"عندما كان أخي صغيراً كان يحب كثيراً الأشياء التي تدور، يحب غسالة الملابس ويجلس أمامها وقتاً طويلاً، عندما يشعر أخي بالقلق كان يحرّك يديه كالمروحة بسرعة، كنت أظن أن جميع الأطفال مثل أخي، لكن حين ذهبت إلى الروضة عرفت أن أخي مختلف عن الأطفال الآخرين.
كنت أقضي وقتاً أطول من باقي الأطفال في الروضة فأمي تصطحب أخي إلى مواعيد كثيرة، كبرت قليلاً وصرت أذهب معهما إلى تلك المواعيد وأقضي مع أمي وقتاً طويلاً في صالات الانتظار، كانت أمي تحاول تسليتي بقراءة الكتب ولعب بعض الألعاب معاً، إلا أننا كنا نعود إلى المنزل مساءً متعبين جداً.
كنت أظن أيضاً أن جميع الأطفال يفعلون مثلي بعد الروضة إلا أن صديقاتي أخبرنني بأنهن يذهبن للعب في الحديقة أو يمارسن إحدى الرياضات، في البيت كان أخي يصفّ جميع ألعابه صفاً واحداً، إذا قمت بلمسها سهواً أو عمداً يغضب كثيراً ويبكي بصوت عالٍ. أيضاً يبكي أخي كثيراً بصوت عالٍ دون سبب، تحاول أمي تهدئته حتى لا يغضب الجيران.
أذكر أنه ذات صباح قبل الذهاب إلى المدرسة بكى أخي كثيراً كعادته كل يوم لأنه لا يحب المدرسة، فجأة قام أحد الجيران بطرق الباب بشدة ووبخ أمي قائلاً إنه لا يستطيع النوم بسبب بكاء أخي المتواصل.
أخبرته أمي بأنها تحاول تهدئته وأنه طفل مختلف، إلا أنه لم يفهم على ما يبدو، تكرر الأمر في كل البيوت التي عشنا بها، بعض الجيران كانوا يتفهمون والبعض الآخر لا، حين كنا صغاراً عندما نذهب لزيارة الأصدقاء تشعر أمي بالحرج كثيراً، فهو يتحرك كثيراً ولا يستطيع الجلوس هادئاً، وعندما يزورنا أحد يشعر أخي بالقلق الشديد ويبقى داخل حجرته معظم الوقت.
حين كبرت أخبرتني أمي بأن أخي طفل مختلف، وأن الله قد خلقنا مختلفين، لدينا نقاط ضعف وقوة، أخبرتني أمي بأن أخي من القمر وأنه طفل لديه طيف التوحد، شرحت لي أن ذلك الشيء معناه أنه يفكر بشكل مختلف، ويرى الأشياء بشكل مختلف، يساعدني أخي في تعلم اللغات لكنه لا يستطيع حل مسائل الرياضيات بسهولة.
عندما ذهبت إلى فصلي في المدرسة استطعت مساعدة زميل لي جاء من القمر مثل أخي".
كان هذا جزءاً من قصة طفلة، أخوها الأكبر شُخّص بطيف التوحد، يتأثر أخوة الطفل المختلف تأثراً كبيراً. رغماً عني كأمّ، يأخذ ابني الذي شُخص بطيف التوحد منذ 10 سنوات جزءاً كبيراً من وقتي وأيضاً من طاقتي النفسية والذهنية، إلا أن هناك بعض الإيجابيات فهم يتقبلون بشكل أسهل من بقية أقرانهم وجودَ أطفال مختلفين في محيطهم الاجتماعي، كما أنهم بالوقت يعتمدون على أنفسهم بشكل مبكر مقارنة بأقرانهم.
طفلٌ "مختلف"
في البداية كنت أصطحب أبنائي معي في كل مواعيد أخيهم الأكبر، لكن بالوقت استطعت تنظيم المواعيد، لأعفيهم من صالات الانتظار المملة، أحاول أيضاً قضاء وقت أطول معهم، حتى لو أثناء التسوق أو الطبخ. كلما كبروا شاركوا معي في مساعدة أخيهم وتفهموا ظروفه الخاصة، كما أنهم يستطيعون أيضاً مساعدة الأطفال المختلفين في فصولهم وتفهم احتياجاتهم الخاصة وربما شرح مطالبهم للمعلم أو المعلمة.
أيضاً تتعرض الأسر التي لديها طفل ذو احتياجات خاصة إلى كثير من الضغوط المختلفة التي لا تتعرض لها الأسر الطبيعية، تقول بعض الإحصائيات التي أجريت على بعض الأمهات التي لهن أطفال لديهم سمات طيف التوحد، أن هؤلاء الأمهات يتعرضن لضغوط نفسية شديدة ويعانين من القلق الشديد والاكتئاب، إلى جانب ذلك فإن معظمهن قد تخلين عن حياتهن المهنية لتقديم الدعم الكامل لطفلهن المختلف، وأن ذلك القلق يبدأ حتى قبل التشخيص حين تبدأ الأم بالشعور أن هناك شيئاً غير طبيعي في سلوك ابنها، ثم تبدأ رحلة طويلة للحصول على التشخيص، وأن معظم هؤلاء الأمهات لا يحصلن على الدعم الزوجي والأسري والنفسي المناسب.
