قد يبدو غريباً على مسامعنا أن تنتشر تلك الحوادث المتكررة حول انتحار الأطفال حتى تحولت إلى ظاهرة عالمية، الأمر معروف لدى الكبار لما لديهم من هموم وآلام قد تدفعهم نحو هذا السلوك -وهو خاطئ- ولكن ما الذي يجعل طفلاً صغيراً يُقدم على الانتحار؟ بل كيف واتته الفكرة؟ كيف نفذها؟ ومن أين استلهم طريقة التنفيذ؟ والأهم من كل هذا وذاك هو الدافع وراء الإقدام على هذا السلوك المرعب، الذي مكنه من اتخاذ قرار قطعي بإنهاء حياته؟ أين الأهل من كل هذا وذاك؟! وكيف يحمون أطفالهم من خطر تلك الظاهرة المرعبة؟!
ما هو السلوك الانتحاري؟
هو عمل يهدف إلى إلحاق الضرر بالذات، وينطوي على مبادرات انتحارية، ومحاولات للانتحار، وانتحار تام، فيعد التفكير فيه بمثابة أفكار وخطط حول الانتحار، أما المحاولة فهي فعل ينطوي على إيذاء الذات، وقد يؤدى للوفاة بالفعل مثل الإقدام على الشنق والغرق.
اليابان "المتقدمة" حتى في نسبة انتحار الأطفال
عرفت اليابان بالتقدم والازدهار في شتى المجالات، وتعتبر من أكثر الدول اهتماماً ورعاية بالطفل صحياً وعلمياً، وتعد تجربتها هدفاً يسعى الجميع لتحقيقه، ولكن يبدو أن هذا الواقع له عقباته وتحدياته التي ألقت بظلالها المرعبة عليه، وهذا من أكبر الأسباب الظاهرة للعنف الممارس ضد الأطفال في اليابان ووضعهم تحت ضغوط نفسية وغيرها مما حرم الأطفال من التمتع بطفولتهم.
وقد أشارت التقارير مؤخراً إلى ارتفاع نسبة الانتحار بين أطفال اليابان بشكل غير مسبوق منذ 40 عاماً، حيث تم تسجيل 415 حالة انتحار بين الأطفال من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، مما يعادل زيادة 100 حالة عن العام السابق وهو أعلى معدل منذ عام 1974م، وهو مؤشر خطير لدولة تزداد بها الوفيات دون المواليد، مما يهدد وجودها البشري ومستقبلها الاقتصادي، وذلك طبقاً لصحيفة "أساهي" اليابانية.
أسباب انتحار الأطفال
بشكل عام، فإنه لا يوجد سبب موحد وراء هذا السلوك، ولكن هناك أسباب عُرفت إما من خلال رسالة تركها الضحايا قبل الوفاة، أو من الأصدقاء المقربين، أو من التقصي والتحريات الأمنية والصحفية، وإليكم جملة من الأسباب:
– التنمر يأتي في مقدمة الأسباب المؤدية لانتحار الأطفال.
– التغيير في المناخ المدرسي والأسري الذي اعتاده الأطفال قبل انتشار وباء كورونا، مما أثر على نفسية الأطفال وبالتالي على سلوكياتهم.
– الطبيعة التنافسية للمجتمع الياباني والمتغير والسريعة.
– القلق من المستقبل المهني نتيجة الضغط الدراسي.
– ارتفاع الخلافات العائلية بشكل متزايد جداً خاصة بعد وباء كورونا.
– التعرض للتوبيخ والإهانة من الوالدين وخاصة أمام الآخرين.
– إساءة المعاملة حد العقاب بالحرمان من الطعام والشراب.
– صعوبة طلب المساعدة والدعم بسبب طبيعة المجتمع الرافض للنقاش العلني فيما يتعلق بالأمراض النفسية والعقلية.
– الشعور باليأس والتوتر والإصابة بأمراض عقلية أو نفسية مثل الاكتئاب والإحباط.
– العقاب الجسدي والعنف بالمنزل والمدرسة، مشاكل مع المعلمين، ضعف المستوى الأكاديمي.
– مشاكل مع الجنس الآخر لا تتعلق بالتنمر.
– تجنب الشعور بالخزي والعار أحياناً.
من اليابان إلى أم الدنيا
تأتى ظاهرة الانتحار بين الأطفال في مصر أيضاً كواقع غريب ومخيف على المجتمع المصري كونه مجتمعاً شرقياً يتميز بروح الأسرة والودية، ولكن يبدو أن تغييراً طرأ على المجتمع المصري من ضغوط اقتصادية وأسرية ليحدث فجوة بين الأطفال والآباء، إضافة إلى الانفتاح غير المشروط وعرض كل ما هو غربي وغريب مما لا يتناسب مع عادات وقيم المجتمع المصري، ليقف أمامنا جيل جديد من الأطفال بسلوكيات مستوردة ومخيفة.
