أعلنت الجزائر، الإثنين 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إنهاء مهام سفيرها في الرباط، عبد الحميد عبداوي، بعد أسابيع من قرار قطع علاقاتها بجارتها المغرب، بسبب ما سمَّتها "حملات عدوانية" ضدها، وكذا بعد يوم واحد من تأكيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون رفض بلاده أي "وساطات لعودة العلاقات بين البلدين".
وقبل ذلك اتّخذ المجلس الأعلى للأمن الجزائري، المكون من السلطات المدنية والعسكرية في البلاد، سلسلةً من القرارات تجاه المغرب، على ضوء استمرار التوتر القائم بين البلدين الشقيقين، على خلفية قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في شهر أغسطس/آب الماضي، رداً على ما سمّاه "الاستفزازات البلاغية" من الطرف المغربي.
تلاه قرار الغلق الفوري للمجال الجوي الجزائري في وجه كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وكذا التي تحمل رقم تسجيل مغربياً، وبرّر مبعوث الجزائر الخاص المكلف بمسألة الصحراء الغربية ودول المغرب العربي، السيد عمار بلاني، لوكالة رويترز، بأن القرار "تُمليه أسباب مُلحة تتعلق بالأمن القومي. وقال إن الجزائر قد تلجأ إلى تصعيد الإجراءات في نزاعها مع المغرب، واتخاذ المزيد من الإجراءات بعد قطع العلاقات وإغلاق الأجواء، مضيفاً أنه "لا يمكن استبعاد استخدام تدابير إضافية"، دون تحديد طبيعتها.
وذكرت مصادر عن شركة الخطوط الملكية المغربية، أن الإجراء لا يشمل سوى 15 رحلة جوية تربط المغرب بتونس وتركيا ومصر. ووصف المصدر نفسه تأثيره بأنه "ضئيل"، وأضاف أن أهم الرحلات الجوية يمكن أن تتم عبر البحر المتوسط.
رغم أن الوضع العام يبدو مقلقاً في كلا البلدين، لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، تحكمها عوامل اجتماعية وأمنية، فالجزائريون مثلاً يعيشون هذه الأيام خوفاً مشروعاً بسبب الغلاء غير المبرر من طرف التجار ولوبيات المضاربة في هذا القطاع الحساس، وكأن هناك من يدفع لـ"سيناريو شيطاني"، على غرار سيناريو 5 أكتوبر/تشرين الأول لعام 1988.
في حين خرج المغرب من امتحان انتخابي أدى إلى انهيار الحزب الإسلامي الأكبر في البلاد، العدالة والتنمية، بعد هزيمته في الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية الشهر الماضي. كانت تلك صفعة قوية للإسلاميين، وفوزاً كبيراً للسلطة الفعلية في المغرب (المخزن). منحت هزيمة الإسلاميين المخزن في المغرب ارتياحاً كبيراً على الصعيدين المحلي والدولي، وأن المسار الديمقراطي بخير، هذا ما باتت تسوّقه الرباط، ساعيةً إلى تشويه صورة طبيعة نظام الحكم في الجزائر، مشبّهة إياه بنظام الملالي في إيران.
شيء مبالغ فيه إلى حد ما، فالجزائر هي الأخرى تقطع مرحلة جديدة في تجربتها مع مسار الانتقال السلمي للسلطة، بعد حراك فبراير /شباط 2019، الذي أطاح بالرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وتلاه انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون.
مبرِّرات الصِّدام
حسب المحللين للشأن المغاربي فسيناريو الصدام مستبعد في اعتقادهم، لأنه عدمي أولاً، وقد يخرج عن السيطرة، وستكون له انعكاسات سلبية جداً على الشعبين، وكل دول الضفة الشمالية للمتوسط، خصوصاً إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. لذلك يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة، مصطفى بخوش، أن المغرب حريص أكثر من الجزائر على عدم انزلاق الأمور نحو الصدام، كون القرار الخارجي المغربي لم يعد في يده.
ستظل دولة الاحتلال تستغل سطوتها في سكب الزيت على النار، ولا شك أن قوة لوبياتها في المغرب تزداد، في ظل تصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب، الذي أدى في النهاية إلى أن الجزائر باتت يقظة أمام أي استفزاز بشأن أمنها القومي.
