تردد اسم كريم بنزيمة بكثرة، في السنوات الأخيرة، وبشكلٍ غير معهودٍ بسبب تواجد نجم نادي ريال مدريد الإسباني في قلب حدثين مهمين، أحدهما رياضي محض، والآخر اجتماعي ذو طابع جنائي، ولكنه مؤثر على نفس الحدث الرياضي.
فقد طالب الادعاء الفرنسي، الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بسجن كريم بنزيمة، 10 أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 75 ألف يورو، وذلك في قضية ابتزاز زميله السابق بمنتخب فرنسا لكرة القدم، ماثيو فالبوينا، بفيديو جنسي. ومن المنتظر أن يصدر الحكم النهائي في القضية يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وحُوكم بنزيمة أمام محكمة "فرساي الجنائية" في قضية ابتزاز فالبوينا، إلى جانب أربعة متهمين آخرين: أكسيل أنغوت، مصطفى زواوي، يونس حواس وكريم زناتي.
وتعود القضية إلى عام 2015، عندما تعرض فالبوينا للابتزاز بشريط جنسي يظهر فيه اللاعب السابق لنادي مارسيليا رفقة صديقته.
وبحسب الادعاء، كشف بنزيمة لفالبوينا عن وجود الشريط في أكتوبر/تشرين الأول 2015، عندما كان اللاعبان في معسكر تحضيري لمباراة ودية للمنتخب الفرنسي مع نظيره الأرميني.
وقد اعترف بنزيمة حينها بتدخله في الموضوع بطلب من أحد المبتزين، ونصح زميله بدفع الأموال لتجنب الفضيحة.
وتسببت هذه القضية في استبعاد بنزيمة من المنتخب الفرنسي لكرة القدم في أواخر عام 2015، قبل عودته للمشاركة في نهائيات بطولة "يورو 2020" في الصيف الماضي، ثم قيادته "الديوك" للتتويج بلقب دوري الأمم الأوروبية في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
لا يمكنني الحكم في حقيقة تورط بنزيمة في هذه القضية وعن ما إذا كان ضحية لـ"حسن نيته" في مساعدة زميله فالبوينا، ولكن من المؤكد أنّ نجم منتخب فرنسا لم يكن ليتورط في "الجريمة" لولا أصدقاء السوء الذين عاشرهم كريم في طفولته الصعبة والمليئة بالتناقضات.
طفولة كريم بنزيمة
وُلد كريم بنزيمة يوم 19 ديسمبر /كانون الأول بمدينة ليون الفرنسية من أبوين جزائريين، والده من مدينة بجاية بمنطقة القبائل، ووالدته من مدينة وهران غرب الجزائر، وهو الابن السابع في العنقود، إذ لديه 5 أخوات و3 إخوة.
وعاش بنزيمة طفولة صعبة في حي "برون" بمدينة ليون والمعروف بتوتراته الاجتماعية وكثرة عصاباته الإجرامية، ما جعل "الطفل" كريم، يدخل رغماً عنه هذا العالم السُّفلي وجعله يتورط في عملية سرقة وهو لم يتعدى بعد الـ7 سنوات من عمره.
ولم تمر هذه الحادثة دون أن تُطلق جرس الإنذار لوالده حفيظ، فقام بتسجيل ابنه في مدرسة داخلية حتى يُبعده عن أصدقاء السوء. وهي مدرسة كاثوليكية تدعى "سان لويس – سان برونو" على الرغم من أن العائلة تدين بدين الإسلام.
لكن كريم بنزيمة عانى في تلك المدرسة من العنصرية وحتى من "التنمر" بسبب أصوله الجزائرية وبدانته الظاهرة، فعاد إلى حيّه سيئ السُّمعة وسرعان ما فرض وجوده من خلال موهبته في رياضة كرة القدم، فانضم لنادي "برون تيرايون"، في عمر الثماني سنوات، ثم لفت انتباه كشافي نادي ليون خلال مباراة جمعت الفريقين، لما كان في عمره 9 سنوات، ليلتحق بذلك بالمركز التكويني للنادي الفرنسي الكبير.
