أنصت إليه بدلاً من الاستخفاف به.. هكذا يجب أن تتعامل مع من يشكو إليك همومه

عدد القراءات
920
عربي بوست
تم النشر: 2021/10/08 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/08 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
ماذا يجب أن تفعل حيال من يشكو إليك همومه؟/ Istock

لا بد أنك مررت يوماً بموقف تتحدث فيه مع جماعة من الناس، فتجد البعض منهم يقلل ويسخر من تعبك، أو إذا لم يقلل من تعبك وشكواك، يقوم بما هو أبشع، بأن يُعلِى شكواه على شكواك.

فأفكر؛ كيف لنا أن نصل إلى هذا الحد من القسوة؟ كيف لنا أن نعيش مهمشين مشاعرنا وحالتنا النفسية إلى هذا الحد؟

تعبر كلمة إنسان عن جسد وروح وعقل لا يحق لأي مخلوق تجزئتها، وإذا أردت دليلاً أثبت وأقوى فلنرجع لمرجعنا الأهم، ألا وهو الدين، فهو لم يذكر قط أن الإنسان عقل دون مشاعر، بل مَنهَج متكامل اعتبر فيه أن حماية النفس والدين والعقل والمال والنسل من أهم الضروريات لنا كبشر.

منشأ المشكلة في المجتمع، قد يبدأ من بيت يسكنه زوجان، أحدهما أو كلاهما لا يراعى الطرف الآخر نفسياً؛ مثلاً: يلاحظ الرجل تقلُّب مزاج زوجته، فلا يتحمل هذا المنظر، فيعبس أو يصرخ ويصفها "بالنكد" دون أن يفكر لها بعذرٍ حتى! فهي تحت مسمى ربة المنزل، يجب أن تكون دائماً- في نظره- كالجبل الصامد الذي لا يهتز.

مثال آخر وأيضا متكرر: أم جديدة تشكو قلة النوم والتعب، لا نرحمها من عبارات الإقلال بهذا التعب بحجة أن مازال للتعب بقية! ومهلاً على الشكوى! فهي ما زالت أماً لطفل واحد فقط، هذا في عُرفهم أمر لا يستحق الشكوى.

حقاً أنا أكره التنمُّر والاستخفاف بمشاعر الآخرين، حتى وإن كانت غريبة بالنسبة لي، لأنه أولاً وأخيراً نحن مختلفون، فمثلاً إذا كان غرام شخص بالقطط فأنا بالنسبة لي القطط كائن مرعب.

آن الأوان أن ندرك جيداً أننا لسنا كأحد، آن الأوان أن ننصت جيداً للآخر ونساعده على التنفيس عن مشاعره (catharsis) ووضع حلول لمشكلته إن أمكن. ويفترض أن نكون وصلنا للحد الراقي بأن لا نشعر بالعار تجاه شخص قرر الذهاب لطبيب نفسي، ولا شيء من الضعف لشخص لجأ إلى "اللايف كوتشينغ".

أنا أرى أننا عبارة عن كتلة من المشاعر المختلفة والمتراكمة، في مجتمع لا يرى المشاعر أصلاً.

في الحقيقة الإنسان السَّوى، يهتم بشعوره أولاً قبل أي شيء، فهو الوقود الذي يحرك جسده وعقله لكل شيء بعد ذلك، فإذا سلمت النفس سلم بعدها باقي الإنسان؛ فما الإنسان إلا مشاعر، فمن خلالها نستمد طاقتنا للإيجابية والعمل، وليس هذا فقط، بل تتعدى هذه الإيجابية لتعم على الأسرة وبعدها تُنشر في المجتمع السوي المقدِّر للمشاعر.

الأمر قد يكون غير متعارف عليه جيداً في تربيتنا، لكن ليس ببعيد أن نتمرس عليه جيداً، عن طريق زيادة وَعْيِنا تجاه أهمية صحة النفس والمشاعر.

عن نفسي، أتدرب من خلال رحلتي مع ابنتي على تقدير المشاعر وتقديسها، فإذا جاءت في مرة حزينة أو باكية لسبب أنا أراه لا يستحق، أحضنها وأواسيها فوراً، وإذا أهدتني ورقة مخربشة أو لعبة مكسورة من ألعابها، أقدر جيداً معنى المشاعر التي تريدها أن تصل إليّ، إذا وقعت على الأرض وبكت، أيضاً أحضنها وأقدّر أنها تألمت حتى لو كان ألماً بسيطاً. فإذا فرحت أفرح معها، وإذا حزنت أحزن على حزنها وأقويِّها بعد ذلك.

ليس التطبيق يكون على ابنتي فقط، فأنا أراعي مشاعري أيضاً، مثلاً: إذا شعرت بالتعب تجاه أشخاص لا أجبر نفسي على التحدث معهم لفترة حتى أُعافي نفسي، إذا شعرتُ بخوفٍ أو قلقٍ لأمر مقبل عليّ، أصارح شخصاً ثقة.

وأخيراً، أوصي نفسي وأوصيكم جميعاً، بزيادة الوعي تجاه أنفسكم واحتياجاتها. فمن حق أنفسكم أن تعيش في سلام وراحة، لا تهملوا مشاعركم ولا تسمحوا لأحد بتهميشها، كونوا خط الدفاع الأول والأخير لمشاعركم، لأننا بشر نستحق ذلك. ولا أنسى بالذكر أن أعيذ نفسي وأعيذكم من النرجسية التي تمتلئ عباراتها بالاستخفاف والاستهزاء بالآخر ومشاعره.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء الرنتيسي
أم وأستاذة لغة إنجليزية
أستاذة لغة إنجليزية بمدينة غزة، أم لطفلة اسمها تالين، شغوفة بأمور التربية السليمة ومهتمة ببناء شخصية سوية للطفل
تحميل المزيد