عاد إلى ذهني، في الأسبوع الماضي، لقب "مورينيو إفريقيا"، الذي يُوصف به مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم، جمال بلماضي، عاد بمناسبة قضية "أندي ديلور"، التي شغلت الرأي العام الوطني طيلة الأيام التي سبقت مباراتي الجزائر والنيجر، ذهاباً وإياباً، في التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال قطر 2022.
تم إطلاق لقب "مورينيو إفريقيا" على المدرب الجزائري بلماضي خلال نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، التي جرت بمصر في صيف 2019، وذلك بسبب التصريحات الغريبة والجريئة التي كان يُطلقها خلال مؤتمراته الصحفية، قبل وبعد مباريات فريقه، على طريقة المدرب البرتغالي المثير للجدل.
ولكن ما لفت انتباهي في "الخرجات" الجديدة لبلماضي، ليس تصريحاته المثيرة الشبيهة من حيث شراستها بتلك التي تخرج من فم مورينيو من حين لآخر، ولكني انتبهت للظرف الحساس الذي جاءت فيه، أي قبل مباراتين شبه حاسمتين في مشوار المنتخب الجزائري نحو نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022.
كيف نجح بلماضي في استغلال "قضية أندي ديلور"؟
فقبل المواجهة المُزدوجة التي جمعت رفاق القائد رياض محرز مع النيجر، كان منتخب "محاربي الصحراء" يعيش في ضغطٍ كبيرٍ بسبب تضييعه، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، فوزاً في متناول اليد أمام منتخب بوركينافاسو بمدينة مراكش المغربية، في الجولة الثانية لدور المجموعات للتصفيات القارية، حيث اكتفى الفريق الجزائري بنتيجة التعادل (1-1) بعدما كان متقدماً في النتيجة، وكان قادراً على مضاعفتها في الكثير من المرات قبل تلقّي شباكه هدفاً مُباغتاً.
وكانت مواجهة بوركينافاسو ونتيجتها النهائية قد أدخلت نوعاً من الشك في نفوس لاعبي المنتخب الجزائري، وتزعزعت أركان الفريق بعد الانتقادات التي طالته من طرف عديد من الملاحظين والمحللين الرياضيين، وشريحة واسعة من الجماهير، وذلك قبل أن ينجح المدرب الوطني جمال بلماضي في إبعاد كل تلك الضغوط، مُحوّلاً أنظار كل النقاد والجماهير الجزائرية نحو قضية اللاعب أندي ديلور.
فقبل أسبوع من المباراة الأولى بين الجزائر والنيجر، التي جرت يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن بلماضي عن قائمة اللاعبين المدعوين للمعسكر التحضيري، التي خلت من اسم أندي ديلور، مهاجم نادي نيس الفرنسي، ما فتح الباب واسعاً أمام التأويلات والتكهنات حول سبب إبعاد "الغجري" من المنتخب الجزائري، وقد اعتبر العديد من المراقبين أنّ اللاعب قد تعرض للظلم من طرف المدرب الوطني، الذي يفضل عليه في مركز رأس الحربة الثنائي بغداد بونجاح وإسلام سليماني.
لكن كل التأويلات والاتهامات الموجهة لبلماضي توقفت تلقائياً بعد المفاجأة المدوية التي كشف عنها "الكوتش" جمال، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين أفاد بأنّ غياب أندي ديلور كان بسبب طلب الأخير إعفاءه من المنتخب الجزائري لمدة سنة واحدة، بهدف التفرغ لفرض نفسه بالتشكيلة الأساسية لنادي نيس، الذي انضم إليه في الميركاتو الصيفي الماضي.
واستعمل بلماضي عند الحديث عن هذه القضية كلمات قاسية ممزوجة بالسخرية تجاه أندي ديلور، كما اتهم المدرب الجزائري نادي نيس برغبته في عدم مشاركة لاعبيه الأفارقة في نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، المقررة بالكاميرون، في شهر يناير/كانون الثاني القادم.
وزاد ذلك في توسيع نطاق القضية، لتصبح الموضوع رقم واحد في الشارع الرياضي الجزائري، وأصبحت الأنظار كلها موجهة نحو جمال بلماضي، فتخلص بذلك رايس وهاب مبولحي وزملاؤه من ضغط الجماهير، ونجحوا في استعادة الثقة بالنفس، وثقة الأنصار، بتحقيق فوز عريض على منتخب النيجر في لقاء الذهاب (6-1)، يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول، بمدينة البليدة، ثم انتصار آخر يوم 12 من نفس الشهر في مباراة الإياب بديار الفريق المنافس برباعية نظيفة.