كرة القدم أبعدته عن المحيط الإجرامي
وأكد بنزيمة موهبته وحسّه التهديفي المميز ضمن الفئات الشابة لنادي ليون، حتى أنه سجل 38 هدفاً في موسمٍ واحد من فريق أقل من 16 عاماً، ثم سجل 12 هدفاً في 14 مباراة مع فريق أقل من 18 سنة، في بداية موسم 2004-2005، ما جلب اهتمام مدرب الفريق الأول، بول لوغين الذي أقحمه في أول مباراة رسمية له في الدوري الفرنسي، يوم 15 يناير/كانون الثاني 2005، أمام نادي ميتز، حيث كان يبلغ حينها 17 عاماً و27 يوماً.
وخاض كريم بعد هذا اللقاء 5 مباريات رسمية أخرى مع الفريق الأول لليون، حتى اختتام الموسم الذي انتهى بإمضائه لأول عقد احترافي، قبل أن ينضم لنادي ريال مدريد الإسباني في يوليو/تموز 2009 في صفقة بلغت قيمتها الإجمالية نحو 41 مليون يورو.
وعلى الرغم من ابتعاده بفضل رياضة كرة القدم عن المحيط المتعفن لحي "برون" بمدينة ليون، الذي وُلد ونشأ فيه، إلا أن كريم بنزيمة بقي على اتصال ببعض أصدقاء الطفولة الذين تحول البعض منهم لمجرمين وحتى قادة عصابات، ومن بينهم كريم زناتي الذي طلب منه الاتصال بماثيو فالبوينا لإخباره بوجود شريط جنسي يخصّه.
ما مدى تأثير قضية فالبوينا في حظوظ كريم لنيل الكرة الذهبية؟
عودة الحديث عن هذه القضية ومداولتها بمحكمة فرساي بالعاصمة الفرنسية باريس، تزامن مع التألق اللافت لكريم بنزيمة رفقة فريقه ريال مدريد الإسباني ومنتخب فرنسا لكرة القدم، ما جعله ضمن أبرز المرشحين لنيل جائزة "الكرة الذهبية" لعام 2021، التي تمنحها سنوياً مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية لأفضل لاعب في العالم.
تزامُن هذين الحدثين، إذاً، دفع ببعض المتابعين والنقاد الرياضيين للتساؤل عن مدى التأثير السلبي للقضية الجنائية في حظوظ بنزيمة في نيل الكرة الذهبية التي طالما حلم بها منذ صباه.
وحسب رأيي فإنّ قضية فالبونيا لن تؤثر على نتائج "بالون دور" لأفضل لاعب في العالم، وحتى ما إذا كان هنالك تأثير فإنه سيكون ضئيلاً جداً، بحكم أن عملية التصويت التي شارك فيها 180 صحفياً من مختلف دول العالم، قد انتهت يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول، وأن معظم المُصوّتين كانوا قد عبّروا عن أصواتهم قبل قرار المدعي الفرنسي الصادر يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول، وأن الحكم النهائي في القضية سيتم الإعلان عنه رسمياً يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل 5 أيام من موعد الكشف عن اسم الفائز بجائزة "الكرة الذهبية"، المقرر يوم 28 من نفس الشهر.
وأنا بصدد الانتهاء من كتابة المقال، بلغني مثلما يكون قد بلغك أنت أيضاً عزيزي القارئ خبر تسريب المُتوّج بالجائزة الثمينة، ويتعلق الأمر بالبولندي روبيرت ليفاندوفسكي، مهاجم نادي بايرن ميونيخ الألماني، متفوقاً على كلٍّ من الأرجنتيني ليونيل ميسي نجم نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، وكريم بنزيمة هداف نادي ريال مدريد الإسباني.. لكنّنا سننتظر الموعد الرسمي لمعرفة الحقيقة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.