ترد إلينا بين الفينة والأخرى أفكار غريبة تغزو مجتمعنا وتستهدف عقول أطفاله وشبابه، ونظراً لغياب الدور المجتمعي الفعال وكثرة المتطلبات على أعناق الأسر نجد جيلاً يستقطب كل فكر جديد دون التمييز بين الغث والسمين منه، لكننا هذه المرة أمام فكر يغزو عقول أطفال وشباب العالم كله وليس العربي فقط، وذلك تزامناً مع انتشار مسلسل Squid Game (لعبة الحبار) من إنتاج الدراما الكورية الجنوبية، لذا سنقف أمام ردود أفعال متباينة للعالمين العربي والغربي.
ولكن دعونا نتعرف معاً: ما هي Squid Game لعبة الحبار وفكرتها؟ وكيف تحولت لظاهرة مجتمعية عالمية؟ ما الاحتياجات التي أشبعتها لدى الأطفال والشباب مما جعلها تنتشر بتلك السرعة الفائقة؟ ما المفاهيم والقيم التي تضمنتها وتستهدفها؟ ما سر تحذير المجتمعات من Squid Game وفيمَ تكمن خطورتها؟ أثر لعبة الحبار على واقع المجتمعات العربية والغربية؟ لماذا يجب عليك منع طفلك من مشاهدته؟ وكيف تقضي على هذا الحبار وتحمي أسرتك وطفلك من خطره الداهم؟!
ما هي Squid Game وما فكرتها؟
لعبة الحبار Squid Game مسلسل درامي أنتجته كوريا الجنوبية وانتشر في الآونة الأخيرة تزامناً مع بداية العام الدراسي الجديد، ويعرض على منصةNetflix، وقد حاز الأعلى مشاهدة لعدة أسابيع في كثير من الدول، وما زال، حيث تجاوز عدد مشاهديه قبل أسبوعين 111 مليون مشاهد، مما حوله إلى ظاهرة أثارت كافة الفئات العمرية والجنسيات المختلفة.
فكرته: تقوم على مزيج من مكونين أساسيين هما "الألعاب المميتة والإثارة النفسية"، ويعتمدان في تنفيذهما على غرس قيم ومفاهيم ضمنية وأخرى صريحة وتتنافى مع القيم الإنسانية العالمية عامة والعربية خاصة، فتخرج لنا فكرة المسلسل لتضرب أولى القيم، وهي العدالة، من خلال الطبقية المجتمعية والرأسمالية والتوزيع غير العادل للثروة.
فتمثلها مجموعتان إحداهما كالعادة تمتلك الغنى والثراء الفاحش مع الفراغ فتسعى لاستخدام المال للسيطرة والمتعة السادية، من خلال تنظيم ألعاب دموية تشبع بها فراغها وتسلي وقتها على حساب المجموعة الثانية وهم الطبقة الفقيرة الكادحة التي لا تمتلك شيئاً، وهنا يأتي دور مزج "السم بالعسل" فيجعل أسمى غاياتها في الحياة هو "المال" على حساب الإنسان، وتضحى بكل شيء من أجل الحصول عليه- حتى وإن كلفهم ذلك أرواحهم- للخروج من مستنقع الفقر وتكبيل الديون.
هدفها: إقامة منافسة بين الفقراء واليائسين في لعبة طفولية للحصول على المال لاستكمال حياتهم حتى ولو كلفهم ذلك أرواحهم، والدخول من فكرة تقليدية مألوفة متمثلة في استخدام ألعاب شعبية حقيقية قديمة في المجتمع الكوري الجنوبي يهتم بها الجميع، حتى الذين لا يعرفون الألعاب الإلكترونية في طفولتهم، للوصول إلى شيء غير مألوف وتحقيق عنصر الإثارة وصولاً لتحقيق الهدف وهو "الخاسر يُقتل"، محققاً السادية المطلقة وشريعة الغاب.
وكل ذلك مقابل أن يحصل الفائز في نهاية Squid Game على مبلغ مالي ضخم يقدر بـ38 مليون دولار أمريكي، مهما كلفه ذلك من ثمن حتى إن كان روحه واستغلال نقاط الضعف وحاجة الفقير والتضحية بكل القيم والمبادئ وترسيخ فكرة أن الفقير يضحي بالحياة لأجل المال، والغني يضحي بالمال لأجل الحياة.
