بعد إطلاق الرصاص في "عرب خلدة"، وبعد حادثة شاحنة الصواريخ في "شويا"، رأينا ما حدث في "عين الرمانة"، من اشتباكات بين المنطقة والمسيرة المتجهة إلى قصر العدل، من هنا يبدو أن هناك رسالة مشتركة من طوائف ومذاهب مختلفة مرسلة إلى حزب الله، بأن ما حدث مترابط وإن اختلفت الطرق والتفاصيل، ففي خلدة مثلاً كانت "قضية ثأر"، أما في شويا فبرزت سياسة "النأي بالنفس"، وفي عين الرمانة كانت "الطائفية" تخرج من كبتها المزمن.
هذه الرسالة تريد إبلاغ حزب الله بأن الحاضنة الوطنية للمقاومة لم تعد موجودة، وأنها تعتبر حزب الله مجرد حزب سياسي يتخفى خلف مقاومة إسرائيل، بينما هو في الحقيقة يريد الهيمنة السياسية على لبنان بحيث يدخل هذا البلد رسمياً عصر "الشيعية السياسية" بعد أفول عصر "المارونية السياسية" مع انتهاء الحرب الأهلية.
لذلك لم يعد منطقياً بعد هذه الدماء التي سالت في الشوارع أن يظل حزب الله يمارس سياسته؛ لأن هذه المذابح سوف تتكرر طالما أن الاحتقان الطائفي والمذهبي يزداد يوماً بعد يوم، لذلك بات ملحاً على حزب الله أن يراجع مدى جدوى انخراطه في الحياة السياسية اللبنانية والغرق في رمالها، بمعنى آخر بات ملحاً أن يختار بين أن يكون حزباً سياسياً يشارك في الصراع على السلطة، أو "حركة مقاومة"، لأن الدمج بين هذين الاتجاهين من خلال حزب واحد انتهى زمنه.
أي اتجاه هو الأفضل لحزب الله؟
سعى حزب الله من خلال مشاركته في الانتخابات البلدية والقروية لتطبيق روزنامته، لكن بعد خوضه هذه التجربة لم تتغير الوتيرة عما كانت عليه الحال قبل مشاركته، علماً بأنه لم يترتب على هذه المشاركة أية تبعات سلبية لأن طابع الخصومة الانتخابية محلي، أي بين تيارات تنتمي إلى حاضنته الشعبية، أما مشاركته السياسية في الانتخابات النيابية فكان الهدف منها تأمين غطاء سياسي رسمي له، وبعدها أصبح شريكاً في الحكومات المتعاقبة كلها لتحقيق الغاية نفسها حسبما كان يعلن دائماً.
لكن في الواقع نشهد نتيجة عكسية حيث تظهر هذه الأحداث ولادة رأي عام لدى الأطراف اللبنانية تعارض الحزب وتعيد النظر لأهدافه، وهنا بات الحزب أمام خيارين، إما أن يتابع المشاركة في الحياة السياسية أو أن ينكفئ طوعاً لـ"صون المقاومة" رغم أن له حاضنة شعبية وقدرة انتخابية على الفوز بمقاعد في البرلمان.
إن مشاركة حزب الله في المناصب السياسية أدت إلى اتهامه بالفساد أو تغطية الفساد وولادة طبقة مقاوِمة له، وخياره السياسي بالتوجه شرقاً لن يكتب له النجاح لأسباب معروفة، كما لن تنجح سياسة حياد لبنان؛ لأن "إسرائيل" من خلال الحرب تسعى إلى توسيع رقعة الاحتلال ومن خلال السلم تسعى إلى الهيمنة على المنطقة.
لذلك من الأفضل له عدم تسمية مرشحين في الانتخابات النيابية القادمة والابتعاد عن المشاركة في الحكومات والتفرغ "للمقاومة" وإعادة الاعتبار لها ولـ"أهدافها" التي تأسس من أجلها الحزب، كما يقول، بدل الغرق في زواريب السياسة وتجرع السم في دولة أصبحت فعلياً شبه دولة بالكامل، حتى إن بدا هذا الخيار طوباوياً، أي غير واقعي، فإنه الخيار الصحيح الذي لا بد منه، حسب رأيي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.