عمدت الإدارة اليونانية في الأيام الأخيرة، على تصعيد وتيرة الأعمال الاستفزازية ضد تركيا، لا سيما في بحر إيجه وشرقي البحر الأبيض المتوسط.
إذ حاولت سفينة الأبحاث اليونانية المسماة "Nautical Geo" مؤخراً اختراق الجرف القاري لتركيا في شرق جزيرة "كريت" وجنوب غربي قبرص.
كما أجرى الجيش اليوناني مناورات عسكرية في بحر إيجه، في جزيرة كويون، قرب ولاية إزمير التركية، وبمشاركة نائب وزير الدفاع اليوناني.
وخلال المناورات، وقف نائب وزير الدفاع اليوناني نيكوس هاردالياس ليلتقط صورة وولاية إزمير التركية خلفه، وقام بمشاركتها عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأرفق قائلًا: "كل جزيرة، وحتى كل جزيرة صغيرة، كل جزيرة صخرية، هي لليونان! نحن في كل مكان".
فرنسا تخطط واليونان تنفذ
دعونا نؤكد أن فرنسا هي من يقف وراء تلك الإجراءات والاستفزازات الأخيرة لليونان ضد تركيا. ففي الآونة الأخيرة، تم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين حكومتي باريس وأثينا.
ومن الواضح أن تركيا هي هدف الاتفاقية الجديدة، والتي تم التصويت عليها وقبولها في البرلمان اليوناني.
تنص الاتفاقية على أن فرنسا ستقف إلى جانب أثينا في حالة وقوع هجوم على اليونان. رغم ذلك، فقد ادعت المعارضة اليونانية قبل التصويت على الاتفاقية، بأن ليس هذا ما تعنيه الاتفاقية بالضبط.
كما أن أليكسيس تسيبراس، الذي كان معروفًا لدى الشعب التركي خلال رئاسته للوزراء، والذي يشغل حالياً قيادة أحد أحزاب المعارضة، ادعى بأن هذا الاتفاق لا يفرض التزاماً على فرنسا يجبرها بمساعدة إدارة أثينا في حال حصول توتر مع تركيا.
لتلخيص حقيقة هذه الاتفاقية الموقعة بين فرنسا واليونان، يمكننا أن نقتبس مرة أخرى من خطاب تسيبراس، حين قال: "فرنسا تتلقى 7 مليارات يورو من أجل طائرات رافال (الطائرات المقاتلة) ومن أجل فرقاطات من بلد مثل اليونان غارق بالديون، ووصلت ديونه إلى 210٪ من ناتجه المحلي الإجمالي".
كما اتضح لنا فإن هناك موقفاً فرنسياً واضحاً و"مخيفاً" إذا جاز التعبير؛ حيث تعمل إدارة ماكرون على استخدام اليونان ضد تركيا، وتجبر بلداً لا يستطيع التخلص من دوامة الديون الاقتصادية على شراء أسلحة جديدة بمليارات اليورو.
ومن أجل الحصول على قراءات وتحليلات أفضل، هناك حاجة إلى التراجع قليلاً والنظر إلى الصورة بطريقة أكثر شمولاً. الضربة التي تلقتها فرنسا من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وضعتها في موقفٍ حرج.
ولهذا تبحث إدارة ماكرون باستخدام الترسانة العسكرية خاصتها عن الوصول إلى قيادة أوروبا.
كما هو معروف، قبل 20 يوماً، اتّحدت الولايات المتحدة وبريطانيا معاً وأقنعتا أستراليا بإلغاء اتفاقية الغواصات البالغة 90 مليار دولار مع فرنسا، الأمر الذي أثار غضب إدارة ماكرون.
وبعد ذلك أبرمت باريس هذه الاتفاقية مع اليونان من أجل استخدام هذا الحدث في مخططاتهم الخاصة، حيث إن إدارة ماكرون تطمع بقيادة أوروبا كلها.
لذا، فإن كل هذه التحركات الأخيرة التي تقوم بها فرنسا، ومن بينها الاتفاقية الأخيرة مع اليونان، هي من أجل تولي القيادة المستقبلية لأوروبا.
بينما تريد ألمانيا الحفاظ على قيادة الاتحاد الأوروبي كعملاق اقتصادي، تدفع فرنسا الناتو للخروج من المعادلة وتطمع بفكرة قيادة أوروبا والهيمنة عليها باستخدام قوتها العسكرية.
لذا، حان الوقت لتذكّر كلمات ماكرون حول تحالف الناتو حين قال: "أصبح التحالف ميتاً دماغياً".
عيب فرنسا أنها لم تجد دعماً لهذا المخطط من داخل أوروبا إلا اليونان. بمعنى آخر، لا يزال يُنظر إلى وجود حلف الناتو على أنه الإطار الأمني الأكثر ضماناً من قبل العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وبالطبع، عندما تقول الناتو فمن المستحيل ألا نذكر أمريكا؛ لذلك فإن المنافس الرئيسي لفرنسا ليس ألمانيا، بل الولايات المتحدة الأمريكية.
اتفاقية عسكرية بأبعاد اقتصادية
ولا يخفى على الجميع بأن اتفاقية فرنسا مع اليونان لها جوانب عسكرية وسياسية واقتصادية. ولا يمكن إهمال البعد الاقتصادي لهذه الاتفاقية، وربما يكون أصلًا هو الهدف الرئيسي لها.
ووفقًا لتقدير خبير أمني، فإن الجماعات التي تدير صناعة الأسلحة الفرنسية تقوم بـ"مهاجمة" ماكرون وبالضغط عليه لبيع المزيد من الأسلحة وإنشاء المزيد من الأسواق العسكرية.
ولكي تصل فرنسا إلى طموحها بشأن السيطرة على القوة الدفاعية لأوروبا، هذا يعني أنه يجب الحصول على 20 ضعفاً، أو 30 ضعفاً من المال الذي يصل من اليونان.
هناك علاقة اقتصادية بين إلغاء أستراليا لصفقة الغواصات الفرنسية البالغة قيمتها 90 مليار دولار بضغط من أمريكا ومن بريطانيا، وبين الاتفاقية الموقعة بين فرنسا واليونان بهدف تهديد تركيا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.