أجرت حكومة طالبان أول اتصال رسمي لها مع تركيا، من خلال زيارة وفد رفيع المستوى من 7 أشخاص برئاسة وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة أمير خان متقي، إلى العاصمة التركية أنقرة، وذلك ضمن مرحلة جديدة بدأت في أفغانستان، بعد سيطرة حركة طالبان على جميع مفاصل الدولة بشكل كامل.
إن النظر إلى هذا اللقاء، وكيف جرى، وتحت أي نوع من الضغوط داخل تركيا، فضلاً عن وسائل الإعلام العالمية، يعتبر موضوعاً يجب التوقف عنده مليّاً تحت عنوان: الصعوبات الدبلوماسية التركية. كانت تركيا من أول البلاد التي شرعت في إقامة اتصال قوي وعلى أعلى المستويات مع أفغانستان، نظراً للروابط التاريخية والثقافية والظروف المتغيرة.
إلا أن الانطباع الجاهز الذي يحاصر طالبان يتحول إلى عائق لمنع تركيا من التعاطي مع أفغانستان وحركة طالبان والتواصل معها، وهذا لا يخدم في نهاية المطاف سوى الرغبة في تعطيل الميزات التي تمتلكها تركيا على الأرض بفضل تاريخها ومواقفها وهويتها.
يجب على جميع من يتواجد على الساحة الأفغانية أن يدرك حقيقة أنّ حركة طالبان هي القوة الوحيدة التي تمكنت من إحكام السيطرة على البلاد بطريقة أو بأخرى لأكثر من 40 عاماً، ولم تنجح أي قوة أخرى قبلها، سواء كانت أفغانية أو سوفييتية أو أمريكية في تحقيق سيطرة واسعة بهذا المستوى.
سواء أعجبتكم طالبان أم لا فيجب عليكم تقبل أنها أهم حقيقة على الأرض في أفغانستان، بفعل قوة السيطرة تلك، وإن لم تقبلوا بذلك فلن يكون بإمكانكم التواجد ضمن أي حسابات أو سياسات متعلقة بأفغانستان.
الاعتراف بطالبان لا يتطلب تبنّي فهمها الديني والسياسي
إن الاعتراف بحكومة طالبان على الأرض لا يعني بالضرورة تبنّي فهمها للدين أو فهمها للسلطة والسياسة ولا منهجها إزاء ذلك على الإطلاق.
من المؤكد أن التشدد هو سيد الموقف في تفسير طالبان للإسلام وتفسيرها له، لكن يجب الاعتراف بأن هذا التفسير إنما هو مرتبط في الغالب بالثقافة والبيئة الاجتماعية للبلد، كما أنه محدود ولا يتمتع بجانب ما يؤهله للتصدير نحو الخارج. ولا يمكن زرع التهديدات حول إمكانية تصدير هذا الفكر إلى العالم إلا من خلال صناعة الخوف.
بالطبع كانت هذه التصورات والانطباعات التي تتفوق على الواقع، بمثابة تكلفة للحرب التي خاضتها الحركة على مدار 20 عاماً ضد الولايات المتحدة، القوة المركزية أحادية القطب في العالم.
نحن الآن في مرحلة جديدة، تبدو فيها حتى الولايات المتحدة التي حاربت طيلة تلك المرحلة السابقة وأجبرت في النهاية على الانسحاب، في طريقها اليوم نحو تطبيع العلاقات مع أفغانستان.
هل اللقاء مع طالبان يمهد الطريق أمام اللقاء مع الأسد؟
هذا اللقاء الذي جرى بين أنقرة وطالبان، والذي جاء متأخراً بالنسبة لي، يبدو أنه أثار شهية البعض لأمر آخر مختلف، حيث خرج خبير في العلاقات الدولية في إحدى القنوات الإخبارية ليقول إن "اللقاء مع طالبان قضى بالتالي على كل الأعذار التي تضعها أنقرة لعدم اللقاء مع الأسد".
