على امتداد السنوات الماضية وباختلاف الحكومات التي تعاقبت على حكم ليبيا؛ لم تُفلح أي من المحاولات الحكومية "الخجولة" نحو الدفع بعجلة تطوير القطاع الرياضي، وتحرير الأندية من وضعها المالي "المتأزم". كان الفشل مصير معظم المحاولات، لأن الرياضة لم تكن يوماً من أولويات أي من هذه الحكومات رغم وفرة المال وتوسع النفوذ وقوة العلاقات لدى بعضها. فشلت جميع الحكومات في وضع خطة سليمة واستراتيجية واضحة، تكون غير "ظالمة"، يتحقق بها العدل ولو بصورة نسبية بين الأندية في مختلف أصقاع البلاد ومختلف الدرجات، مع قناعتي التامة بأن الأندية ليست في "منزلة واحدة" لا جماهيرياً ولا من ناحية المصروفات والالتزامات الملقاة على عاتقها.
كافة الحكومات قدّمت عشرات بل مئات الوعود ومارست "التسويف" باحترافية والمراوغة على طريقة ليونيل ميسي والمماطلة بشكلٍ مخجل و"سخيف" في بعض الأوقات. إلا أنه ليس بخافٍ على أحد في الوسط الرياضي المحلي؛ أن هناك أنديةً نالت الدعم الحكومي "بسخاء" بأرقام معلنة وغير معلنة.. وهنا تُطرح مجموعة تساؤلات واستفسارات:
- ما المعيار الذي وُضِع لدعم الأندية؟ وكيف يتساوى نادٍ يصرف على 4 أو 5 ألعاب وأكثر؛ مع نادٍ تقتصر مصروفاته على لعبة واحدة؟
- هل الدعم المقدم نقدي فقط؟ أم على شكل عقود مع شركات أجنبية لغرض الصيانة والبناء من منطلق الاهتمام بالبنية التحتية؟
- هل فعلاً الحكومة الحالية همها الرياضة والارتقاء بالحركة الرياضية من أولوياتها؟
أسئلة ظلت بلا أجوبة، ولم يسمع لها صدى في أروقة الحكومات الليبية المتعاقبة.
معاناة الأندية الليبية
معظم الأندية في ليبيا عانت كثيراً خلال العقد الأخير، ضوائق مالية كبيرة وعجز تام بسبب الديون المتراكمة، على شكل عقود لاعبين ورواتب مدربين وأجور موظفين ومشرفين وإداريين، بل هناك من عجز حتى عن تسديد مكافآت "عمال النظافة" وهو ما جعل بعضها -أي تلك الأندية- يصل إلى درجة "الاستجداء" المعلن والمبطّن واستخدام طرق ملتوية للحصول على المال، من أشخاص غير مشهود لهم بأي إنجاز في الرياضة، أشخاص يشاع أنهم دخلاء على الرياضة، لا يمتلكون أي رؤى للتطوير ولا تربطهم بالرياضة أي صلة.
إن مشكلة الأندية في ليبيا ومن يقودها أنها "اتكالية وليست خلّاقة"، لا يبحثون عن البديل، ولا يحاولون اقتحام مجال الاستثمار وخوض غمار التحدي الاقتصادي الذي جعل من الرياضة صناعة تدر أرباحاً طائلة، لكن هذا لا يتحقق بالأماني، بل عبر طرق أبواب القطاع الخاص لتحقيق الاستقلالية المالية التامة، وترك الدولة وعدم اللهث وراء أموالها واستجداء رجالها.
ولكن مرة أخرى تطرح حزمة من التساؤلات؛ أهمها:
أهل القطاع الخاص عزفوا عن قيادة الأندية ودعمها بشكل متواصل؛ فلماذا؟
لأن الأخيرة أي الأندية مصروفاتها ضخمة وإيراداتها لا تكاد تبلغ بضع مئات أو آلاف، والتاجر أو رجل الأعمال يتعامل مع الأندية من مبدأ الربح والفائدة وتلافي الخسائر، ويبحث عن المكتسبات والمغانم المالية والدعائية التي تُشهر شركته أو تروح لمجموعته الصناعية.
ما الحل؟
الحل إما أن يكون الدعم مدروساً من الألف إلى الياء وغير عشوائي وتتم متابعته كل فترة وأخرى ويُقيم ويوضع معيار واضح له، أو ليتم تعديل قانون الأندية وصياغة نصوص قانونية بخصخصة الأندية وتسليمها للقطاع الخاص ورؤوس الأموال وكبار التجار والمستثمرين، وتمنح لهم كافة تسهيلات العمل دون تكبيل أو عرقلة، سواء أكانت إدارية أم قانونية، مثلما هو الحال في عدد من الدول العربية، ومن ثم لننظر بعد سنوات لشكل الرياضة وحالها، هل تطورت وارتقت وقفزت لمراتب أفضل عربياً ودولياً أم لا؟.
الصبر والإيمان التام بالأفكار التسويقية والرؤى الاستثمارية سيأتي بالنفع ويجعل الأندية بحالٍ أفضل، سيجعلها تدخل باب الاحتراف من المكان المناسب حتى ولو طال ذلك لسنوات، لا بد من الصبر والثقة في صدق نجاح هذا الملف وهذه الرؤية التي لا شك أنها ذات نجاح لا يستهان به في عدد من الدول العربية المجاورة أو دول غرب قارة آسيا.
في الختام.. ما لم تكن الرياضة مشروعاً حكومياً لن تنجح، ولن تتطور إطلاقاً، ولن تقوم لها قائمة، بل لو بقيت على حالتها العشوائية هذه والارتجالية ستتخلف عن الركب وتبتعد مئات السنين عن الرياضة العربية لدول مجاورة، كنا ننافسها ونتسابق معها فترة نَغْلِب وأخرى نُغْلَب.
ما لم نعِ خطورة المشهد الرياضي المحلي والمنحدر الذي وصلنا إليه فنياً وإدارياً وحتى جماهيرياً، فسيبقى المركب يغرق شيئاً فشيئاً ونحن نتفرج عليه بعيون غير آبهة بخطورة الموقف حتى فوات الأوان، وحينها سنعض أصابعنا ندماً وحسرة، ولكن لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.