وصايا ماركيز تكشف الأسباب.. لماذا يموت الحب عند العرب؟

تم النشر: 2021/10/13 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/13 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
istock

کتب الرواٸي العالمي غابرييل غارسيا ماركيز، الحاصل على جاٸزة نوبل للآداب روايته الشهيرة عام 1985 "الحب في زمن الكولیرا". يحكي في فصولها ماركيز قصّة حب معقدة تنشأ بين رجل اسمه "فلورينتينو أريثا" وامرأة تُدعى "فيرمينا داثا" منذ المراهقة وتستمر إلى ما بعد بلوغهما السبعين في حالة من الحب غير المعقول.

وتسرد الرواية مجموعة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والنفسية التي طرأت على حياتهما بسبب ذلك الحب العنيف، في قالب روائي شائق يجمع بين شجون العشق ولوعته، لعنة الحرب وقسوتها، جائحة وباء الكوليرا ووباء آخر قاتل اسمه الحب.
قالب يكتشف معه القارئ أن الرواية التي بين يديه تحمل في داخلها وصفة سحرية للحب الأبدي، وتفاصيل دقيقة لتلك المنطقة من العالم، تستمر الحكاية في بدايتها بطريقة عادية دون أية مفاجآت محتملة، حيث يعيش العاشقان تحت رحمة حب مثالي ومستقر لأعوام عديدة، يتبادلان خلالها الرسائل الغرامية الملتهبة، والورود الملونة، والوعود بالبقاء، ويتعاهدان على الزواج، إلى أن تحل عليهما اللعنة ويتحول حبهما بين ليلة وضحاها إلى جحيم لا يطاق. فبعد معرفة والد فيرمينا داثا بالأمر، قرر مغادرة المدينة إلى الأبد هروباً من العار الذي قد يلحق به، ومفكراً في العثور على زوج مناسب لابنته المراهقة التي حوّلها الحب إلى كائن متمرد.

في قصة حب معقدة يأخذ فيها فلورينتينو أريثا دور العاشق الولهان، بينما تأخذ فيرمينا داثا دور الفتاة التي يمنعها والدها عن الحب، ويسد كل المنافذ والطرقات التي تؤدي إليه.

هنا تأخذ القصة منحى آخر، وتنقلب الأحداث رأساً على عقب حينما تتزوج فيرمينا داثا من الدكتور خوفينال أوربينو، الطبيب اللامع الأكثر شهرة في المنطقة، ومن ثم تجبرها ظروفها الاجتماعية الجديدة، وضغوط والدها المتسلط، وقدسية الزواج الكاثوليكي، على تخطي حبيبها عامل التلغراف المسكين في مشهد مأساوي وحزين.

في غضون تلك الأحداث، يعمل العاشق المهزوم "فلورينتينو أريثا" بكد وجهد حتى يصنع له اسماً لامعاً ويكوّن ثروة مالية ضخمة تمكنه من استعادة حبيبته التي أصبحت زوجة رجل آخر، وتعيش حياتها الخاصة برفقة زوجها وأبنائها مثلما يعيش هو برفقة والدته.

تتشابك أحداث الرواية وتتداخل بطريقة مشوقة، إلى أن يلتقي العاشقان أخيراً في جنازة موت الدكتور خوفينال أوربينو، زوج فيرمينا الذي مات تحت شجرة المانجا محاولاً الإمساك ببغاء عديمة الحياء، وكان وقتها قد مر أكثر من نصف قرن من الزمان على آخر لقاء بينهما، فينتهز فلورينتينو أريثا الفرصة قائلاً للمرأة التي مات زوجها للتو: "فيرمينا.. لقد انتظرت هذه الفرصة لأكثر من نصف قرن، لأكرر لك مرة أخرى قسم وفائي الأبدي وحبي الدائم".

الحب العربي

البعض نحبّهم لكن لا نقترب منهم، فهم في البعد أحلى ونحن في البعد أرقى، وهم في البعد أغلى. والبعض نحبهم ونسعى للقرب منهم ونتقاسم تفاصيل الحياة معهم، والبعض لا نصافحهم وإن آلمنا الابتعاد عنهم وجرحنا.

إنّ القضية اليوم قضية حياة أو موت، فلا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، ولکن الحياة أقصر من أن نجعل سعادتنا رهن مستقبل قد لا نراه أبداً.

لذلك علينا أن نبحث عن الحب كل يوم في كل ما هو حولنا، وإلا قد نستيقظ يوماً ولن نرى من حولنا سوى رعب وخوف، وهواجس وظلمة باردة.

الحب الحقيقي هو أن تحب الشخص كما هو، بشكله ولونه وقوته وضعفه، وأياً كانت ظروفه المادية ومستوى تعليمه وثقافته، وأياً كانت وظيفته ومركزه الاجتماعي والسياسي.

كثير منا لا يقترب من الأقل منه ثقافياً أو مادياً أو اجتماعياً، ولا من المختلف عنه عقائدياً.

ثقافتنا الشعبية المعاصرة في جوهرها قائمة على رفض الآخر لأنه مختلف، لم نتعلم بعد مفهوم الحب بمعناه الحقيقي الذي يتجلى فيه التضحية لمن نحب.

نحن شعوب تُمثل مشاهد الحب وتبالغ في أداء الدور، لكننا في الواقع لا نعي ماهية الحب بمعناه السامي، ولا نمارسه بشكل حقيقي صادق، نحن نحب تملّك من نحب ضمن شروط شكلية ونوعية مسبقة، وهو حب مُقيّد إلى سلاسل العادات المتخلفة، وليس حراً طليقاً.

والحب وحده لن يمنحنا حياة جيدة، دون المعرفة. ففي العصور الوسطى، عندما ظهر الطاعون، كان الرهبان ينصحون الناس بالتجمع في الكنائس للصلاة، والنتيجة أن العدوى انتشرت بسرعة أكبر ومات عدد أكبر. هذا مثال عن الحب دون معرفة، کذلك الحرب العالمية الأولى قدمت مثالاً عن المعرفة دون الحب.

علی أصوات الموسیقی الجناٸزیة فی کل میادین العالم، کانت العلاقة بین العُود والعرب تتوطد، العُود أكثر الآلات تعاسة، والعربُ أكثر الشعوبِ حُزناً، وأكثر البشر تعاسة. العود عاشق لعازفه، والعربي رأى من البلاد الغدر، والخيانة، والحرب، والخوف، وما زال عاشقاً لها حتى الثمالة. وما بین الحرب والحب حرف واحد.

كتب الجميع عن الحب، وصفوه بكل الصفات، أعطوه مسميات كثيرة تجاوزت حدود معاجم اللغة وقواميسها. غريبة هي اللغات كيف تختلف وتتشابه؟! تختلف في مسمياتها، تتشابه في أحاسيسِها، تتسابق وتتنافس في مخزون كلماتها التي تصف الحب. يتفوق الحب، لا تعبر عنه لغة، ولا يعطيه حقه وصف.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سعد عبداللطيف
متخصص فی علم الجغرافیا السیاسیة
تحميل المزيد