يبدو أنه من غير الواضح سبب تفاؤل هذا الشخص ومن على شاكلته ممن ينظرون لطالبان على أنها كيان إرهابي، فقط لأن المحتلين صنّفوها ضمن قائمة الإرهاب، هل من السهل لهذه الدرجة مقارنة طالبان مع الأسد، بأي الأبعاد والأفعال يمكن مقارنة طالبان مع الأسد، ما التهم التي تلاحق طالبان سوى أنها مدرجة ضمن قائمة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة، ولأجل ذلك حاربت وحوربت؟
هل سبب ابتعادنا عن الأسد لأنه مدرج ضمن قائمة الإرهاب، أم لسبب اختلافنا في وجهات النظر معه، أم لأن تفسيره للإسلام يختلف كثيراً عن تفسيرنا، ولا يتناسب مع فهم العصر؟ لا علاقة لنا نحن بفهمه للإسلام، أو بنظامه أو بشؤونه الداخلية، المشكلة تكمن في أن كل خطوة يخطوها ضمن "شؤونه الداخلية" تسفر عن قتل آلاف المدنيين، وانتهاكات حقوق الإنسان، والمزيد من الجرائم ضد الإنسانية، دون أن ينتهي عن ذلك أبداً. هل حاربت طالبان ضدنا، هل استخدمت قوة مفرطة ضد شعبها وارتكبت فيهم المجازر، أو هل تقوم بذلك الآن، أي منطق هذا، وأي نوع من المقارنة؟
فقدان الولايات المتحدة مصداقيتها
لقد فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها في تعريف الإرهاب، وليس هناك حاجة لضرب المثل بوضع طالبان من أجل ذلك. حتى الآن لا توجد هناك أي ضرورة تدفعنا نحو تصنيف كيان ما ضمن قائمة الإرهاب، بسبب أن الولايات المتحدة قامت بتصنيفه، لأننا في الأصل دولة تعارض منطق تصنيف الإرهاب وفقاً لمنطق الولايات المتحدة أو ما يسمى العالم الحديث.
على سبيل المثال، قاموا بتصنيف حماس ضمن قائمة الإرهاب، إلا أننا نرفض ذلك بشكل قاطع.
لنضع كل التعاريف الموضوعة حول الإرهاب، وليضعوا هم أيضاً معطياتهم حول ذلك، ما نراه نحن هو أن "إسرائيل" هي أقرب بكثير لتعريف الإرهاب، أما حماس فهي ليست سوى منظمة تمثل المقاومة الشرعية لشعب دولته تحت الاحتلال، كما أنها لم تستخدم العنف لأي غرض آخر غير الدفاع عن النفس.
لكن في المقابل، تجاوزت إسرائيل بالفعل الحاجة إلى الدفاع عن النفس بغض النظر عن الفرق الشاسع في توازن القوى الموجود، فهي تستخدم بصورة متكررة عنفاً غير متناسب ضد شعب غزة الأعزل، وبدون دفاع، والمحاصر برّاً وبحراً من جميع الجهات، عبر غارات جوية لا ترحم، تسفر في كل مرة عن مقتل العشرات، بل المئات من أهل غزة.
نحن نملك ما يمكن أن نقوله للولايات المتحدة حول عدم تصنيفنا لحماس بقائمة الإرهاب، دون أن يكون هناك شيء يمكن أن نسمعه منها حول خلاف ذلك.
بالنسبة لطالبان، فربما لأنها حاربت الولايات المتحدة بشكل مباشر اضطررنا أن نكون في نفس موقف "الحليف"، لكن هذا لا يعني قبولنا تعريفات الولايات المتحدة للإرهاب كما هي، لا سيما أن الولايات المتحدة ذاتها بدأت في تفاوض مباشر مع طالبان، التي تصنفها بقائمة الإرهاب، قبل عشر سنوات من الآن، واتفقت معها في نهاية المطاف على رسم خط بشأن مستقبل أفغانستان.
ومن ناحية أخرى، لم ترتكب حركة طالبان طيلة 20 عاماً من حربها ضد الولايات المتحدة أي نوع من الجرائم التي ارتكبها الأسد خلال عشرة أعوام فقط، لم ترتكب طالبان مجازر بحق شعبها، ولم تقتل الأطفال والنساء والعجائز والشباب عبر غارات جوية عشوائية ضد أبناء جلدتها.
بعد كل ذلك يأتي من يدعو للقاء مع الأسد بحجة حصول لقاء مع طالبان، وكأن طالبان يمكن مقارنتها مع الأسد، هل يمكن أن يكون هناك هدف لهؤلاء سوى المساعدة التطوعية للأسد وتحريضه على القتل ومجاراته؟
في الحقيقة، إن وجود هذا النوع من المحامين المتطفلين لهذا المجرم فيما بيننا لَهو أمر يجب أن يكون مصدر قلق حقيقي وخطير، لكل بريء يعيش في هذا البلد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.