أسباب انتحار الأطفال في مصر والمجتمع العربي
تعتبر الأسباب المفضية إلى الانتحار بين أطفال اليابان هي نفسها في مصر، وقد نقيس ذلك على الوطن العربي، ولكن مع اختلافات طفيفة تعود إلى الطبيعة الخاصة بكل مجتمع منهما، وهي كالتالي:
– يأتي على رأس الأسباب الخوف من شبح الكلية العليا والمجموع الكبير.
– التنمر الذي يتعرضون له طوال الوقت من الآخرين خاصةً المقربين.
– الخوف من المستقبل ومن الرسوب في الامتحانات.
– الضغوط النفسية والاقتصادية التي يتعرضون لها.
– الواقع الملبد بالغيوم وتأثير المتغيرات السياسية المجتمعية على نفسية الأطفال وتأثرهم بالعنف السياسي المشهود في الواقع والإعلام.
– الإعاقات والأمراض المزمنة واليأس من الشفاء وعدم القدرة على تحمل نفقات العلاج.
– السياسات التعليمية الخاطئة التي تعتمد على الحفظ والتلقين ما يؤدى إلى صعوبة المناهج الدراسية.
– الأساليب التربوية الخاطئة كالعقاب الشديد والتعنيف أمام الآخرين.
– عدم القدرة على تحمل النقد والشعور باليأس الشديد.
– التعرض للاستغلال الجنسي والتحرش وأثره على نفسيتهم.
– خطورة المضمون الإعلامي المقدم دون رقابة مجتمعية أو أسرية، وقد انتقد الدكتور هشام جمال أستاذ الإعلام المرئي بجامعة القاهرة المضامين الإعلامية المصرية الموجودة على الساحة المصرية حيث قال إن الطفل أصبح فريسة سهلة لإعلام يطرح قيماً لا تتفق مع معاييرنا الشرقية.
– عمالة الأطفال وعدم قدرة الأسرة على توفير احتياجاتهم المادية.
كيف يقدم الطفل على الانتحار؟
يعتبر الشنق هو أشهر الطرق المستخدمة في تلك العملية، ويستلهم الأطفال تلك الفكرة بشكل كبير من التلفاز ومواقع التواصل، والأفلام والمسلسلات، فبرأيي 90% من الحل يكمن في إحكام الاهتمام بما يشاهده الطفل، وتجنيبه أياً من تلك التي تحوي محتوى عنيفاً.
دور الأسرة في حماية أطفالها من الانتحار
– الاهتمام بالحالة النفسية للطفل والمبادرة بالعلاج في حالة ظهور أي بوادر اكتئاب أو انعزال أو تردد على لسانه عبارات تشير إلى الانتحار، ومن الخطورة تجاهل ذلك الأمر. ويجب على الفور احتواء الطفل والمتابعة مع طبيب نفسي متخصص.
– الاهتمام بالوازع الديني والتفكير المنطقي في التعامل معهم خاصة في مرحلة المراهقة كي تمر بسلام ودون صدام بأكبر قدر ممكن.
– محاولة اكتشاف موهبة الطفل وتوجيهه لتنميتها وإشباع شغفه ووقت فراغه بها.
– العقاب للطفل يكون بحكمة دون قسوة وعلى قدر الخطأ وليس الغضب.
– إعطاء الطفل الفرصة دائماً للتعبير عن رأيه بحرية والتحاور معه.
– وضع قواعد ثابتة لاستخدام الكمبيوتر والهاتف المحمول والذي يزيد من قدرتهم الذهنية بعيداً عن أضراره، ويمكن التغلب على تلك المشكلات الناتجة عن سوء استخدامهما بقواعد متفق عليها مع الطفل.
– احترام رغبة الطفل وعدم الضغط عليه أو استخدام العنف معه.
– حب الطفل دون قيد أو شرط وتشجيعه ودعمه.
– تقبل ما يبذله الطفل من جهد في الدراسة وتقبل النتائج مهما كانت والثناء عليه وتعزيز جهوده.
– اختيار البرامج والقنوات التي يشاهدها الطفل وحظر غير المرغوبة منها.
– الرقابة الجيدة في المنزل على الأدوات التي قد تُستخدم للانتحار، مثل الأسلحة النارية والحادة والمواد الكيميائية والجرعات الزائدة من الحبوب والحبال وغيرها من المواد، وإبقاؤها بعيدةً عن متناول الأطفال، ومحفوظةً في أماكنها المخصصة للاستعمال.
وفي النهاية، يعتبر الحب غير المشروط هو الداعم الأساسي والهدف الأسمى لصحة نفسية سليمة للطفل، فلا تضعوا إطارات وقوالب جامدة تحول بينكم وبينهم وتفضي إلى نتائج لا تحمد عقباها، وليكن شعاركم "أحبك كما أنت"، ودمتم سالمين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.