تحت أزيز الرصاص وانفجار الصواريخ في لبنان، تحت انهيار الوضع الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، تحت تحوُّل الحياة إلى جحيم، تحت انتقال أفواج من اللبنانيين كل يوم إلى تحت تحت تحت خط الفقر، وانتقال الفقراء إلى رتبة أحياء بالتنفس فقط، تحت انهيار الليرة، تحت انفجار مرفأ بيروت، وانفجار آخر في عكار، تحت خطابات السياسيين، وشدّ أوتار الطائفية والمذهبية والألعاب التي تنتهي على هذه الأوتار، تحت آلاف من الأثقال التي تنهك المواطن اللبناني، يقف ذلك المواطن الهزيل كأنه يحمل الأثقال التي حملها أطلس في الميثولوجيا الإغريقية، لكن المفارقة أن أطلس كان يعتقده الإغريق من الآلهة، أما اللبنانيون فهم بشر.
بضع سنوات تحت حكم السياسيين في لبنان، تكدست فيها ثرواتهم الشخصية، دون رقيب أو حسيب، وأصبح أبناؤهم يتنعمون بنعيم السرقات التي سلبت من أمام الشعب، كانت كفيلة بتحويل لبنان من سويسرا الشرق إلى زيمبابوي الشمال، من بلد البحبوحة الاقتصادية إلى بلد الفساد.
فئات اللّبنانيّين
في لبنان اليوم ثلاث طبقات اجتماعية، لكن الطبقات في لبنان تختلف عن الطبقات في أي بلد آخر، اللهمَّ إلا فنزويلا، فهي طبقات ترتبط بالدولار، الفئة الأولى وهي الفئة التي تملك دولاراً وثروتها ترتبط بالدولار، هم أقلية نسبة إلى الشعب، لكنهم يعيشون في أوضاع اجتماعية واقتصادية نقيض للواقع الحقيقي للشعب.
الفئة الثانية وهي التي لديها ارتباط بتداول الدولار، كأن يحصلوا على أموال من المغتربين، أو من خلال تجارتهم وأعمالهم، يستطيعون أن يسبحوا في بحر أمواج ارتفاع الدولار، بمعنى أنهم صامدون فقط، ولم ينزلقوا إلى بئر الفقر.
والفئة الثالثة وهي فئة الأكثرية، فئة المهمشين، فئة الذين لا صوت لهم، هم أكثرية عددية، لكنهم أقلية في التعبير وفي إيصال صوتهم، هم الفئة التي سُحلت تحت الدولار، هي الفئة التي لا تملك الدولار، ولا تتعامل بالدولار، هم الفقراء من قبل الأزمة، والتحق بهم مئات الآلاف، كسائقي السيارات العمومية، وموظفي الدولة بأعدادهم الضخمة، وغيرهم الكثير من الوظائف البعيدة عن التداول بالدولار بشكل مباشر.
هم فئة مع وصول أمواج ارتفاع الدولار وتهاوي الليرة اللبنانية، غرقوا بثقل وزن تعاملهم بالليرة اللبنانية، وكلما ارتفع سعر الصرف، غرقوا إلى الأعماق أكثر وأكثر، وهنا للتوضيح، استعمال تعبير الغرق قد يكون مجازياً، ولكنها أكثر كلمة يمكن وصف شعور هذه الفئة.
حياة موظف لبناني
تخيلوا معي شعور الأب لعائلة متوسطة من أربعة أبناء، كان معاشه الشهري 700 دولار، سابقاً حين كان سعر الصرف يبلغ 1500 ليرة لبنانية، واليوم أصبح 70 دولاراً وكان عليه إيجار منزل، طعام، إنترنت، كهرباء، غاز، مواصلات، بنزين، أقساط مدارس، أدوية، استشفاء، اتصالات، تدفئة، ماء، وكما تعلمون على الرغم من أن لبنان من أغنى الدول العربية بالمياه فإنه نتيجة الفساد لا يحصل اللبنانيون على مياه صالحة للشرب واصلة إلى بيوتهم إلا عبر شركات خاصة.
كل هذا وأكثر، من الأمور شبه المشتركة للّبنانيين، كانت تصل الفاتورة المتوسطة إلى 700 دولار واليوم لا يملك الموظف نفسه إلا 70 دولاراً منها، هذا والجزء الأكبر منهم ممكن أن يحصلوا على أقل من 50 دولاراً بالشهر، وهو لا يغطي من الفاتورة الشهرية شيئاً!
مهما حاولنا توصيف الوضع الإنساني هنا، ومحاولة تقريب الوضع ليلمسه القارئ، اعلموا أن الوضع أسوأ بأشواط، ونقف عاجزين عن التوصيف الكامل للحقيقة، لأن الأزمة أكبر بأشواط من القدرة على توصيفها، وتتشعب اجتماعياً واقتصادياً إلى زواريب تجعل من محاولة تقديمها للخارج شيئاً من المستحيل.
هنالك آلاف القصص والروايات التي نصادفها كل يوم، في الشارع، في المنازل، في العمل، عند كل مفترق، قصص تبدو كخيال، لأننا لم نتخيل يوماً أن يصبح واقعنا بهذه المرارة، ولكن نعم، نتحمل -نحن الشعب- الجزء الأكبر من واقعنا، لأننا بأصواتنا واقتراعنا وسكوتنا وتقديم حقوق الطوائف وأمراء الحرب على مصلحة وطننا، لأننا أخطأنا واعتقدنا أن المشكلة بالآخرين، والآخرون اعتقدوا أن المشكلة فينا، لكن الحقيقة تُلخَّص بقاعدة "من يزرع الريح يحصد العاصفة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.