط، وتغاضينا عن حق الطفل في أن يكون له أب حاضر في حياته!

وفي هذه المجتمعات يصبح نقاش فكرة الإجهاض نقاشاً مفهوماً جداً، لأن السماح بالإجهاض سيعفي المرأة من تحمل عبء العلاقة الجنسية وحدها، والتي يكتفي الرجل منها بلحظات اللذة فقط، وفي هذا ظلم كبير للمرأة ولا شك، ولذا، وفي سبيل رفع هذا الظلم عن المرأة، تم التغاضي هنا عن حق الجنين في الحياة.

أقول دوماً، هناك أمور لا يمكن الحصول عليها معاً مهما حاولنا، في هذه الحال مثلاً لا يمكن الحصول على حرية جنسية في العلاقات، وفي نفس الوقت الاحتفاظ بإنسانيتنا في حفظ حق الجنين في الحياة.

علينا أن نضحي بأحد الأمرين من أجل الآخر.

إن السماح بالإجهاض جاء بالتالي حلّاً ترقيعياً للانفتاح الجنسي غير المنضبط، وهو خراب جره خراب.

فكيف إذن، ولماذا، وبأي منطق ينتقل مثل هذا النقاش إلى مجتمعاتنا على هذا النحو؟

"أليس الإجهاض حقاً للمرأة؟ أليس في منع الإجهاض تضييق على حرية المرأة في جسدها؟"

إن مجتمعاتنا مجتمعات محافظة، الأسرة هي عمادها، بحيث لا يمكن أن يتهرب الرجل من مسؤولية العلاقة الجنسية التي قام بها مع امرأة، لأن إمكانية قيام هذه العلاقة محصورة بالزواج المعلن، المثبت قانونياً، أو المفروض بسلطة المجتمع، وهذه هي الحالة المثالية والطبيعية، والتي أقرها الشرع الحكيم.

ولذا فإنّ السؤال في مجتمعاتنا حول الإجهاض لا يجب طرحه بالمقلوب، لأننا لسنا مضطرين لذلك، ولم نقع في هذه المعضلة الأخلاقية، ولم نورط أنفسنا في الاختيار بين أمرين.

بل يجب على السؤال هنا أن يعود ليأخذ شكله الطبيعي، ويعود الجنين، ذكراً كان أم أنثى، ليكون مركز ثقله: "هل يجوز إجهاض الجنين؟"

وقد أجاب الفقه عن هذا السؤال بالتفصيل، وميز بين الإجهاض قبل نفخ الروح وبعدها، وميز بين الجنين السوي والجنين المشوه، وميز بين الأم الصحيحة جسدياً والأم المعتلة، وميز بين حالات الزواج وحالات الاغتصاب، وفي الأمر تفصيلات كثيرة.

ولكن كل هذه التفصيلات، وإن كانت تراعي جسد المرأة من الناحية الصحية، فإن مركز ثقلها ومحورها هو حق هذا الجنين في الحياة، ذكراً كان أم أنثى.

فهو إذن وقوف إلى جانب "الإنسان"، "ابن آدم" الذي كرمه الله، بلا تمييز له، ولا مفاضلة بين الذكورة والأنوثة فيه.

أما حين نأتي ونقول: "هذا جسدي أنا، أنا من حقي أن أختار إن كنت أريد أن أحمل أم لا.."

ففي هذا انحياز غير مبرر للمرأة، وتفضيل لها على جنينها، وهو انقلاب على الإنسانية، وهو مظهر من مظاهر من التمركز حول الأنثى، الذي تحدّث عنه المسيري.

كما أن ملكية الجسد لا تعود للإنسان، بل لخالق هذا الإنسان، لذا فإن عبارة "هذا جسدي أنا" عبارة مغلوطة من الأساس، وهي واحدة من الخلافات الجوهرية بين الطرح الإسلامي والطرح النسوي.

لا شك أن الكثير من الإصلاحات في النظام الاجتماعي والقانوني مطلوبة لكي تحفظ للمرأة حقها في الإجهاض في الحالات التي أباحها الشرع، ولكي تحفظ لها حقها قبل كل شيء، في حال الحمل في الظروف الاستثنائية، التي يغيب فيها الرجل.

يجب على الدولة والمجتمع دعم المرأة في هذه الحال مادياً وصحياً ومهنياً، ويجب عليهما تفعيل التشريعات التي تلزم الأب بالتكفل بالطفل القادم، والإنفاق عليه وعلى أمه، ويجب عليها إيجاد تشريعات تحفظ للطفل غير معروف النسب حقوقه الكاملة، لأن الله كرّم "بني آدم"، وحق الطفل القادم لا يجب المساس به، ذكراً كان أم أنثى.

كل هذه التشريعات وغيرها أمور سوف تملأ ثغراتٍ من اللازم ملؤها، لكي ترفع الظلم عن المرأة، وتحفظ حق طفلها، أما استغلال هذه الثغرات لمنح المرأة رخصة للإجهاض بدون قيود ولا شروط، فهو أمر لا يمكن أن نقبل به دون أن نكون قد قبلنا بهدر إنسانيتنا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديما مصطفى سكران
كاتبة ومدونة مهتمة بشؤون المرأة والأسرة واللغة العربية
كاتبة ومدونة مهتمة بشؤون المرأة والأسرة واللغة العربية
تحميل المزيد