ما الاحتياجات التي أشبعتها Squid Game مما أدى لانتشارها؟
يتم إشباع احتياجات نفسية لدى تلك الفئة من الأطفال والشباب بالإثارة، وربما يتوافق مع الميل للعنف لدى البعض، مع تقديم حلول سريعة محببة للنفس والهوى للحصول على سيد العصر الآن كما روج له أسياد الرأسمالية وجعلوا المال هو أساس كل شيء ومن دونه أنت لا شيء.
والدخول من ثغر محبب للنفس البشرية ومألوف، وهو الألعاب التقليدية القديمة خاصة والألعاب عامة، مثل لعبة Squid Game الشعبية، والتركيز على قيم سلبية في حقيقتها لكنها تتوافق مع تلك الفئة المستهدفة، مثل الحصول على كل شيء في نفس الوقت والوصول السريع للنجاح دون جهد كبير، واستخدام العنف كوسيلة لذلك واستباحة كل القيم والحرمات الإنسانية فى سبيل تحقيق ذلك.
كل ذلك مع الفراغ الذي يعيشه الشباب وعرض تلك المشاهد بمؤثرات سمعية بصرية جاذبة جداً، بالإضافة إلى هوس المتابعين بالتقليد ومواكبة ما يفعله الجميع، هو ما جعل الأطفال أيضاً يحاكون مشاهد Squid Game بتجسيد واقعي لها في كل دول العالم وهو ما حولها إلى ظاهرة عالمية، أي نحن كجمهور مستخدم استهلاكي من ساعد تلك الأفكار فى النجاح والانتشار.
ما المخاطر التي يتضمنها مسلسل Squid Game؟
- الدماء والعنف المفرط الممنهج وتحوله لسمة مسيطرة على الطفل.
- يحتوي على مشاهد غير مناسبة للأطفال والمراهقين.
- استباحة فكرة الدم والقتل لتقليل عدد المنافسين.
- خلق مجتمع تنافسي وحشي عنيف غير آدمي ولا تعاوني.
- الكراهية، الطبقية، الرأسمالية الرجعية والعنصرية.
- قيمة المال تعلو قيمة الإنسان.
لماذا نحذر من Squid Game؟
يكمن الخطر الأكبر في مسلسل Squid Game في تناوله للعنف كمادة أساسية ممنهجة مع القتل والتعذيب للشخصيات بشكل وحشي ودموي، وهو ما يهدم القيم الإنسانية ويغير من فطرة الإنسان ويدق ناقوس الخطر على المجتمعات التى إن لم تنتبه لتلك الحملات السلبية المؤثرة على عقول أطفالنا فإنه ولا بد سيؤدي إلى خلق جيل وحشي يؤمن بشريعة الغاب ويستخدم العنف كوسيلة للحصول على ما يريد؛ وهو ما لا نريده في عالمنا.
ولذا فقد حذرت الكثير من المدارس الأهالي، للانتباه لناقوس الخطر المتمثل في Squid Game (لعبة الحبار)، وشددت في طلبها على الانتباه لسلوك الأطفال وملاحظته، ورصد أي محاولة لتقليدهم المسلسل، وأنه سيتم تطبيق العقاب اللازم واتخاذ كافة الإجراءات ضد تلك السلوكيات العنيفة، كما أكدت على تعزيز السلوك الإيجابي، وذلك وفقاً لما ذكرته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
لماذا يجب عليك منع طفلك من مشاهدة Squid Game؟
يؤثر على نمو دماغ الطفل حيث:
- يخفف حفز نصف الدماغ الأيسر المسؤول عن اللغة والقراءة والتفكير التحليلي.
- تقليل الأهلية الراهنة وقوة الانتباه عبر خفض مستوى التعامل بينه وبين نصفي الدماغ.
- إعاقة نمو النظام الضابط للانتباه والتنظيم والدوافع السلوكية.
– يوصي الأطباء في معهد " تشايلدمايند"- وهو منظمة غير ربحية مكرسة للصحة العقلية الأطفال– بعدم مشاهدة مسلسل Squid Game وذلك حتى سن المراهقة المتأخرة على الأقل بغض النظر عن مراقبة الآباء لهم أم لا، حيث إن مستوى العنف مرعب أكثر من المعتاد في أي مسلسل، حيث يعتبر مهرجاناً للقتل فيه ناجٍ واحد يا صديقي!
– الشخصيات تعذب وتقتل بشكل ممنهج من أجل المتعة السادية لسيد اللعبة فقط.
– ترسيخ فكرة العنف الجسدي بشكل عام وضد النساء بشكل خاص.
– يحوّل الأطفال إلى متنمرين.
– سوداوى ويروج للعنف، والطفل لا يستطيع التمييز بين العنف الحقيقي والافتراضي الذي يشاهده.