أما موقف الجزائر، التي يبدو أنها مَن تدفع نحو التصعيد، رغم انشغالها بملفات الأمن الداخلي والإقليمي، فقد يُتفهم بعض الشيء عند النظر إلى لائحة الاتهامات التي تسوقها السلطات الجزائرية لجارتها المغربية، كتسهيل تغلغل قوة عسكرية أجنبية معادية للجزائر في المنطقة المغاربية، وتصريحات ممثل المغرب في الأمم المتحدة ضد الجزائر، بكلامه عن "حق تقرير المصير" لشعب القبائل الشجاع، حيث يشكل هذا التصرف -غير المسؤول في نظر السلطات الجزائرية- انتهاكاً لأحكام المادة 5 من معاهدة الأخوة وحسن الجوار والتعاون، المبرمة بين الجزائر والمغرب بتاريخ 15 يناير/كانون الثاني 1969.
في نهاية عام 2020، أدى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مقابل اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء، إلى تصعيد التوترات، ونددت الجزائر بـ"المناورات الأجنبية" الهادفة إلى زعزعة استقرارها.
بعدها أخذت الجزائر موقفها من كلام رئيس دبلوماسية دولة الاحتلال يائير لابيد، خلال زيارته للمغرب، في شهر أغسطس/ آب الماضي، الذي أبدى مخاوف دولته من الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة، وتقاربها مع إيران والحملة الناجحة للدبلوماسية الجزائرية ضد الاعتراف بدولة الاحتلال كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي.
عند محاولة فهم طبيعة التوتر الدائم بين الجزائر والمغرب، فإن كلا البلدين يسعى للدفع بتقوية تحالفاته الإقليمية والدولية، للبحث عن تحقيق أهداف، وتحكمها حتميات كل دولة حسب معادلة تدوير الزوايا، وإضعاف فرص فوز المنافس بالدور المحوري في المنطقة.
تصاعُد بوادر التوتر بين البلدين
حظي قرار الغلق الفوري للمجال الجوي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وكذا التي تحمل رقم تسجيل مغربي، بتغطية إعلامية واسعة، كان هذا القرار رداً قوياً من السلطات الجزائرية في وجه الملاحة الجوية العسكرية المدنية المغربية، كان هذا القرار أمراً سيادياً بامتياز، وإسبانيا لاستبعاد أي محاولة جوية محتملة لدولة الاحتلال من وجهة النظر الأمنية الجزائرية.
إن الإشارة إلى سبب تصاعد هذا التوتر بين البلدين هو دخول دولة الاحتلال على الخط، حتى ولو كان ضمنياً، أو كما يُبديه المغرب باتباعه سياسة "الصمت وحكمة الأخ الأكبر". بالنسبة للجزائر بات الأمر واضحاً، أي أن مسألة تأجيج التوتر هي محاولة لعسكرة المنطقة، والدفع باتجاه حرب مفتوحة بين البلدين الشقيقين، كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي بين إيران و العراق.
أما قضية الصحراء فقد أصبحت ضحية هذا التوتر الدائم بين البلدين الشقيقين، الذي ستستغله دولة الاحتلال من أجل جر الجزائر للقيام بهجوم بري على المغرب.
على ضوء هذا السياق، ستظل دولة الاحتلال تستغل سطوتها في سكب الزيت على النار، ولا شك أن قوة لوبياتها في المغرب تزداد، في ظل تصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب، الذي أدى في النهاية إلى أن الجزائر باتت يقظة أمام أي استفزاز بشأن أمنها القومي.
كان أشار موقع MENA Defense إلى اكتشاف الغواصة "Dolphin" بالوسائل الصوتية لغواصة كيلو الجزائرية. وسرعان ما تم اتخاذ القرار بالمطاردة دون استخدام السونار، وقد لعبت سفينة القيادة "قلعة بني عباس" دوراً مركزياً في العملية، من خلال نشر مروحيتين من طراز Superlynx المضادة للغواصات.
