الديمقراطية ونقيضها.. قراءة في المفهوم المثير للجدل في العالم الإسلامي

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/12 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/12 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
(MEE)

ثمة التباس حاصل في فهم بعض المصطلحات كالديمقراطية، وبعض الثنائيات ذات العلاقة بنوازل العصر، إذ يتصورها البعض علاقة تخاصم وتضاد وتعارض، ولأن ذلك الالتباس مرده إلى تلك العملية التماثلية بين تجربتين حضاريتين تاريخيتين متبايتين في أسسهما الفلسفية وفي سياقيهما التاريخيين،(التجربة الحضارية التاريخية الغربية، والتجربة الحضارية التاريخية العربية والإسلامية).

فإن ذلك ينتج عنه عملية إسقاط قسري لحقل مفاهيمي بالكامل (مفاهيم الغرب) على حقل آخر مغاير له من حيث تربته وفضائه القيمي والحضاري (المفاهيم الحضارية الإسلامية الأصيلة)، مما يولد لدى أصحاب ذلك الإسقاط ثنائيات متقابلة ومتصارعة ويستحيل معها التعايش معها بسلام نفسي واجتماعي.

وهذا يؤدي طبعاً إلى تأسيس مواقف حادة اتجاه أية إرادة تجديدية من داخل المرجعية الحضارية للأمة، والملاحظة نفسها قد نذكرها بالنسبة الذين يتخاصمون مع أية هبة تجديدية تنفتح على العصر وتحاول أن تستوعب نوازله في إطار تأصيل متجدد يفقه الواقع والشرع ويبحث عن ملاءمة حكيمة تنتج اجتهاداً ومواقف مستوعبة لهذه النوازل وغير رافضة لها بالمرة.

ومن تبعات هذا التخاصم المفتعل، هو تأكيد البعض على تلازم العلاقة بين الديمقراطية وبين التربة الحضارية التي نبتت من داخلها من الناحية الفلسفية والعقائدية، فهل هذا التلازم صحيح فعلاً؟ ثم إذا صحَّ التعريف بناء على الثنائيات المتقابلة والمتضادة فما هو النقيض الحقيقي للديمقراطية؟ 

مفهوم الديمقراطية 

ما هي الديمقراطية؟ وهل هي مشاع إنساني يدخل ضمن المشترك البشري الذي لا ضرر فيه على خصوصيات الشعوب والمجتمعات الثقافية والقيمية؟ 

الديمقراطية فضاء عام يسود المجتمع ككل، متسم بالسمات التالية:

  1. فضاء مكتمل للحريات (حرية التعبير والمعارضة والتنظيم…)، في إطار قيم المجتمع العليا.
  2. مشاركة فعلية للمجتمع في تحديد الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى له.
  3. وذلك يتم في نظرنا عبر:
    • آليات تداول فعلي على السلطة وهنا يحتل مطلب "نزاهة الانتخابات" أولوية المطالب، ومن خلاله يتحقق مبدأ: "لا سلطة بدون تداول فعلي حر".
    • آليات التقرير بما يحقق فعلياً المشاركة المجتمعية من خلال إعمال مبدأ:"السلطة للمجتمع".
    • آليات التأسيس والمراجعة والتقويم سواء سياسياً من خلال إعمال مبدأ: "لا مسؤولية بدون محاسبة" أو دستورياً من خلال إعمال مبدأ: "سلطة التأسيس والمراجعة للاجتماع المدني للمجتمع".
  4. تقوية حصانة المجتمع بالشكل الذي يمنع أية محاولة جديدة لابتلاع المجتمع من طرف الدولة وذلك عبر إعمال مبدأ "استقلالية المجتمع المدني والأهلي "، وكذا مبدأ "فصل السلط".

شكل الديمقراطية وفضاؤها

بناء على هذا التعريف للديمقراطية، يمكن استنتاج الخلاصات التالية:

1. أن الديمقراطية آلية لإدارة الخلاف، غايتها تحقيق مناط مبدأ مشاركة المجتمع في الاختيار والتقرير والتقويم، ومبدأ التداول الفعلي للسلطة الذي يمنع من إمكانية التسلط والاستبداد.

2. أن الديمقراطية ديمقراطيات، وهذا دليل على أنها أشكال لخدمة أهداف المشاركة في التقرير والاختيار والمراقبة والتقويم والتداول. 

3. وكونها قد تتخذ أشكالاً عدة بحسب بيئة المجتمع وهويته وأعرافه، لخدمة نفس الأهداف التي ذكرنا، يعني أنها تتأطر بإطار مرجعية المجتمع العليا، وبالتالي لا غرابة حينما نجد أن حتى للمجتمعات الغربية ثوابت لا محيد عنها تأسست عبر مسيرة تاريخية طويلة لتشكل هذه المجتمعات، وهذه الثوابت تتأطر ضمنها الديمقراطية، وتتخذ شكلاً من الأشكال بما يحقق أهدافها التي ذكرنا.

الديمقراطية
الشائع أن الديمقراطية بدأت في اليونان وانتشرت للعالم الغربي منها (IStock)

نقيض الديمقراطية

إذا كانت الديمقراطية أداة لتحقيق المناطات التالية:

  • مشاركة واسعة للمجتمع في الاختيار والتقرير والتقويم.
  • التداول الفعلي للسلطة.
  • التنظيم التلقائي للمجتمع ومختلف تعبيراته التي يفرزها من داخله.

فإن نقيض الديمقراطية هو كل أداة لتحقيق المناطات التالية:

  • تحجيم مشاركة المجتمع في الاختيار والتقرير والتقويم؛ وبالتالي تهميشه والاستفراد بالقرارات والخيارات التي تخصه والتي موضوعها بامتياز:
  • التداول الفعلي على خدمة الاستبداد.
  • التحكم في تنظيم المجتمع، ولجم تعبيراته أو حرمانها أو مضايقتها أو محاصرتها، مع تعقيم ممنهج له حتى تنقطع الولادة المستمرة لتعبيراته الذاتية.

إن اختيار الديمقراطية هو اختيار بين أداة "وحيدة" يشرك بفعلها المجتمع ويتحرر من ربق التحكم القسري في شرايينه، وبين كل أداة "وهي كثيرة" تقصي بشكل ممنهج المجتمع من ساحة التقرير والاختيار، وتصنع منه مجتمعاً طيعاً ومن قواه أداة خادمة لمشروع تأبيد الاستبداد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بوعشرين
كاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي
ناشط حقوقي وسياسي، وكاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي، من مواليد مدينة مكناس بالمغرب، خريج كلية الحقوق جامعة المولى إسماعيل تخصص اقتصاد، حاصل على الماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الإسلامية، ودبلوم دكتوراه في الفيزياء من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ناشط جمعوي ورئيس سابق لجمعية منبر الحوار للتربية والثقافة والفن.
تحميل المزيد