تعد كلمة "الجنس" وما يتعلق بها مثل "الثقافة الجنسية" أكثر الكلمات خطورة داخل مجتمعاتنا العربية، تلك الكلمة التي إذا نطق بها أحدنا، سرعان ما تتسارع مشاهد مختلفة في أذهان كل من يسمعها، وكل واحد فينا يرى هذه المشاهد من منظوره هو، لكن أكثر ما يثير انتباهي في اللحظة التي يتم فيها ذكر كلمة الجنس أياً كان الموضوع الذي ستتم مناقشته، أني أرى الأعين تتوه في الآفاق والبعض يتهامس وآخرين يبتسمون، ثم تبدأ سلسلة من الاتهامات.
فالجنس دائماً منطقة مُحرمة، لا يدور الحديث عنه إلّا همساً داخل الغرف المغلقة، ويتعامل معها الجميع داخل مجتمعنا العربي باعتبارها أسراراً ممنوع الاقتراب أو الكشف عن مستورها أو البحث فيها؛ لذلك تراكمت الموروثات الشعبية، وفتاوى من يعلمون ولا يعلمون، حول حدود الحديث عن الجنس وما يجب وما لا يجب.
لم يسعَ أحدٌ- إلا محاولات محدودة- للحديث عن الثقافة الجنسية خوفاً من الاتهام بالخلاعة، وخدش الحياء، والتدخل في الخصوصيات، وهتك حرمات البيوت، إلى آخر هذه القائمة التي تعوّدنا سردها حتى لا ننظر إلى حقيقة أنفسنا في المرآة.
الثقافة الجنسية.. عيب؟
أتذكر في مراهقتي عند بداية تعلقي بالقراءة أنني كنت أبحث عن الكتب في كل مكان، وذات يوم وبينما كنت أتمشى أنا وأصدقائي، وجدنا بائعاً للكتب على أحد الأرصفة فوقفنا ننظر إلى أغلفة الكتب وأسمائها، كانت ألوان الكتب مُبهجة وكأنها تزين الرصيف إلى أن وقعت أعيننا على مجموعة كتب تحمل عناوين جنسية مثل (ما لا تعرفه عن ليلة الدخلة.. متعة الفراش.. للجنس فوائد عديدة).
وبدأت أنا وأصدقائي نتخيل ما الذي تحمله هذه الصفحات، بدأ كل واحد فينا يتكلم عن الجنس ووصفه من وجهة نظره المحدودة، لم أنم ليلتها وكنت أفكر لماذا أخاف اقتناء كتاب مثل هذا؟ كنت أخجل من شرائه ولا أعلم حينها لماذا كنت أخشى ذلك، ربما كنت أخاف أن يراني أحد وأنا أقرأ كتاباً عن الثقافة الجنسية حتى لا يتهمني بالفجور.
في ذلك التوقيت لم تكن خدمة الإنترنت متاحة كما هي في زماننا الآن، وكعادة كل مراهق رُحت أبحث عن الجنس من خلال جلسات الأصدقاء. عندما نكون مراهقين يصبح خيالنا خصباً لدرجة تجعل أي فكرة سهلاً إنباتها بسهولة مهما كانت غير صحيحة.
كبرنا ونحن لا نعرف عن الثقافة الجنسية غير المغلوط منها خوفاً من مواجهة الآخرين بأحقية تعلم الجنس في صورته الصحيحة، وأنه لا يجوز مناقشة المشاكل الجنسية في المدارس، ومصادرة الروايات التي تتحدث عن الجنس، وكأن من يقف ضد الثقافة الجنسية نسي كتب التراث، وكتب الفقه والحديث، التي تناولت هذه الأمور بشجاعة دون مصادرة من أحد.
الثقافة الجنسية.. ضرورة؟
خلال الثورة التكنولوجية التي نعيشها الآن أصبح كل شيء في متناول الأيدي بمجرد الضغط على زر صغير لينفتح أمام عينيك عالم مليء بالمعلومات والأفكار التي تتحدث عن هذا الأمر، لكن كيف سيعرف من يبحث هل هذه المعلومات صحيحة أم مغلوطة؟ لذا علينا أن نتعلم الثقافة الجنسية من خلال وضعها في المناهج الدراسية لكل مرحلة عمرية يصلح لها تعلم الجنس في صورته الصحيحة.
تشير الدراسات إلى أن أحد أهم أسباب زيادة معدلات الطلاق خلال السنة الأولى بين المتزوجين الشباب غالباً ما يكون المشاكل الجنسية بين الزوجين، وهذه المشاكل ناتجة عن عدم الوعي الجنسي الكافي بين الزوجين قبل الزواج؛ حيث يعتقد كل طرف أنه سيحقق ما يعرفه عن الجنس خلال العلاقة الزوجية، والذي هو حصيلة ثقافة جنسية مغلوطة من جلسات الأصدقاء ومشاهدة المواقع الإباحية، والتي تجعل كل طرف يخشى محادثة شريكه حول العلاقة وكيفية الحصول على المتعة الجنسية وفقاً للإطار الشرعي الذي وضعه الله لنا في هذا الأمر.
ويشعر كل طرف أن الآخر مُقصّر في حقه، ولا يرغب في التواصل الجنسي معه، رغم أن كلاً من الزوجين يحاول جاهداً الوصول لحل لكن دون مشاركة الطرف الآخر، وهذا يرجع إلى عدم الثقافة الجنسية والوعي الجنسي الكافي الذي يؤهلهما لاستمرار الحياة الزوجية، ومن هنا تتفاقم المشاكل.
يقول نزار قباني في قصيدته "الخرافة":
حين كنا.. في الكتاتيب صغاراً
حقنونا.. بسخيف القول ليلاً ونهاراً
صوّروا الجنس لنا
غولاً.. بأنياب كبيرة
يخنق الأطفال
يقتات العذارى
وأخيراً الجنس احتياج خلقه الله لنا، لكن في إطار معين وتحت ظروف معينة، لم يكن يوماً غولاً كما توارثنا هذا للأسف، ولم يكن منطقة محرمة وإنما منطقة لديها شروط كي ندخلها ونتعرف عليها؛ لذا علينا أن نتعلم جيداً شروط وضوابط هذه المنطقة وهذه المعرفة.
فضلاً عن فوائد الثقافة الجنسية للصحة النفسية والجسدية؛ إذ إن الوعي به لا غنى عنه، لأنه احتياج إنساني أصيل، مثله مثل الطعام والشراب، وهو ضرورة للحفاظ على النوع وقيام المجتمع، كما أنه هو الذروة التي بها لن تكتمل علاقة الحب إلا به، فهل هناك حب دون رغبة؟ وهل تشبع الرغبة دون أن يحدث اللقاء؟
في هذا المقالة حاولنا معاً التعرف على أهمية الثقافة الجنسية في حياتنا، وكيف ننظر إليه في عالمنا العربي، ووجدنا أنه لا بد أن نحسن التعامل مع هذه المعرفة، أظن أنه حينذاك سنتجنب مشاكل كثيرة يتعرض لها المجتمع، حتى لا يتكرر الِيوم الذي شاهدت فيه الحديث عن الجنس ملقىً على الأرصفة في الطرقات لا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.