إن تزامن الأزمة الجزائرية-المغربية سوف يفتح مرحلة جديدة في السباق نحو التسلح، الذي سوف تنجم عنه تداعيات اقتصادية واجتماعية عنيفة على الشعبين، بسبب مشاكل اقتصادية معقدة يعيشها البلدان منذ أربعة عقود، أضِف تداعيات جائحة كورونا "COVID-19″، وظاهرة الهجرة غير النظامية، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين في كلا البلدين.
لكن سرعان ما لجأت وزارة الدفاع الوطني إلى تكذيب الخبر بصفة قطعية، للأخبار التي تم تداولها من طرف موقع MENA Defense، مؤكدة أن التمرين تم تنفيذه بنجاح كبير من طرف طاقم الغواصة "جرجرة"، ولم يسجل أي حدث يذكر، حسب بيان وزارة الدفاع الوطني.
السباق نحو التسلح
إن تزامن الأزمة الجزائرية-المغربية سوف يفتح مرحلة جديدة في السباق نحو التسلح، الذي سوف تنجم عنه تداعيات اقتصادية واجتماعية عنيفة على الشعبين، بسبب مشاكل اقتصادية معقدة يعيشها البلدان منذ أربعة عقود، أضِف تداعيات جائحة كورونا "COVID-19″، وظاهرة الهجرة غير النظامية، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين في كلا البلدين.
ما دفع بكل من الجزائر والمغرب إلى محاولة امتصاص الصدمات، لتجنب حرب مفتوحة. ومن هنا تم دخول كلا البلدين إلى سباق عاجل وعلني في اقتناء "نسور القرن"، الطائرات بدون طيار التي أصبحت أداة ردع قوية في الحرب الخاطفة الجديدة، شوهد ذلك في الحرب الأهلية في ليبيا وسوريا وأذربيجان، كيف قلبت هذه الأدوات الحربية المتطورة معادلة موازين الصراع في هذه البلدان داخلياً وإقليمياً، بل حتى دولياً.
حيث سارعت الجزائر إلى شراء 24 طائرة مسيرة صينية الصنع، حيث يواصل المغرب من جهته ملء ترسانته، بالإضافة إلى الطائرات الإسرائيلية بدون طيار، والطائرات التركية بيرقدار، حيث تسلّم المغرب، الشهر الماضي، الدفعة الأولى من الطائرات التركية بدون طيار "بيرقدار تي بي 2″؛ لتعزيز قوته الجوية.
رغم أن احتمال الصدام العسكري يبقى ضعيفاً للغاية، فإن بوادر الأزمة الدبلوماسية تبقى عالقة أمام حرب اقتصادية تضر بالشعبين، حيث تعطل عجلة النمو واستمرار ضعف النظام التكاملي الاقتصادي في المنطقة المغاربية، كما يشكل تباين طبيعة النظام الدستوري في البلدين، الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية، والمغرب مملكة دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية. الفصل الأول من دستور 2011.
هذا ما جعل ميزة العلاقات بين البلدين تخضع إلى عدم الثقة، وهذا منذ استقلال الجزائر عام 1962 في الكثير من القضايا، ليس فقط في قضية الصحراء، ولكنها تمتد إلى علاقات هاتين الدولتين مع أطراف أخرى، كالتنافس على النفوذ في غرب ووسط القارة السمراء، وعلاقات المغرب مع دول الخليج وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، وكذلك علاقاته مع الولايات المتحدة، و أخيراً فيما يتعلق بعلاقات المغرب الدبلوماسية الرسمية مع دولة الاحتلال، هنا مربط الفرس لتوتر العلاقات الجزائرية-المغربية.
لا يمكن تجاوز هذا التوتر بين البلدين بسهولة، سوف تحتاج إلى جهد ضخم لإيجاد أرضية لبناء علاقات تقوم على الثقة والاحترام المتبادل. على ضوء هذه المعطيات، هل تستطيع الجزائر أن توقف التصعيد الجهنمي الذي تريد فرضه عليها دولة الاحتلال، في ظل مشروعها الجديد في منطقة المغرب العربي، التي باتت تحكمه حتميات عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة ودول الساحل، دون الدخول في حرب مفتوحة مدمرة لشعوب المنطقة ككل؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.