مورينيو متخصص في إبعاد الضغط عن لاعبيه
إبعاد اللاعبين عن الضغط أو تخفيفه عنهم وتحويل الأنظار نحو شخصه هي طريقة استعملها ولا يزال المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، ضمن مختلف الأندية التي أشرف عليها، وبالخصوص مع بورتو البرتغالي، وإنتر ميلان الإيطالي، وريال مدريد الإسباني، وتشيلسي الإنجليزي، بحيث كان يُدلي بتصريحات مثيرة للجدل، ويفتعل صراعات مع مدربي الفرق المنافسة على غرار الفرنسي آرسين فينغر (أرسنال الإنجليزي)، والإسبانيين رافا بينيتيز (ليفربول الإنجليزي)، وبيب غوارديولا (برشلونة الإسباني)، كما بلغ به الحد إلى الاعتداء على الراحل تيتو فينالوفا، بإدخال أصبعه بعين الإسباني الذي كان وقتها مدرباً مساعداً لغوارديولا، وذلك خلال شجار جماعي اندلع في اللحظات الأخيرة لمباراة الإياب لكأس السوبر الإسباني، التي خسرها الريال أمام البرسا (2-3) يوم 11 أغسطس/آب 2011، بملعب "كامب نو".
وقد انصب حديث الصحافة المدريدية عقب تلك المباراة على حادثة اعتداء مورينيو على فينالوفا، وتجاهلت أو تناست التركيز على خسارة ريال مدريد أمام الغريم التقليدي، فابتعد بذلك الضغط تلقائياً عن اللاعبين، ونجح الفريق في إنجاز موسم جيد أنهاه بانتصار على برشلونة في معقل الأخير "كامب نو" (2-1)، يوم 21 أبريل/نيسان 2012، ثم بالتتويج رسمياً بلقب الدوري الإسباني، يوم 3 مايو/أيار من نفس العام، بعدما غاب لقب الليغا عن خزائن النادي الملكي في ثلاثة مواسم متتالية.
ماذا قصد مدرب نيس بالحديث عن تهور بلماضي؟
وكما قلت من قبل، فقد انتقد بلماضي نادي نيس بالضغط على لاعبيه الأفارقة بعدم المشاركة في الدورة النهائية لكأس أمم إفريقيا القادمة، فلم يتأخر مدرب نيس، كريستوف غالتييه، بالرد عليه، من خلال تصريحات نقلتها صحيفة "ليكيب" الفرنسية، يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال غالتييه: "عرفت جمال بلماضي كلاعب كرة قدم شاب، كان مندفعاً ومتهوراً، وما زال كذلك".
ما الذي كان يقصده غالتييه بالقول إنّ بلماضي "كان لاعباً مندفعاً ومتهوراً"؟ أعتقد أنه كان يقصد عصبيته الكبيرة، التي نلخّصها في حادثتين مميزتين.
جرت الحادثة الأولى بملعب القاهرة الدولي، يوم 11 مارس/آذار 2001، في مباراة بين المنتخبين المصري والجزائري لحساب تصفيات مونديال 2002، التي انتهت بفوز الفراعنة بنتيجة 5 أهداف لهدفين، حيث لم يتقبل بلماضي تغييره في الدقيقة الـ81 من اللقاء بزميله يسعد بورحلي، فنزع قميصه ورماه على الأرض، قبل أن يلتقطه أحد أعضاء الجهاز الفني لمنتخب الجزائر.
ووقعت الحادثة الثانية يوم 17 مارس/آذار 2001، بعد نهاية مباراة مارسيليا وستراسبورغ (0-0) لحساب الدوري الفرنسي، حيث رمى بحذائه تجاه جماهير فريقه، التي كانت تعبّر من المدرجات عن سخطها تجاه أداء النادي.
قبل الانتهاء من كتابة المقال أشير أنّ الجزائر تحتل حالياً صدارة ترتيب مجموعتها في التصفيات بفارق الأهداف عن بوركينافاسو، وتنتظرها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، مباراة شكلية أمام جيبوتي بالعاصمة المصرية القاهرة، وأخرى حاسمة أمام المنتخب البوركيني بمدينة البليدة، حيث سيكفي تشكيلة المدرب جمال بلماضي نقطة التعادل للتأهل إلى الدور الفاصل لكسب بطاقة المشاركة في نهائيات مونديال قطر 2022.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.