سوبرمان شيوعياً وباتمان في سجون ستالين! عن فيلم Superman: Red Son

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/12 الساعة 12:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/12 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
مشهد يجمع بين سوبرمان وستالين في فيلم Superman: red son/ يوتيوب

ذات يومٍ سألت نفسي سؤالا غريباً بعض الشيء، وهو "ماذا كان سيفعل أبطالنا الخارقون إن حدث ووُلدوا في عالمنا الحقيقي؟".

ماذا سيصبح سوبرمان إن سقطت مركبته في أفغانستان؟

ماذا سيصبح باتمان إن ولد وقُتل والداه في حرب سوريا؟

ماذا سيصبح فلاش إن كانت والدته أفغانية أو عراقية؟

وماذا سيصبح أكوامان إن كان والده يمنياً سقط على الجبهة؟

تحت مظلة ذلك السؤال مئات الأسئلة، وكانت إحدى الإجابات داخل فيلم الأنيميشن Superman: Red Son.

صدر الفيلم عام 2020، من إخراج Sam Liu، مخرج أفلام الأنيميشن المشهور، الذي امتدت أعماله بين أفلام القصص المصورة كأفلام The Batman، وThe Batman killing joke، وBeware of The Batman.

ويعتبر فيلم "باتمان المزحة القاتلة" و"سوبرمان الابن الأحمر" هو في رأيي أعظم ما قدمه خلال مسيرته الفنية.

في البداية.. يقص علينا الفيلم قصة مبنية على سؤال بسيط:

"ماذا لو سقطت مركبة سوبرمان في الاتحاد السوفييتي؟".

فنجد إجابة ذلك السؤال قد شكّلت عالماً جديداً وخطاً زمنياً مختلفاً عن أي شيء رأيناه من قبل.

الرفيق سوبرمان!

وهنا بين أحداث الفيلم المتتابعة نرى سوبرمان "رفيقاً" و"رمزاً للشيوعية"، ابناً باراً لوطنه، ثم لأبيه ستالين، شاباً شيوعياً حالماً يفتخر كل لحظة بانتمائه للعَلم الأحمر.

وكعادته كان يطارد مُثُلاً عُليا أكبر منه وأكبر من عالمه وواقعه، لذا سرعان ما حطّمته الحقيقة؛ حقيقة أن وطنه وقناعاته وأيديولوجيته وأباه قد قاموا جميعاً فوق جثث الفقراء وصرخات المعتقلين وآهات المُعذَّبين، ولعنات الموتى ودعوات المظلومين.

تتحطم أحلام سوبرمان على صخرة الحقيقة، فيهوي عقله في ظلمات الخيال، محاولاً تطبيق مُثله العليا، متجاهلاً عوائق الواقع.

فيرتكب جريمته الأولى ويقتل ستالين، ويقرر أنه من تلك اللحظة سيصنع العالم المثالي، سيصبح وصياً على البشر، ويجعلهم يعيشون في عالمه الشيوعي الأمثل، وهنا كان الفخ، ففي النهاية وجد نفسه مجرد وحش، طاغية كستالين تماماً، حتى تصل لتلك اللحظة التي تعجز فيها عن التفريق بينه وبين ستالين.

لكن ليس سوبرمان هو بطل قصتي هنا، دعنا نتجاهله تماماً لأتبع خط سير بطلي المفضل، والأقرب لنا كبشر.. باتمان.

ففي عالم السوفييت، وُلد باتمان داخل المعتقل تحت الأرض، مات والداه جوعاً، قضى أيامه ينادي على بطله الخارق سوبرمان عسى أن يسمعه، قضى ساعاته يغذي كرهه للشيوعية والنظام، وقضى عمره يلعن ستالين ومثله الأعلى الخائن سوبرمان.

ومن رحم المعاناة والتعذيب والقتل والتنكيل والجوع والموت وُلد باتمان إرهابياً غادرته المشاعر، لم يعد يرى أمامه سوى الانتقام والفوضى، قاتلاً لا يجد حرجاً في قتل الأبرياء، سفاحاً أحرق المئات لأجل انتقامه، بطلاً وقف أمام الطاغية وحده، وإنساناً لم يرضَ بأن تُسلب منه حريته، ففجر نفسه.

نعم، هذا ما كنت أنتظره، وهذه الإجابة التي لطالما توقعتها، فهكذا يحول العالم أبطالنا العظام إلى بشر، وهكذا تحول المعاناةُ، بدورها البشر إلى وحوش.

لا تستغرب يا صديقي، فباتمان الأمريكي الذي لا يقتل أحداً، والذي يؤمن بأن القتل لن يقلل عدد المجرمين لم يعش معاناة باتمان الروسي، الذي قضى طفولته في معتقلات ستالين.

إن ذلك التحول يخبرنا الكثير والكثير عن عالمنا، فقبل أن تلوم الوحش لُم الذي صنعه.

بالطبع احتوى الفيلم على الدعاية الأمريكية المبتذلة في تصوير النموذج الرأسمالي الأمريكي كمنقذ من طغيان الشيوعية، ولكن إذا تجاهلنا تلك الدعاية وجرّدنا الفيلم من شوائبه المماثلة، سنجد عملاً فنياً رائعاً، متجرداً من دنس التأثير الأيديولوجي، ويسرد لنا قصة عن تحويل العالم أبطاله إلى وحوش.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد جمال فرانك
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما، من مواليد محافظة الدقهلية عام 1996، صدر لي: رواية صلوات العبيد، وكتاب كريبي باستا، وكتاب المسكوت عنه في سينما الرعب.

