مذاهب سياسية مختلفة وأفكار متنوعة.. لماذا يعد معرض الكتاب بإسطنبول ضمن الأفضل عربياً؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/14 الساعة 09:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/14 الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش
معرض الكتاب العربي في اسطنبول 2021 (وسائل التواصل الاجتماعي)

انطلق معرض الكتاب العربي بإسطنبول بنسخته السادسة، السبت الماضي 9 أكتوبر/تشرين الأول، في القاعة التاسعة بمركز إسطنبول للمعارض. يتم تنظيم المعرض كل عام منذ 7 أعوام على التوالي إلا العام الماضي فقط 2020، وذلك بسبب التدابير التي فرضها فيروس كورونا.

ينظّم المعرض كلٌّ من جمعية الصحافة والنشر، وجمعية محترفي الطباعة والنشر التركية، والجمعية الدولية لناشري الكتب العربية، ويشارك فيه هذا العام نحو 250 ناشراً من 23 بلداً مختلفاً. وبذلك يكون أكبر معرض عربي للكتاب يقام خارج الوطن العربي، من حيث عدد الناشرين المشاركين وعدد زوار المعارض بشكل عام.

معرض الكتاب العربي في إسطنبول الأفضل عربياً

وعلى هذا الاعتبار، يمكن اعتبار معرض الكتاب العربي بإسطنبول من أفضل المعارض المقامة في العالم العربي، بل يمكننا القول إنه الأفضل على الإطلاق، من حيث تنوع الكتاب والأفكار على الأقل، لأن العديد من الكتّاب والناشرين لا يمكنهم المشاركة في المعارض الكبرى التي تقام في عدة دول عربية مهمة لأسباب سياسية معروفة للقاصي والداني.

إن بيئة الكتاب التي تتطلب حسب طبيعتها وجوهرها جوّاً من الحرية، تتجسد الآن في معرض الكتاب العربي بإسطنبول للكتاب.

انطلق معرض الكتاب العربي بإسطنبول لهذا العام تحت عنوان "حلّق بالمعرفة". انطلاقاً من مفهوم أن المعرفة والفكر يمنحان الإنسان أجنحة تمكنه من التحليق بحرية نحو أفق جديدة متجاوزاً الحدود.

إن الكتاب بإمكانه بذر روح الحرية في الإنسان حتى ولو كان في بيئة خالية من الحرية في الحقيقة، ويعلّم الإنسان كيفية تحطيم الجدران والأبواب التي حوله، مهما بلغ عدد أبواب وجدران الزنزانات التي يقبع خلفها.

إن إقامة معرض الكتاب العربي بإسطنبول تزامناً مع الذكرى العاشرة للربيع العربي تكتسب معنى مختلفاً؛ لأن إسطنبول باتت مدينة يفر إليها الناس هرباً من بلدان القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان والانقلابات ضد الربيع العربي، علّهم يجدون في ذلك مأمناً وأملاً في تحرير بلدانهم.

معرض الكتاب بإسطنبول
(الأناضول)

هناك حقيقة باتت أكثر وضوحاً مع انطلاق معرض الكتاب العربي بإسطنبول، ألا وهي أن مدينة إسطنبول أضحت مركزاً مهماً للغاية لنشر الفكر العربي. يكفي أن نعلم أن عدداً كبيراً من الناشرين العرب أصبح لديهم الآن فروع في إسطنبول، بل إن بعضهم انتقل بالكامل إلى هنا.

لم تعد مدينة إسطنبول مجرد مصدر إلهام لإصلاح أو نهضة الفكر العربي والإسلامي، بل باتت مركزاً مهماً للنهضة والإصلاح.

من ناحية؛ يحضر جميع الناشرين البارزين في العالم العربي إلى هذا المعرض، ومن ناحية أخرى يلتقي العديد من الكتّاب بقرائهم سواء عبر جلسات النقاش أو فعاليات التوقيع. كما أن المعرض يوفر مساحة مهمة تنشط فيها اللقاءات والاتصالات للإسهام في ترجمة كتب الناشرين من العربية للتركية أو العكس. وفي هذا الصدد نشير إلى أن هناك مئات الكتب تُرجمت ونُشرت منذ انطلاقة المعرض الأولى.