– المنافسة في اللعب تتطلب أسلحة ومعدات خاصة.
– ترسيخ Squid Game فكرة الفوز بكل شيء في آن واحد، واستخدام طرق ملتوية وقيم خاطئة في سبيل الحصول على النجاح السريع، وأن المال هو أسمى القيم حتى فوق الإنسانية.
– العنف يحول شخصية الطفل إلى إنسان دموي عدواني خاصة إن كانت لديه ميول عدوانية منذ الصغر.
– تدني مستوى حساسية الأطفال ضد مشاهد العنف التي تحوله إلى شخص متبلد المشاعر.
– وجود علاقة عكسية بين مشاهدة العنف والنمو المتوازن للجسم.
– تصيب شخصية الطفل بالاضطراب وتجعله دائم الشعور بالخوف والقلق.
– قتل روح الإبداع والإنتاج لدى الأطفال.
– الطفل لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ؛ لذا يجب الانتباه له ولما يشاهده وتوجيه وتقويم سلوكه بشكل مبكر.
– تغير قناعات الطفل ويصبح مؤمناً أن العنف وسيلة مقبولة لحل المشكلات.
– يرسخ فكرة الاكتفاء بالمشاهدة بدلاً من تقديم المساعدة لمن يتعرض للأذى، ويصبح أكثر ميلاً لممارسة السلوك العدواني وأكثر استعداداً لارتكاب تصرفات مؤذية.
– العجز عن ضبط النفس واستخدام العنف بدل التفاوض.
– حدوث خلافات شديدة بين الآباء والأبناء ويؤدي إلى التفكك الأسري.
– هدم المفاهيم ومنظومة القيم الأسرية والمجتمعية الحميدة وترسيخ غيرها خبيثة تقوم على العنف والسادية والرأسمالية، وتعليم الطفل الكذب والخداع للوصول للهدف.
– ازدواجية المعايير والقيم بين ما يتعلمونه في البيت والمدرسة وبين الدراما المتلفزة.
– يلحق الضرر بتطور الطفل من الناحية الاجتماعية والعاطفية والمعرفية وهو في سن صغيرة، مما يهدد أمن واستقرار ومستقبل الطفل والمجتمع بأكمله.
– يخلق قدوات خبيثة تؤثر سلباً على عقول الأجيال، حيث إن المسلسل يعكس واقع المخرج وضائقته المالية والذي طور ألعاب طفولته لتنعكس بشكل أكثر دموية حيث قال: "هناك مفارقة في تحويل أجمل ذكرياتنا البريئة إلى حقيقة مروعة".
– ترسيخ Squid Game فكرة الصراع الطبقي بين الناس وجعل كل أهداف الفقير الحصول على المال حتى إن ضحى بروحه في سبيلها، أما الغني فيسأم ويمل من الترف ويبحث عن أي جديد مستغلاً حاجة الفقير.
– خطورة التقليد الأعمى للأطفال وتحويل العنف الافتراضي إلى واقعي، وهو ما تم بالفعل في بعض الأماكن، حيث طبقوا فكرة المسلسل أثناء اللعب، ولكنهم استخدموا العقاب الجسدي بديلاً للقتل، وهذا يدق ناقوس خطر كبير يجب الانتباه له، والتدخل المبكر لعلاجه.
– تجعل المجتمع مكاناً وحشياً غير آمن بنظر الطفل ويفقتر للأمان دائماً.
كيف نبني مجتمعاً خالياً من Squid Game؟
دور الأسرة:
– بناء علاقة إيجابية مع الطفل تمكنه من الاستجابة لك والإنصات لك.
– كن قدوة لهم ولا تمارس العنف معهم أو مع غيرهم.
– مناقشتهم فيما يشاهدونه وتوضيح مكامن الخطورة وأثر مشاهدة العنف على مستقبله ومجتمعه.
– توضيح الفرق بين السلوك المفيد والضار بهم وكيف يمكنهم اختيار المحتوى الملائم لهم ولقيمنا الإنسانية والعربية والدينية.
– علم طفلك مهارات حل المشكلات واستراتيجياته بطرق مبدعة وأن العنف سلوك الضعيف.
– وضح لطفلك العنف بأنواعه وأن العنف ليس جسدياً فقط، بل هناك عنف لفظي لا يقل أثره أهمية عن الجسدي.
– علِّم طفلك استخدام الكلمات بطرق مسؤولة للدفاع عن نفسه وغيره.
– علم طفلك حقه في الحماية والدفاع عن نفسه بشكل مشروع، وكيف يحمي نفسه من العنف.
