رسالة الصحافة والإعلام لا تتوقف عند نقل الخبر أو الترفيه أو التثقيف، بل تتعدى هذا وذاك في أدوارها ووظائفها، فتطرح قضايا على طاولة النقاش العمومي الإعلامي، وإن اتخذت شكل وصلات، فإنها تكون مبطنة بوجهة نظر أو رأي أو طرح ما، أو مطلب جماهيري عمومي. ذلك في أفق بناء أو إعادة بناء رؤية عمومية تهم شرائح ممتدة من فئات المجتمعات، تربطها روابط عدة فيما بينها، وقد تخترق المسافات والحدود والجغرافيات الوطنية الضيقة، وتطالب بحقوقها المشروعة سواء منها التاريخية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الحضارية.
ومن داخل تلك الرؤية قد نلمس بُعداً آخر في طرح قضية من القضايا، يتمثل في ما يمكن الاصطلاح عليه بالمحاكمة سياسية لأنظمة بعينها، ولقراراتها المتخذة من دون الرجوع إلى الشرعية المجتمعية الضرورية لاتخاذ القرارات المصيرية في الشؤون العامة للشعوب والمجتمعات، وفي بناء تصوراتها ورؤاها وعلاقاتها فيما بينها وبين المجتمعات الأخرى.
برنامج "جاك المرسول"
من خلال تتبُّع بعض البرامج المبثوثة على القنوات العربية، يتضح أن مطالب الشعوب العربية في التواصل مع بعضها البعض، وفي فك الحصار المفروض عليها من قِبَل أنظمتها السياسية، باتت مطالب مُلحَّة وجديرة بالاهتمام والتمعن فيها، في إطار سياقاتها التاريخية والحضارية المشروعة.
وهذا ما نلمسه بقوة في بعض منها، وخاصة على سبيل الشهادات الحية من خلال برنامج "جاك المرسول" الذي كان يبث على قناة "نسمة" التونسية -قبل إغلاقها من قِبَل السلطات التونسية- في إطار إعادة إحياء الروح وروابط التواصل الاجتماعية لمواطنين مغاربيين، وهو ما يجعلنا نطرح أسئلة عديدة على أنظمة شعوب المنطقة المغاربية ونخبها، ومدى تصوراتها للشأن العام المغاربي الجماهيري، وذلك في إطار استمرار قرارات إغلاق الحدود.
محنة غلق الحدود
مَن المستفيد من حالة التشنج الدبلوماسية وإغلاق الحدود بين المغرب والجزائر؟ أية مصالح للشعوب المغاربية في الإبقاء على سياسة إغلاق الحدود المعنوية والمادية وإلى أي حد استطاعت الأنظمة المغاربية بما في ذلك النظم الليبية المتعاقبة، خدمة شعوبها؟
ألا تعتبر قضية إغلاق الحدود بين المغربية-الجزائرية، سياسة ممنهجة للأنظمة في سبيل خنق المواطنين المغاربيين، وفشلاً ذريعاً في إدارة الشأن العام؟
إلى أي حد يمتد مفعول قرار إغلاق الحدود، ليشمل كل مكونات المنطقة المغاربية برمتها سلباً، ووبالاً خطيراً على مصالح شعوبها وروابطها عموماً؟
ألا يجدر بشعوب المنطقة المغاربية التفكير في نهج سياسي واجتماعي لفك الحصار عليها، ومن ثَم درء مفاسد السياسة المتبعة طيلة عقود من الزمن؟
بالعودة إلى برنامج "جاك المرسول" وما يطرحه من شكاوى لمواطنين مغاربة وجزائريين، وكل أبناء المنطقة المغاربية، بشأن قضية إغلاق الحدود، يجعلنا نتساءل من جديد عن الخلفية الفكرية وراء اتخاذ هذا القرار.
هل القرار نابع من تجسيد شعبوي لرغبات المواطنين المغاربة والجزائريين، أم أن الأمر يتعلق بليّ أذرع نظام لنظام آخر؟
الأجوبة عن هذه الأسئلة تشير بالتحديد إلى مربع السلط القائمة في البلدين معاً، وفي كل البلدان المغاربية.
أزمة الماضي المغاربي وتحديات المستقبل
لقد أبانت كل المخرجات السياسية والدبلوماسية لأنظمة المنطقة المغاربية برمَّتها عن فشلها الذريع في إحقاق الحقوق الطبيعية والمكتسبة للشعوب المغاربية، وعن تضخم ذواتها.
لقد تم إقبار كل الأحلام والآمال في إنشاء نظام مغاربي يحمل على أكتافه تطلعات الأجيال الماضية والحاضرة والمستقبلية، بنفس حضاري يضاهي الكتل المتقدمة الأخرى.
ولذا نعتبر كل شكاوى المواطنين المغاربيين المبثوثة في برنامج "جاك المرسول"، في بعض من حلقاته الخاصة بهذا الشأن "محاكمات سياسية" لكل النخب السياسية الرسمية بالمنطقة برمتها.
وهو ما يطرح بإلحاح مفهوم سؤال ما العمل وما البديل على كل المغاربيين عامة، للخروج من المآزق التي تحجب الرؤية العقلانية لطبيعة المسارات الممكن نهجها، والكفيلة بحسم كل المواقف البناءة والهادفة، والقطع مع سياسة التضليل والديماغوجية، وإنهاء عملية الإلهاء السياسي.
لم يعد بالإمكان القبول بهذا الوضع المؤلم، والذي يدمي كل جوارح المنطقة المغاربية. هذا الوضع يفرض على هذه الشعوب الثورة على كل المفاهيم السياسية والاستراتيجية التقليدية التي فقدت كل مشروعيتها كنُظم قادرة على تدبير الشأن المغاربي متحداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.