ويشير في هذا السياق رئيس جمعية الناشرين العرب، بشار شبارو، خلال كلمته الافتتاحية للمعرض، إلى أن معرض الكتاب العربي بإسطنبول انطلق بالفعل كجسر بين عالمين ولغتين، وهو يعمل كطريق مزدوج متبادل.

وفي الحقيقة تجدر الإشارة هنا للحوافز التي تقدمها وزارة الثقافة التركية من أجل تطوير العمل في هذا المجال، وبفضل البرنامج الذي يشجع على ترجمة الأعمال التركية ليس فقط إلى العربية بل إلى شتى اللغات، نجد أن الأعمال المترجمة من التركية إلى لغات أخرى وصلت للآلاف.

يستمر معرض الكتاب العربي بإسطنبول حتى يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ويتخلله العديد من الأنشطة مثل الندوات وجلسات التوقيع والرسم ومعرض للصور والنحت.

عصمت أوتشما: صديق ومفكر وحكيم

كتبت قبل مدة قليلة بمناسبة وفاة صديقي "غياث الدين سيم"، أن "وفاة الصديق تختلف عن بقية الوفيات الأخرى. ربما تكون نوعاً من النذير المزلزل لرحيلنا نحن. هذا النوع من الرحيل يبدو وكأنه يأخذ قطعة من الإنسان، قطعة مهمة. ليس قطعة من حياة الإنسان فحسب، بل من جوهرها. كلمة الصديق تأخذ هنا معنى فوق معناها الأصلي لدرجة تعجز حتى اللغة عن إيجاد تعبير مناسب. صديقك شاهد على حياتك في الوقت ذاته، وربما تشعر أحياناً أنك تعيش بالفعل من أجله أو من أجل أمثاله".

لم يمض شهر بعد حتى ودّعنا صديقاً آخر من هذا النوع بالأمس، ألا وهو الأخ عصمت أوتشما. الكثير من الناس يعرفونه رجلاً سياسيّاً فحسب، نائباً برلمانيّاً عن مدينة إسطنبول، وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية. لكن الأهم من ذلك كله هو أن أوتشما كان رجلاً مفكراً، ورفيق درب حكيم وصاحب قضية.

التقيت به لأول مرة عام 1983، كنت آنذاك في السابعة عشرة من عمري، أدرس في مدرسة إمام-خطيب بولاية سيرت، كشاب مولع بقراءة الكتب لآخر حد.

كنت أتردد إلى دار نشر "بيان" في الواقع. وغالباً ما كنت أشارك بالنقاشات التي كان يجريها من وقت لآخر، مع علي كمال تميزر.

منذ أن عرفته في تلك الأيام حتى آخر لحظة في حياته، لم يغير مساره وفكره وموقفه، بل ظل ثابتاً حتى النهاية.

اشتغل في التوزيع الموحّد، ثم خلص إلى قرار نهائي بإطلاق دار نشر تحت اسم "إشارة".

لقد تبنى قراءة القرآن وفهمه وعيشه كنمط حياة وحالة من حالات الوجود، طيلة حياته، من خلال اهتمامه الخاص ودقته الشديدة بدراسات القرآن الكريم.

كانت دار إشارة للنشر تعمل كمركز مستقل متخصص لأبحاث القرآن. صدر عنها ترجمة "رسالة القرآن" الشهيرة لمحمد أسد، بعد عمل مكثف من قبل الشاعر التركي جاهد كويتاك، وأحمد أرتورك، ليتم تقديمها للقراء الأتراك بنسخة عالية الجودة.

نشر العديد من الأعمال المشابهة لاحقاً. كانت غايته هي فهم القرآن كدليل إرشادي للحياة بعيداً عن البدع والخرافات، كان هذا الهدف يمثل أهم غاية في حياته.

مضى يوم وجاء يوم، لأجتمع مع أخي الراحل عصمت تحت سقف البرلمان التركي، خلال الدورتين 25 و26. إلى جانب عملنا السياسي طبعاً، إلا أن مواضيع مثل النشر وقنوات الفكر للإسلام والمسلمين كانت شغلنا الشاغل.

على سبيل المثال، في غضون ذلك قمنا بدراسات طويلة المدى وتخطيط جاد من أجل ترجمة تفسير "التحرير والتنوير" للعالم التونسي الشهير طاهر بن عاشور، إلى اللغة التركية، من 30 مجلداً.

كان مسلماً موحداً بكل ما للكلمة من معنى.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تحميل المزيد