استيقظ السودانيون، فجر الإثنين، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على أخبار اعتقال أربعة وزراء في الحكومة المدنية الانتقالية التي يرأسها رئيس الوزراء عبد الله محمد حمدوك، بجانب أنباء عن وضع حمدوك نفسه في الإقامة الجبرية بمنزله.
توالت الأخبار بعد شروق شمس الإثنين باعتقال قيادات مدنية أخرى في الحكومة وتجمع المهنيين السودانيين، وأُخذ حمدوك إلى مكان مجهول، بعد رفضه إصدار بيان موالٍ للعسكر، قادة الانقلاب.
المدهش في الأمر أنه جاء في نفس اليوم الذي اختتمت فيه اجتماعات لمبعوثين أجانب مع أطراف النزاع السياسي في السودان، والمتمثلين في قيادات تحالف الحرية والتغيير داخل وخارج التشكيلة الحكومية الحالية، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، والقادة العسكريين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان (حميدتي) وشمس الدين كباشي، بجانب قادة حركات مسلحة من إقليم دارفور يشاركون في الحكومة الحالية ويخالفونها في نفس الوقت، مثل وزير المالية جبريل إبراهيم، وحاكم إقليم دارفور منّي أركو مناوي. وكان آخر الاجتماعات للمبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان مع عبد الله حمدوك بعد لقاءات له مع كافة أطراف الأزمة.
الأزمة السياسية الحالية تعتبر امتداداً لحالة انعدام الثقة بين المدنيين والعسكريين، وهما طرفان اضطرا للعمل معاً في شراكة بعد حادثة فض الاعتصام الشهيرة، مطلع شهر يونيو/حزيران 2019. واستمرت الشراكة في شد وجذب إلى أن اقترب موعد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لتبدأ المماحكات واختلاق الأزمات من طرف المكون العسكري الذي يقوده البرهان.
واشتعلت الأزمة المفتعلة بعد محاولة انقلابية فاشلة، الشهر الماضي، ليخرج البرهان ويتحدث منتقداً عضو مجلس السيادة، محمد الفكي، لنشره تغريدة صباح المحاولة الانقلابية تدعو الشعب للخروج وحماية الثورة، ليرد الفكي في مقابلة تلفزيونية بعدها بيوم بعنف على البرهان قائلاً إن "المشاركة في الحكومة الحالية مع العسكر تعتبر خصماً من رصيده السياسي كمناضل ضد الشمولية، هو ورفاقه من المدنيين".
تطورت الأزمة بعدها ليعلن البرهان رفضه الجلوس مع الفكي، ودعوته لإخراجه من مجلس السيادة، لتسوء الأمور لحد المطالبة بحل الحكومة. ودخل على الخط قادة حركات مسلحة دخلوا في الحكومة الانتقالية مثل وزير المالية جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة ذات الخلفية الإسلامية، ورئيس (إحدى حركات) تحرير السودان المتعددة منّي أركو مناوي، المعروف بتقلّب مواقفه وانشقاقاته المتكررة، حيث رتّب الموالون لهؤلاء وللعسكر مسرحية اعتصام أمام القصر الجمهوري في السادس عشر من الشهر الجاري، تطالب بحلّ الحكومة الانتقالية وتوسيع قاعدة المشاركة فيها، بزعم أن أربعة أحزاب فقط تسيطر على هذه الحكومة، متجاهلين حقيقة أنهم يحظون بمناصب رفيعة في الحكومة نفسها.
كانت مسرحية الاعتصام مقدمة لحلّ الحكومة وإعلان حالة الطوارئ، وقد أدّى خروج الجماهير الهادر في ذكرى 21 أكتوبر/تشرين الأول التي تصادف الذكرى السنوية لثورة أكتوبر 1964 التي أطاحت بأول نظام عسكري في السودان – الى معرفة الوزن السياسي للأطراف المتنازعة، ورغبة الشعب السوداني في حكم مدني ديمقراطي والتخلص من حكم العسكر بلا رجعة رغم اختلاف الشعب مع طريقة أداء الحكومة المدنية الحالية.
وهو ما عجّل بخطط ثنائي البرهان – حميدتي الانقلابية. إذاعة البيان الانقلابي الذي لا يختلف كثيراً عن كل بيانات الانقلابات في بقية أنحاء العالم؛ حيث يخرج العسكر ببيان يعلن حل الحكومة وإعلان حالة الطوارئ والتحضير لانتخابات حرة نزيهة لن تقوم أبداً إلا بعد انتزاع الطاغية.
الأمر الجيد، إذا كان هناك أمر جيد في الوضع الحالي، هو وعي الشعب بمطامع الثنائي في السيطرة على الحكم وخروج الجماهير في جموع هادرة رافضة للانقلاب والحكم العسكري منذ صباح الإثنين. وما تزال شوارع الخرطوم وعدد من مدن السودان وأرياف السودان مكتظة بالمحتجين وفي حالة كر وفر مع قوات حميدتي التي تنتشر في شوارع الخرطوم الرئيسية. وقد كان الضغط الشعبي الداخلي مصحوباً برفض عالمي واسع للانقلاب، في يونيو/حزيران 2019 إلى كبح جماح العسكريين وإرغامهم على العودة عن الانقلاب بعد مجزرة فض الاعتصام الشهيرة، والعودة للتفاوض مع المدنيين.
لكن الجماهير التي خرجت هذه المرة لن تقبل بأقل من التخلص من العسكر نهائياً ومحاكمة المتورطين في مجزرة فض الاعتصام وإعادة الحكم للمكون المدني. خاصة بعد التآمر المتكرر والواضح من البرهان وحميدتي والمجموعة المتحالفة معهما من عسكريين وقادة حركات وبقايا إسلاميين وأصحاب مصالح نزعت منهم لجنة إزالة التمكين ممتلكاتهم ومناصبهم التي حصلوا عليها خلال حكم البشير القابع في السجن. وواضح لجميع المراقبين التحالف المؤقت بين هؤلاء وبين البرهان لقلب الطاولة على المدنيين بمنطق شمشون (عليّ وعلى أعدائي). مع علمهم التام بأن من غدر بمن جاء به إلى الحكم لن يتوانى عن التخلص من حلفائه في أقرب فرصة سانحة. ولهم في الرئيسين السابقين جعفر نميري وعمر البشير "قدوة سيئة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.