الشعرة التي قصمت ظهر البعير، هذا أفضل وصف لتصريح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي عن دول الخليج، لا سيّما المملكة العربية السعودية واليمن، حول الحرب على اليمن، حيث وصفها بالحرب العبثية، وشدّد على ضرورة إيقافها.
أدّى هذا التصريح إلى تصعيد غير مسبوق من قبل الدول الخليجية تجاه لبنان، تجلّى بدايةً بطرد السفير اللبناني من المملكة العربية السعودية، لتمشي على خطاها كلّ من البحرين والكويت، مؤكّدين على إمكانية التصعيد عبر العقوبات السياسية والاقتصادية.
خلفيات التصعيد
من الواضح والصريح أن تصريح قرداحي ليس السبّب الرئيسي لكلّ هذا التصعيد، فتسلسلت الأحداث مع بداية عمل هذه الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، ليتوجه قرداحي بتصريح قتل فيه لبنان نهائيّاً.
تعتبر قضيّة تفجير مرفأ بيروت من أساسيات العزلة، وذلك من خلال تعاطي الحكومة -المسيطر عليها حزب الله- مع هذا الملف، والتحريض على المحقّق العدلي طارق البيطار، والإصرار على إقالته من منصبه، ومن ثمّ تفجير هذا الإصرار بأحداث الطيّونة، حيث استخدم حزب الله فائض القوّة ودخل على عين الرّمانة -الدّاعمة معظمها لحزب القوّات اللبنانية برئاسة سمير جعجع- مما كاد يؤدي بنا إلى حرب أهلية ثانية.
أوّل خطأ ارتكبته حكومة ميقاتي "المستقلّة" بحسب الخليج، هو سكوتها التّام عن الموضوع وعدم التعليق عليه كأنّ شيئاً لم يكن، فقد اكتفت بالاستنكار. ومع عدم وجود أي حل لموضوع البيطار هدّد حزب الله بتعليق عمل الحكومة عبر امتناعه عن حضور الجلسات، وهذا ما حصل، حتى اليوم اجتمعت هذه الحكومة التي من أبرز وظائفها تحسين العلاقة مع الخليج والاجتماع مع صندوق النقد الدولي ما لا يزيد عن 4 مرّات.
زاد الطّين بلّة بتحدّي وزير الثقافة محمد مرتضى، المعيّن من قبل حزب الله، وتهديده لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتغاضي الأخير عن الموضوع، وعدم وضع أي حدّ لما جرى. أدّى ذلك إلى مزيد من سيطرة حزب الله على الشأن الحكومي، علماً أن دول الخليج عموماً والمملكة خصوصاً لم تمانع من التعاطي مع هذه الحكومة لأنّها "مستقلّة"، ولكن مع مرور الوقت اتضح لهم أنّها حكومة حزب الله.
لا يمكن التغاضي أيضاً عن عدم وضع حد لتصدير الممنوعات، أي المخدّرات والكبتاغون، إلى المملكة، دون اتخاذ أي إجراء يذكر حيال هذا الموضوع من قبل الحكومة اللبنانية.
لذا، هذه التراكمات والانبطاح الكامل للمحور الإيراني، والتصعيد في خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله، انفجر بتصريح قرداحي، مؤدياً إلى التصعيد الخليجي.
ما علاقة جعجع؟
لا يوجد في لبنان حالياً حليف أساسي للسعودية سوى رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع، فهو على علاقة متينة معهم، ويجتمعون على قاسم مشترك أساسي، عنوانه العداء لحزب الله.
فوقوف ميقاتي محايداً على خلفية أحداث الطيونة، ومحاولة حزب الله رمي التهمة على جعجع كجزء من الاغتيال السياسي، جعله يرسب في الامتحان الأهم خلال أوّل شهر من تولّيه رئاسة الحكومة رسمياً، أي بعد تشكيلها نهائياً.
بطبيعة الحال، ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية اللبنانية، سيكون من مصلحة المملكة دعم حليفها الأوّل الذي وضع نقاطاً في رصيده الانتخابي، بعد خطاب نصر الله ضدّه، وبعدما هدّده بـ100 ألف مقاتل.
