ألف باء سياسة.. ما هو التحالف السياسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/01 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/01 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش

التحالف السياسي هو أحد أنواع السلوكيات السياسية التي أبدعتها المدنية في إطار تطلُّعها إلى سلوك يجسِّد ذلك التسامي القيمي عن كل القيم الذاتية ذات المنفعة الخاصة، فما هو مفهوم التحالف السياسي وما هي العناصر التي يتأسس عليها؟

أولاً: مفهوم التحالف السياسي

إن التحالف السياسي هو ذلك السلوك السياسي الذي يلجأ إليه طرف سياسي، بتعاضد مع أطراف سياسية أخرى، نتيجة اتفاق تعاوني بينهما مبنيّ على أساس برنامجي، وذلك من أجل إحدى الغايات الثلاث:

1- تمتين القوة المطلبية أو الاقتراحية في إطار برنامج نضالي يتوخى التصدي لبعض القرارات (في طور التحضير، أو في طور التنفيذ)، أو الضغط التصحيحي لبعضها، والتي يكون التقدير الجماعي للمتحالفين على عدم جدواها بالقياس إلى المصالح الكبرى للمجتمع أو على تناقضه معها أو على تهديده لها، أو تحقيق تقدم في المسيرة الإصلاحية العامة التي تبتغي إرساء قواعد عملية سياسية متفق عليها مجتمعياً (كما سبق تفصيل ذلك)، وبالتالي الانتقال التدريجي نحو دولة المجتمع.

وقد يكون هذا النوع من التحالف السياسي أداة الانتخابات لخدمة هذه الغاية، سواء قبل أو بعد الانتخابات، إلا أن هذا الشكل التحالفي يلزمه في تقديري أن تكون الانتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة (كما سبق بيان معناها)، ذلك لأن هذا الشرط هو بوابة صناعة أقطاب تحالفية سليمة المنشأ والغاية تصفي المشهد السياسي من الزائد، وتؤدي إلى تعددية برنامجية وقطبية مبينة على أسس انتخابية سليمة.

2- تمتين القوة المعارضة وتوسيع دائرتها في إطار برنامج سياسي يتوخى تقليص مساحة الموالين للأغلبية الحاكمة، يكون التقدير الجماعي للمتحالفين على أنها جانبت بعض أو كل وعودها مع المجتمع من خلال بعض أو كل قراراتها، أو خالفت بعض أو كل هذه الوعود، أو أن برنامجها التنفيذي العام لا يعكس تطلعات المجتمع، ولا البرنامج الانتخابي الذي وعدت به، وهذه الغاية تكون في إطار قواعد عملية سياسية متفق عليها وفق ما سبق تفصيله.

3- تمتين القوة الموالية للأغلبية الحاكمة وتوسيع دائرتها في إطار برنامج سياسي يتوخى تحجيم دور المعارضة وحشد التعبئة الضرورية لإنجاح عمل الأغلبية الحاكمة وظروف اشتغالها وإزالة كل العوائق التي تحولُ بينها وبين تنفيذ برنامجها الانتخابي العام الذي وعدت به المجتمع، وهذه الغاية تكون في إطار قواعد عملية سياسية متفق عليها وفق ما سبق تفصيل ذلك.

ثانياً: في عناصر مفهوم التحالف السياسي

يتبين من خلال هذا المفهوم العناصر التالية:

1- أن التحالف السياسي ليس وحدة اندماجية، تنصهر فيها التنظيمات، ولكنه اتفاق برنامجي مع الاحتفاظ بهوية كل تنظيم.

2- أن هذا التحالف السياسي قد يكون بعيد المدى، إذا كانت الغاية منه النضال من أجل إرساء قواعد عملية سياسية متفق عليها مجتمعياً، وقد يكون متوسط المدى إذا كانت الغاية منه حشد التعبئة الضرورية لإنجاح عمل الأغلبية الحاكمة، أو لإسقاط هذه الأغلبية الحاكمة في حال انحرافها عن تنفيذ ما وعدت به، في إطار قواعد عملية سياسية متفق عليها مجتمعياً؛ وقد يكون يومياً أو قريب المدى، إذا كانت الغاية منه التصدي لسياسات أو لقرارات (في طور التحضير، أو في التنفيذ) تضر بعض أو كل مصالح المجتمع العليا، أو الضغط التصحيحي لبعضها.

3- أن هذا التحالف السياسي يتم عبر برنامج نضالي أو سياسي أو انتخابي متفق عليه بين الأطراف المتحالفة، تحدد فيه النقاط المشتركة التي تلتقي فيها البرامج النضالية أو السياسية أو الانتخابية، وهذا البرنامج يلزمه الوضوح في الغايات والوسائل، ويتطلب الانسجام على مستوى الأداء السياسي العام لكل طرف سياسي، لأن عدم الانسجام تنتج عنه انطباعية المواقف والقرارات وسعي نحو كسب مصالح فئوية خاصة، وقد تصل في الانحدار فتغدو مصالح شخصية خاصة داخل الفئة المعينة، وبالتالي يضيع معنى السياسة بما هي تدبير راشد للشأن العام كما سبق تعريفه.

ختاماً

إن التحالف السياسي بهذه العناصر التوضيحية لمفهومه، هو سعي حثيث نحو الإعلاء من شأن قيم السياسة والمصالح العامة للمجتمع، وتربية على نكران الذات الفئوية أو الشخصية، وعلى تنسيب للبرامج والرؤى، وتمرين على خلق التنازل الذي هو أصل عام في العمل الجماعي والتحالفي.

إن التحالف السياسي حينما تكون وجهته خدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه وإرساء قواعد عملية سياسية متفق عليها مجتمعياً، ينبت خيراً ونفعاً ويحفظ عالم القيم الإنسانية النبيلة المتميزة بتساميها عن المنفعة الذاتية والخلاص الفردي، ويشجع على التعاطي للسياسة بمعناها النبيل، إن إكراهات التحالف السياسي لا ينبغي لها في تقديرنا أن تفصل على حماية هذه القيم التي من أجل سيادتها أصلاً ليتم النضال ويتم التحالف السياسي في حد ذاته.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بوعشرين
كاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي
ناشط حقوقي وسياسي، وكاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي، من مواليد مدينة مكناس بالمغرب، خريج كلية الحقوق جامعة المولى إسماعيل تخصص اقتصاد، حاصل على الماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الإسلامية، ودبلوم دكتوراه في الفيزياء من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ناشط جمعوي ورئيس سابق لجمعية منبر الحوار للتربية والثقافة والفن.
تحميل المزيد