أصيبَت بسرطان الثدي فنفر منها زوجها.. صديقتي التي عانت مما هو أكبر من المرض

عدد القراءات
862
عربي بوست
تم النشر: 2021/10/14 الساعة 09:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/14 الساعة 09:50 بتوقيت غرينتش
امرأة تعاني من سرطان الثدي (تعبيرية)/ Istock

في عام 2006 أطلقت مبادرة عالمية من أجل التوعية حول سرطان الثدي، فيما يعرف بأكتوبر الوردي، حيث تتوشح الكثير من المؤسسات والتطبيقات باللون الزهري، من أجل بث الوعي في المجتمعات بأهمية الفحص المبكر، والحث على الفحص الدوري، فترى المؤتمرات الصحية، والندوات، ومنشورات وفيديوهات تعليمية، ومن المؤكد أن هذا أمر عظيم فيه من العلم والإيجابيات الكثير من أجل مصلحة النساء خاصة، والمجتمع بشكل عام.

ولكن.. "هناك معارك ما بعد المعارك؛ فالانتصار ليس هو نهاية المعركة"، كما تقول مريضة سابقة.

إن وقف الجرعات الكيميائية والإشعاعية والأدوية ليس نهاية الحرب، للنساء في المجتمعات "كتالوج خاص"، وفيما يأتي تجربة إحدى السيدات بعد فوزها على السرطان وخسارتها بالمعركة الأهم، ألا وهي العائلة.

تقول "علياء"، وهي سيدة تبلغ من العمر 42 عاماً، وتعمل معلمة: رغم علمي بما هو سرطان الثدي، ورغم أني كنت شاهدة على تجربة قريبة لي، كنت أعرف تفاصيلها ومسيرة علاجها والمعاناة التي خاضتها، ولكن عندما كنت أنا بطلة المسرحية، كل ما كنتَ تعرفه مسبقاً بشكل نظري يسقط أمام وقع تجربتك الخاصة.

في بداية الأمر، لم أستوعب المرض، كيف في لحظةٍ ما تتغير حياة الإنسان، مخططاته، مستقبله، نفسيته، نظرته للحياة، كيف لحياة طبيعية روتينية من البيت إلى المدرسة؟ أعود من عملي أبدأ بأعمال البيت، أعتني بأولادي، وفجأة يُكسر هذا الروتين.

وتعج في البيت همسات "عن المرض" بيني وبين أختي أولاً على الهاتف مع التحفظ على عدم إخبار أمي وعائلتي، لم أمتلك الجرأة لإخبار زوجي إلا بعد 3 أسابيع من البكاء الصامت والنفسية المحطمة، كانت صدمة له، ولروتين بيتنا، أخذت إجازة وصار المشفى في برنامجنا الأسبوعي، وتقارير هنا وفحوصات هناك، ومراجعات وعيادات، وصارت الأدوية تغزو غرفة نومي، مكان مستحضرات التجميل والألوان، مسكنات ومراهم بدل الكريمات وأصابع الروج.

تُصاب 2.1 مليون امرأة بسرطان الثدي سنوياً/ Istock
تُصاب 2.1 مليون امرأة بسرطان الثدي سنوياً/ Istock

سرطان الثدي.. وما هو أكبر من المرض

سرطان الثدي لا يصيب الثدي فقط، يصيب أيضاً البيوت والأرواح، والعلاقة الزوجية، يصيب مائدة الطعام بغياب بعض الأصناف مثلاً، يصيب العلاقات الاجتماعية والزيارات العائلية، يصيب امتحانات الأطفال وإهمال واجباتهم.

جسم هزيل، مصفر، عيون ذابلة، الكثير من خصلات الشعر على الوسادة، الخوف في عيون أطفالي، وكل ذلك حقاً كنت أحاول أن أتفهمه، ولكن حين أقف أمام المرآة وأضع يدي فوق صدري المُصادَر، لا أنكر شعوري بالقرف أحياناً والقشعريرة أحياناً أخرى، هل حقاً الأنثى هي أثداء وشعر وخصر؟ لم أكن أمتلك الجمال الأخّاذ، لكن كنت مقتنعة بنفسي، أما الآن فأصبحتُ أخجل.

