هل أنت درويش؟ عن الظاهرة التي تتكاثر بشكل مرعب

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/24 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/24 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش

كل ما يحدث حولنا يدفعك دفعاً لتكون درويشاً، صدقني ليس لديك رفاهية الاختيار، يحصرونك في زاوية الحجرة ويطلبون منك الاختيار إما أن تصبح شكلنا تماماً وإما أن تُنبَذ وحيداً غير مرضي عنك.

وبالمناسبة الدروايش لا يطردون أحداً بالشكل المألوف للطرد وإنما يضعون حذاءك على باب التكية متجهاً للخارج وعليك أن تفهم الرسالة أنه لم يعد مرحباً بك هنا!

في تكية الدراويش ستجد الدفء والرفقة، في تكية الدراويش ستعرف طعم الانتماء في تكية الدراويش ستجد تعزيزاً لأفكارك وتأييداً لمواقفك يريح ضميرك وعقلك إلى حد الخدر.. في تكية الدراويش ستصير أقل غربة وأقل تفرداً.

أما بالنسبة للعالم في عقل الدرويش فهو عبارة عن نصفين؛ النصف الأول في جدران التكية حيث يجتمع من يشبهونه، والنصف الثاني ما هو خارج حدود هذه التكية!

للأسف الدروايش الآن في العالم كثر، يكفي أن تأخذ جولة سريعة في صفحة تواصلك الاجتماعي، لترى الدراويش بكل أطيافهم، دراويش الدين والسياسة والكرة والأدب والفكر والفن وأي شيء آخر احتمل الاختلاف.

وأعني بالدرويش كل منغمس في أمر بحيث لم يعد يرى سواه أو لم يعد يرى الأشياء الأخرى إلا من خلاله فهو درويش. 

وكل من أحب وكره وناصر وعادى على هوى غيره فهو درويش، وقديماً قال رجل من قوم مسيلمة الكذاب له أشهد أنك الكاذب وأن محمداً صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر فقد نصروه على علمهم بكذبه، لأنه من قومهم وابن تكيتهم. 

وكل من أعطاه الله شمعة يستضيء بها فأطفأها ومشى في الظلام أو حتى مشى على هدي شمعة غيره فهو درويش، وكل منشغل في شيء حد الإفراط وتجاوز الحد فهو درويش. 

وكل متفق طوال الوقت مع مجموع ومختلف طوال الوقت مع آخر مهما فعلوا فهو درويش، ودوام الاتفاق كما يقول الشيخ الشعراوي من النفاق، ودوام الاختلاف من الاعتساف.

أعرف "درويشاً" كاد أن يقطع صلته ببعض رحمه، لأن وجوههم كانت سيئة الحظ على ناديه المفضل، وكلما زاروه انهزم بعدها فريقه الكروي المقدس، وانظر مولد الدراويش الأكبر المنعقد بعد كل مباراة كرة هامة وأنت تفهم قصدي.

بالمناسبة، الدرويش هو رجل طيب ومسالم ووديع، لكن هذا فيما هو بعيد عن دائرة معتقداته، أما إذا تهورت وتسورت عليه تكيته المقدسة، سلط عليك بلا رحمة السباع التي تحرسها وقذفك بلا تردد في أتون النار التي تحمي حدودها.. لكن ثانية، فيما عدا ذلك فهو وديع وجميل وطيوب وحبوب.

لا بد قبل أن تتجرأ على اقتحام دائرة الدرويش المقدسة أن تعرف أنه يرى العالم ويحكم عليه من ثقب في جدار تكيته، ولا يناقش إلا من وراء هذا الجدار، لذا أرح نفسك من مناقشته بالعقل فحجج الدنيا جميعاً لن تزحزحه قيد أنملة عن موضعه، هو جامد جمود الموتى فيما يتعلق بما هو مؤمن به.

شاهد شهادات المتورطين في مذابح التوتسي والهوتو في رواندا، أحدهم يقول قتلت بيدي في أسبوع واحد أكثر من عشرة من جيراني من التوتسي بينهم طفلة، بالرغم من أن العلاقة معهم كانت رائعة وودية قبل الحرب الأهلية.. كل ذلك لماذا؟ لأنهم لا ينتمون إلى حيث ينتمي هو.

للأسف يا عزيزي فإن الدراويش يتكاثرون بشكل مرعب، ويحاصرون المخالفين بقسوة وتكياتهم تزداد يوماً بعد يوم ويكثر الأتباع ويبدو أن الأمر معدٍ حتى أخشى أن أقول إن الدرويش يسكنك ويسكنني شئنا ذلك أم أبينا أدركنا ذلك أم جهلنا!

في هرم الاحتياجات البشرية الذي وضعه العالم ماسلو تأتي حاجة الإنسان الغريزية للانتماء في المستوى الثالث، أو بعبارة أخرى في وسط الهرم تماماً، وكأنها تماثل القلب من احتياجات البشر الفطرية، حاجتنا جميعاً لأن نصبح قطرة في بحر أكبر أو لبنة في جدار أكبر، هذا يجعلنا عرضة لنصبح دراويش محتملين لأكثر من تكية، لذا فدخولها سهل جداً ومحبب للنفس جداً، أما الأمر الصعب فهو الخروج من دائرة انتماء أو إحدى تكايا الدروشة تلك، بل هو من أصعب الأشياء في الكون.

إنها مهمة تشبه محاولة طائرة الخروج من مدار جاذبية الأرض إلى فضاء حر..

إنه مخاض صعب تقطع فيه آلاف الحبال الفولاذية اللامرئية تشدك شداً إلى الوراء.

الدين في أصله جاء لتحريرنا من أسر التكايا ودوائر الانتماء غير الواعية تلك، والسباحة ضد تيار المألوف والموروث للتحليق في السماوات الحرة ثم إعادة تشكيل دوائر انتماء كل أحد لكن بعقلانية ووعي.

هل هذا سهل؟

لا والله أبداً.. لكن كما يقال؛ "إن كنت تطلب اللؤلؤ، عليك بالغوص في عمق البحر فما على الشاطئ غير الزبد". 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أيمن السكري
كاتب ومهتم بعلوم الإدارة والاجتماع
استشاري تقنية المعلومات وحاصل على دكتوراه في إدارة الأعمال، ومهتم بعلوم الإدارة والاجتماع وتقنية المعلومات.
تحميل المزيد