الاستقالة ومحادثات فيينا
كان وزراء خارجية الخليج واضحين بأن استقالة الحكومة لن تجدي نفعاً، فقد سبق السيف العزل وتخطّوا الخطوط الحمر، كما أن الموضوع تخطّى استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي منفرداً، فأصبح لهذا الأمر أبعادٌ إضافية.
في المقابل، حثّت الإدارة الأمريكية ممثلة بالمتحدّث باسم خارجيتها سامويل وربيرج الدول الخليجية على إعادة النظر في قراراتها، وعدم قطع العلاقة مع الحكومة اللبنانية. في الوقت عينه أجرت مصر وكذلك الأردن اتصالات لإيجاد حل لهذه الأزمة، تضع مسألة استقالة الحكومة جانباً.
الجدير بالذكر أن هذه الحكومة أتت بهندسة فرنسية-إيرانية، وبمباركة أمريكية، خصوصاً أنّها تعمل على تقديم المساعدة عبر صندوق النقد الدولي، ولا يمكن التغاضي عن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، فالإدارة الأمريكية تعوّل على هذه الحكومة بناءً على ما ذكر سابقاً.
والأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ، فمحادثات فيينا، التي تتعلّق بالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أيضاً بند أساسي، فاستئنافها المرتقب نهاية الشهر الحالي، وأجواؤها، ستحدّد طبيعة العلاقة الأمريكية-الإيرانية، فإذا آلت الأمور إلى الاتفاق ستتم التسوية مع إيران على وضع المنطقة مستقبلاً، ولا يمكن تجاهل دور حزب الله في لبنان، لذا في ظل هذه الحكومة الطرفان حريصان على إبقاء العلاقة هادئة إلى حين انتهاء المحادثات.
قد يقتضي الموضوع تقليص دور حزب الله في الحكومة في حال نجحت المحادثات المصرية والأردنية، بالإضافة إلى الجهود الأمريكية-الأوروبية، إذ من الممكن أن تقضي باستبدال نوّاب حزب الله بوزراء مستقلين اختصاصيين، أو وضع شروط على ميقاتي.
كخلاصة، لا تريد الدول الأوروبية ولا الولايات المتّحدة اتخاذ أي إجراء قد يعتبرونه بمثابة الخطوة الناقصة قبل انتهاء هذه المحادثات.
رئاسة الجمهورية: مَن الأقرب؟
أيضاً، الصراع على رئاسة الجمهورية قد عاد، ورغم وجود رغبة كبيرة لدى صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل للحصول على هذا المنصب، فإنّ العقوبات من قبل الإدارة الأمريكية كبّلته وأعادته إلى نقطة الصفر، لكن رغم ذلك ما زال يحاول الحرص على علاقته مع حزب الله وإرضاء الطرف السعودي، إذ تمثّلَ باتصاله بالخارجية السعودية، مستنكراً كلام قرداحي، موضحاً أنّه تابع لرئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية.
وفرنجية نفسه منافس أيضاً لهذا المنصب، إذ يعتبر الأوفر حظاً، ولكن مع تصريحه اليوم الذي دافع فيه عن قرداحي قائلاً إنّه لم يأتِ به إلى الحكومة كي يقدّمه فدية، وإنّه رفض استقالته، وضعه ذلك في موقف حرج، وقد تتقلّص حظوظه ويستبعد تماماً عن تولّي منصب رئاسة الجمهورية العام المقبل.
يبقى سمير جعجع، الأخير في المناسبة، كل الأحداث في الساحة السياسية تجعله اليوم الأقرب إلى هذا المنصب ابتداءً من أحداث الطيونة، يتبعها خطاب نصر الله، الذي صبّ في مصلحته وقربه من الطرف السعودي بما قد يفسح له المجال بذلك.
لكن، لا يمكننا حسم أي شيء الآن، فالساحة اللبنانية مليئة بالمفاجآت والتطورات، فلا بدّ من انتظار نتائج الانتخابات النيابية، إذا حصلت.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.