فلم أعد أغير ملابسي في غرفة النوم، بل أبدلها في الحمام لوحدي، صرتُ أرتدي الملابس الواسعة جداً، رغم أن مقاسي صار أقل بسبب تدهور صحتي في البداية، لكن اشتريت مقاسات كبيرة وفضفاضة لأخفي رسمة جسدي العلوي كلها وإخفاء أي ملامح غير مرتبة بسبب الاستئصال.

إنه لشعور غريب أن أمد يدي على رأسي وأجده أملس، كانت لحظة كلها دموع حين مررت أصابعي على "صلعتي"، كنت أحب شعري جداً، والآن صرت أرتدي "الطاقية" أو قطعة قماش تربط من الخلف، وأحياناً حجاباً كاملاً، في بيتي، أتحرك به من المطبخ إلى غرفة نومي إلى الحمام، وبين من؟ بين زوجي وأولادي.

اختفيت عن عيون زوجي بشكل كامل، أحياناً ينام في الصالة، أو يسهر على هاتفه، وأعرف أنه يتكلم مع فتيات أو يشاهد أفلاماً، فلم يعد في شكلي أي رغبة له، والسرطان أقصى العلاقة الحميمة من حياتي، هناك برود وفتور كبير، لكن بقي سؤالي في نفسي: "هل حقاً المرأة ليست إلا أثداء وحوض؟" أليست إنساناً؟ إنساناً كاملاً! يعيش ويمرض ويموت؟

هل سرطان البروستات مثلاً يقصي الزوج من حياة زوجته؟ أم إنه "إنسان بمشاعر" قبل أن يكون ذكراً وأصيب بالسرطان؟ صارت ثقتي بنفسي صفراً، حتى مع استخدامي للحشوات الصناعية من بلاستيك وأقمشة توضع في حمالة الصدر لأجل مظهر متناسق؟ لكن هذا للمظهر الخارجي.. ماذا عن نفوري من جسدي؟ ونفور زوجي مني؟

هل تكفي حقاً اللافتات الوردية في الشوارع لعلاج سرطان الثدي؟ هل تكفي حقاً الندوات العلمية والطبية؟ هل تكفي أن تقوم التطبيقات بتحويل جدران التطبيق للون الوردي؟ وهل يكفي أن يقوم المؤثرون والمشاهير بنشر صور مع شارة زهرية معلقة على الصدر؟

هناك توجيه مكثف لضرورة الوعي من أجل الكشف المبكر، معظم الحملات هي رسائل للمرأة، لكن ماذا عن بيت المرأة؟ ماذا عن زوج المرأة؟ ماذا عن ثقتها بنفسها المستمدة من أهل بيتها؟! ماذا عن المناطق والقرى البعيدة؟ التي المرأة فيها عبارة عن وسيلة إنجاب؛ "خربت بنجيب غيرها".

أكيد أن هناك سيدات كانت تجربتهن مع سرطان الثدي أفضل من تجربة السيدة "علياء"، أكيد أن هناك أزواجاً تعاملوا مع زوجاتهن بشكل أفضل دون نفور، لكن دائماً هناك تجارب محزنة، تجارب بعيدة عن الأضواء، معارك ما بعد المعركة، لذلك وجب الحديث عنها، وجب أن يكون هناك عمل على الدعم النفسي للمرأة، ونشر الوعي للأزواج، فهم أيضاً من جنود المعركة، حتى تعود البيوت لفرحها، والتشجيع على عدم الخجل، وعلى استخدام التجميل وتوفير طرق صحية وآمنة والأهم ممكنة وبسعر ممكن ومرخصة من منظمة الصحة.

سرطان الثدي لا يستأصل الثدي فقط، بل يستأصل البيت كله أحياناً أخرى.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نور أبو سلمى
كاتبة فلسطينية
كاتبة فلسطينية
تحميل المزيد