تحولت أزمة السفراء التي بدأت بشكل سيئ ووصلت لأزمة خطيرة للغاية، إلى فرصة غير متوقعة.
في الواقع، من سُنن الله في الكون أن تفضي الأمور السلبية بشدة والتي تصيب الجميع بالقلق دون أن يبدو لها مخرج في الغالب، إلى خير. أو لم يقل الله تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم".
ليس من المعتاد إطلاقاً أن يقوم 10 سفراء في آن واحد، بإصدار بيان مشترك حول أي قضية داخلية تتعلق بأي بلد، مهما كان حجمها، فذلك أمر غير عادي. ولا شك أن هذا التحرك غير العادي كان يتطلب حتماً ردة فعل غير عادية أيضاً.
ألم يكن رد أردوغان متوقعاً؟
حينما قرر هؤلاء السفراء أن يرجعوا خطوة نحو الوراء، اتضح أنهم لم يحسبوا في الواقع حساباً لردة فعل بهذا الحجم من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وفي هذه الحالة دعونا نتحدث بصريح العبارة: يجب التشكيك بشكل حقيقي في مستوى الرؤية السياسية والعقل الاستراتيجي أو البصيرة التي يستند لها هؤلاء السفراء.
لقد قلنا من قبل ودعونا نكرر؛ الشيء غير العادي هنا ليس ردة فعل أردوغان، بل هو موقف هؤلاء السفراء أنفسهم. أما التفكير بأن أردوغان سيبقى صامتاً، أو الاعتقاد بأنه من الممكن التحكم بتركيا أو أردوغان بهذه الطرق؛ فهذا يشير في الواقع إلى أنهم لم يعرفوا أردوغان بعد.
صحيح أن تكبد مشقة هذا الموقف حتى النهاية كان سيكلف أردوغان وتركيا الكثير، لكن نظر أردوغان لهذه التكلفة على أنها دين وطني يجب سداده، بدلاً من ابتلاع الموقف الاستعماري المتعالي الذي كان يفرضه موقف السفراء.
بالطبع، قد يظن بعض المعارضين الذين يستميتون- في سبيل إسقاط أردوغان- على شراء هذا الموقع المتدني الذي يحاول البعض وضع تركيا فيه، أنهم معفيون من هذه التكاليف. لكن ليس لدينا أي كلام لهؤلاء المساكين الذين باعوا أحلامهم بثمن بخس.
هل هو حظ أردوغان، أم جهل خصومه؟
كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن العقل الذي كان وراء موقف السفراء هو الرئيس الأمريكي جو بايدن. وما يؤيد هذا الخبر في الواقع هو تصدّر السفير الأمريكي لبقية السفراء، إضافة إلى أن مواقف بايدن المعارضة لأردوغان واضحة منذ البداية، أي منذ أن كان بايدن مرشحاً للانتخابات الرئاسية. لكن حينما تتحول هذه المشاعر إلى دافع للتحرك بهذه الطريقة ضد الرئيس أردوغان، فهل يعتبر ذلك نتيجة افتقار للعقل الاستراتيجي أم نتيجة حظ أردوغان؟ فأصدقاء بايدن وحلفاؤه في تركيا يفكرون مليّاً في هذا الخصوص.
واقع الأمر يؤكد أن هناك الكثير لتستمع إليه الولايات المتحدة من تركيا اليوم بشأن ملفات حقوق الإنسان واستقلال القانون والقضاء ومكافحة الإرهاب، أو أي ملف آخر تريد فتحه، لكن ليس للولايات المتحدة أي كلمة يمكن أن تقولها لتركيا في هذا الصدد.
على صعيد آخر، هناك أرضية قانونية مقبولة ومتفق عليها ضمن علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي. وبموجب عمليات التفاوض مع الاتحاد الأوروبي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن الإجراءات القضائية في تركيا مفتوحة أمام تفتيش وتقييم هذه المؤسسات الأوروبية.
ولذلك، لا يمكن اعتبار قرار المؤسسات الأوروبية ذات الصلة أو تقييمها أو التعليق حول أي انتهاك قد يصدر في مجال الحقوق والإجراءات القضائية في تركيا، على أنه تدخل في الشؤون الداخلية لتركيا. لكن بالطبع يمكن أن تستخدم تركيا حق الجواب والتشكيك في موضوعية التقارير أو القرارات أو الانتقادات وما شابه، لكن في النهاية لا تعتبر ذلك تدخلاً في شؤونها، بموجب ما ذكرناه من إطار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
أما بالنسبة للسفراء، فليس لديهم بالتأكيد هذا النوع من المسؤولية والصلاحية، لا سيما وأن بينهم سفراء من خارج دول الاتحاد الأوروبي. كما أن وجود الولايات المتحدة معهم لا ينبغي أن يمنحهم الجرأة أو السلطة للقيام أو الإقدام على هذه الخطوة في الأصل.
ليس للولايات المتحدة الأمريكية في مجال الحقوق ما يمكن أن تحاسب به، بل هناك ما يجب أن تُحاسب عليه.
في الساحة الدولية التي نعيش فيها اليوم، الولايات المتحدة ليست هي القاضي بل المدعى عليها في جميع القضايا المتعلقة بانتهاكات القانون والعدالة. ناهيك عن أمثلة تسييس القانون ضد الدول الأخرى، فهي لا ترى أي ضرر في جعل دعمها للإرهاب أكثر فأكثر.
الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بشكل مباشر أو شاركت فيها أو سمحت بها في العراق وأفغانستان واليمن، لا تسمح لها بأن تكون طرفاً في أي مسألة تتعلق بتركيا. ليس للولايات المتحدة الأمريكية في مجال الحقوق ما يمكن أن تحاسب به، بل هناك ما يجب أن تُحاسب عليه.
على وجه الخصوص، لوحظ أن النتيجة التي ستتحقق من خلال تنظيم وتمرد عشرة سفراء لم تكن سوى محاولة انتفاضة فاشلة.
ومع ذلك، في رأيي، فإن الجانب الأفضل من هذه المبادرة ربما كان جانباً مختلفاً من هذه المبادرة من حيث إظهار يأس المحاولات الأخرى التي يجب القيام بها ضد تركيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.