فيلم 7 prisoners.. ماذا لو وقعت في يد عصابة للاتجار بالبشر؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/19 الساعة 09:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/19 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
لقطة من الإعلان الرسمي لفيلم 7 prisoners/ يوتيوب-نتفلكس

في الغابة الرأسمالية يتحول البشر لنوعين فقط، إما الخراف، وإما الذئاب، وبين هذا وذاك لا وجود لتلك الكلاب التي تحمي الخراف، وكذلك ذئاب هذه الغابة لا تريد أكل الخراف دفعة واحدة، فكما ترى هي ذئاب جائعة للمال لا اللحم، وذبح الخراف سيحرمها من مكاسب استعبادها، لذا في هذه الغابة، تستعبد الذئاب الخرافَ ولا تأكلها.

يمكنني القول إن الفقرة السابقة تُلخص فيلم 7 prisoners الذي سنتحدث عنه، ولكن مع ذلك دعنا ندلف داخل بعض تفاصيله، فربما نتبين قبساً من ضوء يجعلنا نفهم طبيعة الحياة في هذه الغابة الرأسمالية.

عن فيلم 7 Prisoners

يحكي فيلم 7 prisoners الصادر يوم الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021 عن ماتيوس، الشاب ذي الثمانية عشر عاماً، والذي قرر ترك منزل عائلته الفقيرة في الريف كي يقبل عملاً في ساحة خردة وسط مدينة ساو باولو البرازيلية، في عمله الجديد يقابل رئيسه لوكا، الذي يكتشف ماتيوس فيما بعد أنه ليس سوى تاجر بشر استعبده هو وأصدقاءه خلف أسوار الساحة، يسعى ماتيوس للهروب بطبيعة الحال، لكن ظروف عائلته وواقعه المأساوي يجعلانه يصارع نفسه لأجل النجاة.

ومع ذلك الصراع يجد ماتيوس نفسه أمام خيار صعب، عليه الاختيار بين أن يكون ذئباً بشرياً، أو يكمل حياته كخروف يُساق كل يوم للعمل، وبين هذين الخيارين يتأرجح ضمير الفتى، ليدرك في النهاية الحقيقة الصعبة، ففي هذه الغابة، الذئاب فقط من تستطيع أن تنعم بكل ما تحمله كلمة حرية من معنى.

عن الحرية والعبودية

إن البشر في عين الرأسمالية ليسوا حياة أو روحاً، ليسوا معنى أو قيمة، بل هم مجرد منتج أو آلة، وكأي منتج يمكن تسعيرهم وبيعهم والاستثمار فيهم، وهكذا وسط غابة الرأسمالية يصبح البشر أشبه بالجماد، وتختفي مشاعرهم وأحلامهم، وطموحاتهم وفرديتهم، فيراهم السوق خاضعين للعرض والطلب، والبيع والشراء.

وهذه الحقيقة المُرة أدركها الشاب ماتيوس حينما وجد نفسه عبداً، باعه صديق بعيد لمن دفع أعلى ثمن، وفي نير العبودية لا يملك الإنسان سوى شعوره بالقيد حول يديه ورقبته، فينشد حرية ظنها سابقاً حقيقة أبدية تعيش معه ما كان موجوداً على هذه الأرض، والآن أصبحت حلماً بعيد المنال، ضوءاً وهمياً وسط ليلة ظلماء، فيدرك العقل أن الحرية بثمن وثمنها يحددها مستعبده.

وبالنسبة إلى ماتيوس، كان ثمن حريته هو الخيار الذي اتخذه بأن يكون ذئباً! فيسلخ جلد الخروف من فوق عظامه، ويترك وراءه شخصية الشاب الحالم الذي لطالما أراد أن يكون طياراً أو مهندساً، ثم عليه أن يرتدي جلد الذئب، فيبيع أصدقاءه مقابل حفنة دولارات، يقايض حريتهم مقابل زجاجة جعة باردة، أو يجلد ظهورهم مقابل كلمة مدح من رئيسه، وبمجرد أن يأسر الذئب الصغير ضحيته الأولى، حينها يعلن أنه قد بلغ حقاً، وقد فعل ماتيوس ذلك بالفعل.

إن البيئة الرأسمالية تخلق تنافساً حول مفهوم المنتج، وحين يصبح ذلك المنتج بشراً تتحول هذه البيئة لعبودية حديثة لا تختلف في شيء عن العبودية القديمة، والتي ظننا أننا قد أنهيناها بأيدينا، لكن الحقيقة المرة أنها لم تنتهِ بعد، بل أخذت شكلاً آخر فقط.

في النهاية

حينما قال المخرج البرازيلي الأمريكي ألكساندر موراتو عام 2020، في أحد لقاءاته، إنه سيصنع فيلماً عن قضية الاتجار بالبشر في البرازيل، لم أظن أن فيلمه سيستطيع اختراق وتحليل تلك العقدة الإنسانية التي تجعل بشراً يستعبد بشراً مثله لأجل المال فقط.

ولكن حين شاهدت الفيلم كنت في حالة ذهول من تلك اللوحة التي رسمها المخرج بريشته لتلك الأنفس التي تتحول وتتغير كموج تقوده ريح النجاة، فيجد نفسه قد تحول من ملاك إلى شيطان.

كانت هذه تجربتي الأولى مع المخرج، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد جمال فرانك
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما، من مواليد محافظة الدقهلية عام 1996، صدر لي: رواية صلوات العبيد، وكتاب كريبي باستا، وكتاب المسكوت عنه في سينما الرعب.
تحميل المزيد