بعيداً عن الخوض في نقاش مشروعية الاحتفاء بذكرى المولد النبوي محمد -عليه الصلاة والسلام- فإن أبلغ ما قد نجدد به هذه الذكرى هو تجديد التأسي به عليه الصلاة والسلام، باستخلاص دروس من سيرته وكلامه صلى الله عليه والسلام، ومنها:
السعي نحو الحرية الإنسانية
في ذكرى مولد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ننهل من موكب النور الذي قاده إلى الحرية بمعناها الإنساني، تلك الحرية التي غايتها الارتقاء نحو الكمال الإنساني والتخلص من الدنو الحيواني.
تلك الحرية التي منتهاها أن لا أحد يستعبد أحداً، أو يمنعه من بلوغ الحق، أو يسقف له الرشد بذاته، مثل ما قاله فرعون الذي طغى في قول الله -عز وجل- على لسان فرعون: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".
إعلان عالمي لحقوق الإنسان في خطبة الوداع
في ذكرى مولد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، نتذكر كلماته الجامعة المانعة -وكل كلامه جوامع للكلم- وها هو يخطب في الناس خطبة الوداع ليعلن عن أصلنا الإنساني: "يا أيها الناسُ، إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمرَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أحمرَ إلا بالتقوى إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم، ألا هل بلَّغتُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قال: فيُبَلِّغُ الشاهدُ الغائبَ".
قيم أصيلة للحوار وأخلاقه
في ذكرى مولد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، نستلهم قيماً قائدة للفعل الإنساني ومنظمة للحياة الجماعية ومرشدة للقرارات السديدة، نستلهم قيم الحوار وحسن الاستماع إلى الآخر، ومن هذا الحوار تعلمنا بهدي الوحي الكريم الذي كان يتنزل عليه -عليه الصلاة والسلام- كيف ننطلق مع المخالف لنبني الاقتناع بالحوار، وقيمة التواضع حتى وإن وصل إلى تجريم الذات ومخاطبة المخالف باللين.
تسلح بالأمل المتجدد فلا يتسع الأمر إلا إذا ضاق
في ذكرى مولد رسول الله، صلى الله عليه والسلام، نشحن بقيمة الأمل التي قد تنسينا غفلتنا رحابته ووجوده، ولو ضاقت الدنيا علينا وتكالب الأعداء والخصوم والظالمون.
فكما في الحديث الشريف: "كان الرجلُ قبلَكم يؤْخَذُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيه، فيُجاءُ بالمنشارِ فيوضَعُ على رأسِه، فيُشَقُّ باثنتينِ، ما يصُدُّهُ ذلِكَ عن دينِهِ، ويُمَشَّطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ لحمِهِ منْ عَظْمٍ أو عصَبٍ، ما يصُدُّه ذلكَ عن دينِهِ، واللهِ ليُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ، حتى يسيرَ الراكِبُ مِنْ صنعاءَ إلى حضرَموتَ، لا يخافُ إلَّا اللهَ، والذئبَ على غنَمِهِ، ولكنَّكم تستعجِلونَ".
تناغم بين واجبات الذات وواجبات الموضوع
في ذكرى مولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دعوة إلى التناغم والتوازن بين واجبات الذات وواجبات الموضوع، وخيرية الذات وخيرية الموضوع.
مقصد النفع للغير
في ذكرى مولد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ننفض الغبار عن السجن الذي تعيشه ذواتنا مع ذواتنا، لنرتقي إلى أن تكون ذواتنا مُسخَّرة لذواتنا ولغيرنا هداية للعالمين "مَن دعا إلى هُدًى كان له من الأجرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ لم يَنْتَقِصْ من أجورِهم شيئاً ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَنِ اتَّبَعَهُ لا يَنْقُصُ من آثامِهِم شيئًا".
وإشاعة الخير: "إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ ألا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا".
تعظيم أمانات الناس
في ذكرى مولد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، نتعلم قيمة تعظيم أمانات الناس. ففي الحديث الشريف "قلتُ: يا رسولَ اللهِ ألا تستعملُني؟ قال: فضرب بيدِه على منكبي. ثم قال: يا أبا ذرٍّ، إنك ضعيفٌ، وإنها أمانةٌ. وإنها يومَ القيامةِ، خزيٌ وندامةٌ. إلا من أخذها بحقِّها وأدَّى الذي عليهِ فيها"، وتبرأ ممن خان هذه الأمانة: "من غش فليس منا".
توقير الصحابة والقرون الفاضلة
في ذكرى مولد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، نذكر صحابته الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فنجدد توقيرنا لهم: "خيرُ القرونِ قَرْنِي ثم الذين يَلُونَهم ثم الذين يلُونَهم".
ارتقاء في التأسي به حتى يأتينا اليقين
لأن الارتقاء في مدارج السالكين دربه، بحاجة إلى أن تكون ذكرى مولد رسول الله عليه الصلاة والسلام في كل وقت وحين، لأن بها تصح العبادة ويصح التقرب وتتوثق العرى، ويكون الطريق يقيناً إلى الله تعالى كدحاً واجتهاداً وجهاداً وتحرياً لما صحَّ من سنته، لا خمولاً ولا كسلاً ولا تمنياً على الله الأماني دون عمل: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم".
لا تحقرن من المعروف شيئاً
في ذكرى مولد رسول الله، عليه الصلاة والسلام، نتعلم ألا نحقر من المعروف شيئاً، ومن هذا المعروف أن أخطَّ هذه السطور القليلة في ذكراه، ونسأل الله قبول الأعمال وصدقها.
"اللهمّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صلَّيْتَ على إبراهيم وآلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما بارَكْتَ على إبراهيم وآل إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.