إلى جانب ذلك تتعرض تلك الأسر إلى ضغوطات مادية مختلفة؛ لتهيئة الظروف المناسبة في البيت والحصول على الدعم الطبي ودفع تكاليف الجلسات الطبية، والتي في دول كثيرة لا يقوم التأمين الصحي بتغطيتها، وفي الوقت الذي على الوالدين مرافقة طفلهما معظم الوقت يتطلب عليهم العمل أيضاً لتوفير المال.
من جانب آخر يقل التواصل الاجتماعي للأسرة، لأسباب عدة منها ضيق الوقت المتاح للزيارات الاجتماعية، لكن السبب الأكبر هو تجنب الانتقادات تجاه سلوك طفلهم أو أن يضطر الوالدان للاعتذار أو التوضيح لكل سلوك مزعج يقوم به الطفل.
هذا ما تعلمته كأم
كأم لطفل مختلف، مصاب بطيف التوحد، توقفت عن عملي المهني كطبيبة أسنان للتفرغ لرعايته منذ 10 سنوات، عانيت للتوفيق بين البيت واحتياجات ابني أثناء محاولة استبدال العمل المهني بالدراسة الأكاديمية، والتي انتهت بالتوقف للتفرغ التام لرعاية ثلاثة أطفال، مررت خلال تلك السنوات بنوبات اكتئاب شديدة، فأنا لا أملك الحق في الراحة إذا مرضت، عليّ الانتباه معظم الوقت ألا تحدث أي مشكلة من ابني أو إيذاء نفسه، لذلك أذهب لطبيبي النفسي بشكل دوري، أحاول أيضاً أن أجد وقتاً خاصاً بي ولو قليل.
من الأشياء التي أحدثت فارقاً كبيراً هو أني نجحت في الفصل بين نجاح ابني وتقدمه الدراسي وتقييمي لنفسي، وأن نجاحه أو فشله لا يقلل من مجهودي. حاولت أيضاً أن أخصص وقتاً أقضيه مع كلٍّ من أبنائي على حدة. ساعدَني هذا كثيراً في تجاوز إحساس الذنب تجاههم.
يسأل كثير من المقربين: "كيف أساعد أسرة لديها طفل مختلف؟".
١- كن منفتحاً
على سبيل المثال ادع أصدقاءك وأبناءهم لحفلة أو لتجمع، وتعامل مع طفلهم بشكل طبيعي دون إظهار إحساس الشفقة أو العطف؛ لأن تلك الأسر لا تحتمل ذلك الشعور. علّم أبناءك أن هناك أطفالاً كثيرين مختلفون وأن عليهم مساعدتهم وتقبلهم كجزء من المجتمع.
٢- لا تطلق أحكاماً
من الصعب أن تكون أباً أو أماً، لكن من الأصعب أن تكون أباً أو أماً لطفل يعاني من التوحد! لذلك لا تطلق أحكاماً تجاه هؤلاء الآباء بأنهم لا يستطيعون السيطرة على أبنائهم.
بعض الناس يظن أن أطفال طيف التوحد من الدرجة المتوسطة والخفيفة، أطفال مدللون ولم يتلقوا التربية الجيدة، لكن هذه فكرة خاطئة تماماً.
٣- اعرف قليلاً عن التوحد
هناك كثير من الأفكار الخاطئة الشائعة عن التوحد، بعض الناس كل فكرتهم عنه من الأفلام والمسلسلات التي تظهر شخص التوحد على أنه ذكي جداً لكن لديه مشكلة في التواصل الاجتماعي، فيبدأ بعض المعلمين في التعامل مع أطفال التوحد على أنهم عباقرة ويتوقعون منهم درجات عالية وما إن يحصل الطفل على علامة سيئة حتى يبدأوا في استدعاء الوالدين والتشكيك في التشخيص، وهذا ما حدث مع ابني في مادة الرياضيات من قبل.
وكذلك من الأفكار الخاطئة أن التوحد سببه إهمال الأم في الاعتناء بطفلها في طفولته الأولى، على الرغم من إثبات خطأ تلك المعلومة وأن التوحد سببه عوامل أخرى.
الأمر مشابه أيضاً في حالة ربط التطعيمات الإجبارية بالتوحد وأنها سبب في ارتفاع نسب التشخيص وهذا ثبت خطأه.
٤- كن مصدراً للثقة
احتفظ بأسرار الأصدقاء، وافتح لهم قلبك وحاول الخروج معهم وإخراجهم من الدائرة المغلقة، التي هي الذهاب إلى الجلسات العلاجية والأطباء والرعاية المنزلية، واحتفظ أيضاً بما رأيته من تصرفات أبنائهم فقد تكون سبباً في إيذاء آخرين بإفشاء أسرارهم الطبية.
٦- دافع عنهم
يواجَه بعض الآباء بوصمة العار تجاه أبنائهم الذين يعانون من ظروف صحية خاصة ولا توجد قوانين تشريعية كافية تحمي لهم حقوقهم. فدافع عنهم ضد التمييز.
بالفعل يحتاج الوالدان والطفل والأسرة كلها للمساعدة من الأصدقاء والأقرباء بالتخفيف عنهم، فلا تبخلوا عليهم بذلك. أو على الأقل، لا تكونوا عبئاً إضافياً فوق أعبائهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.