ذات يومٍ سألت نفسي سؤالا غريباً بعض الشيء، وهو "ماذا كان سيفعل أبطالنا الخارقون إن حدث ووُلدوا في عالمنا الحقيقي؟".
ماذا سيصبح سوبرمان إن سقطت مركبته في أفغانستان؟
ماذا سيصبح باتمان إن ولد وقُتل والداه في حرب سوريا؟
ماذا سيصبح فلاش إن كانت والدته أفغانية أو عراقية؟
وماذا سيصبح أكوامان إن كان والده يمنياً سقط على الجبهة؟
تحت مظلة ذلك السؤال مئات الأسئلة، وكانت إحدى الإجابات داخل فيلم الأنيميشن Superman: Red Son.
صدر الفيلم عام 2020، من إخراج Sam Liu، مخرج أفلام الأنيميشن المشهور، الذي امتدت أعماله بين أفلام القصص المصورة كأفلام The Batman، وThe Batman killing joke، وBeware of The Batman.
ويعتبر فيلم "باتمان المزحة القاتلة" و"سوبرمان الابن الأحمر" هو في رأيي أعظم ما قدمه خلال مسيرته الفنية.
في البداية.. يقص علينا الفيلم قصة مبنية على سؤال بسيط:
"ماذا لو سقطت مركبة سوبرمان في الاتحاد السوفييتي؟".
فنجد إجابة ذلك السؤال قد شكّلت عالماً جديداً وخطاً زمنياً مختلفاً عن أي شيء رأيناه من قبل.
الرفيق سوبرمان!
وهنا بين أحداث الفيلم المتتابعة نرى سوبرمان "رفيقاً" و"رمزاً للشيوعية"، ابناً باراً لوطنه، ثم لأبيه ستالين، شاباً شيوعياً حالماً يفتخر كل لحظة بانتمائه للعَلم الأحمر.
وكعادته كان يطارد مُثُلاً عُليا أكبر منه وأكبر من عالمه وواقعه، لذا سرعان ما حطّمته الحقيقة؛ حقيقة أن وطنه وقناعاته وأيديولوجيته وأباه قد قاموا جميعاً فوق جثث الفقراء وصرخات المعتقلين وآهات المُعذَّبين، ولعنات الموتى ودعوات المظلومين.
تتحطم أحلام سوبرمان على صخرة الحقيقة، فيهوي عقله في ظلمات الخيال، محاولاً تطبيق مُثله العليا، متجاهلاً عوائق الواقع.
فيرتكب جريمته الأولى ويقتل ستالين، ويقرر أنه من تلك اللحظة سيصنع العالم المثالي، سيصبح وصياً على البشر، ويجعلهم يعيشون في عالمه الشيوعي الأمثل، وهنا كان الفخ، ففي النهاية وجد نفسه مجرد وحش، طاغية كستالين تماماً، حتى تصل لتلك اللحظة التي تعجز فيها عن التفريق بينه وبين ستالين.
لكن ليس سوبرمان هو بطل قصتي هنا، دعنا نتجاهله تماماً لأتبع خط سير بطلي المفضل، والأقرب لنا كبشر.. باتمان.
ففي عالم السوفييت، وُلد باتمان داخل المعتقل تحت الأرض، مات والداه جوعاً، قضى أيامه ينادي على بطله الخارق سوبرمان عسى أن يسمعه، قضى ساعاته يغذي كرهه للشيوعية والنظام، وقضى عمره يلعن ستالين ومثله الأعلى الخائن سوبرمان.
ومن رحم المعاناة والتعذيب والقتل والتنكيل والجوع والموت وُلد باتمان إرهابياً غادرته المشاعر، لم يعد يرى أمامه سوى الانتقام والفوضى، قاتلاً لا يجد حرجاً في قتل الأبرياء، سفاحاً أحرق المئات لأجل انتقامه، بطلاً وقف أمام الطاغية وحده، وإنساناً لم يرضَ بأن تُسلب منه حريته، ففجر نفسه.
نعم، هذا ما كنت أنتظره، وهذه الإجابة التي لطالما توقعتها، فهكذا يحول العالم أبطالنا العظام إلى بشر، وهكذا تحول المعاناةُ، بدورها البشر إلى وحوش.
لا تستغرب يا صديقي، فباتمان الأمريكي الذي لا يقتل أحداً، والذي يؤمن بأن القتل لن يقلل عدد المجرمين لم يعش معاناة باتمان الروسي، الذي قضى طفولته في معتقلات ستالين.
إن ذلك التحول يخبرنا الكثير والكثير عن عالمنا، فقبل أن تلوم الوحش لُم الذي صنعه.
بالطبع احتوى الفيلم على الدعاية الأمريكية المبتذلة في تصوير النموذج الرأسمالي الأمريكي كمنقذ من طغيان الشيوعية، ولكن إذا تجاهلنا تلك الدعاية وجرّدنا الفيلم من شوائبه المماثلة، سنجد عملاً فنياً رائعاً، متجرداً من دنس التأثير الأيديولوجي، ويسرد لنا قصة عن تحويل العالم أبطاله إلى وحوش.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.