– مراقبة المحتوى الذي يشاهده الطفل والتدخل المبكر قبل تحوله إلى سمة سلوكية.
– منع أو تقليص عدد ساعات المشاهدة حسب شخصية كل طفل وما يلائمه.
– المشاهدة باعتدال تزيد قدرة الطفل على الاستيعاب والتذكر.
– خلق بيئة ملائمة تحترم أفكار الطفل وتسمح له بالتعبير عنها بحرية، والاستماع إليها، حل المشكلات التي يواجهها، وتقدم الرعاية اللازمة له وأن عائلته تحبه ودائماً جانبه وتأتي في المقدمة.
– اشرح له قيمة العقل والجسد والروح وأننا يجب أن نحافظ عليها ونحميها بانتقاء ما نشاهده حتى يعتاد الانتقاء الذاتي فيما بعد.
– ضبط مقدار العنف المشاهد بانتقاء البرامج وفق كل فئة عمرية كالتالي:
الطفل من عمر2-4 سنوات: الطفل في تلك المرحلة يقلد كل ما يراه، لذا ينصح بعدم مشاهدة أي عنف جسدي كوسيلة لحل النزاع.
الطفل من عمر 5-7 سنوات: يكون لدى الطفل في تلك المرحلة بعض الإدراك، لذا ينتقى مشاهد عنف ليست خطيرة وبها شيء من الخيال، مع الحرص على عدم مشاهدة العنف المفضي للوفاة أو الإصابات الخطيرة.
الطفل من عمر 8-10 سنوات: يجب عدم مشاهدته القتال بالسيف أو إطلاق النار والدماء.
الطفل من عمر 11-12 سنة: يمكنه في تلك المرحلة مشاهدة الأعمال التاريخية، معارك ومبارزات، مع أهمية الحرص على خلوها من القتل أو الإصابة الشديدة عن قرب.
دور المجتمع
– عقد مؤتمرات وندوات للتوعية بخطر العنف على شخصية الطفل ومستقبله هو والمجتمع.
– تشجيع السلوك الإيجابي والاجتماعي وتعزيزه.
– تقديم الدعم والحماية اللازمة للأطفال والبالغين.
– تطوير برامج منع العنف في المجتمع وتنفيذه ومراقبته وذلك بالتعاون مع الأطفال والمؤسسات المحلية.
– إنشاء مناهج آمنة تشاركية وممتعة للوقاية من العنف ضد الأهل.
– اقتراح قانون شامل لدعم برامج حماية الطفل.
– إدراك حاجة الذكور والإناث على حد السواء للحماية من العنف.
دور الدولة
– رفض العنف من خلال رفع مستوى الوعي، وبناء معايير إيجابية وتغيير المعتقدات السلوكية.
– وضع استراتيجية وطنية محددة ومزمنة ومركزة ومتكاملة وذلك للقضاء على العنف والوقاية منه، وجعل حماية الطفل أولى أولوياتها، تدريب المعنيين وتوفير التمويل اللازم لنجاح الاستراتيجية.
– دعم العائلات وتشجيعها على رعاية الطفل وجعله أولوية.
– دعم الطفولة المبكرة وتنميتها والتشجيع على إبقاء الطفل في المنزل وعدم إيداعه في المؤسسات خاصة لمن هم دون الثلاث سنوات.
– تطوير نظام لمراقبة العنف ضد الأطفال.
– سن القوانين والتشريعات اللازمة للتصدي للعنف ضد الأطفال.
– اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة ضد المحتويات الإعلامية المرئية والمسموعة التي تحوي عنفاً يضر بالأطفال، مثل Squid Game والتشديد على دور الرقابة الإلكترونية ضد كل ما يمس القيم الإنسانية والتربوية والمجتمعية وعقاب كل من يخالف ذلك.
ختاماً.. سيبقى للأسرة الدور الأكبر في حماية الطفل من كل خطر يهدد حياته وقيمه، سيكون العبء أكبر على عاتقهم أجل، التربية وتكوين شخصية إنسان ليست بالأمر السهل، ولكنه يستحق أن تبذل جهداً لأجله؛ خاصة في مراحل تكوين ملامح شخصيته في سنواته الأولى، فابذل كل جهد وعلمه كيف ينتقي ويختار ويتصرف، ثم راقبه وقوِّمه وقدم له النصح عندما يكبر، ستجده يطبق ما تعلمه بشكل تلقائي منذ صغره، وهنا فقط يهون كل مر وصعب واجهته فى تربيته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.