من بيروت إلى كانبرا.. كيف يغيِّر الغرب سياساته في الشرق بعد أزمة الغواصات؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/08 الساعة 09:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/08 الساعة 09:34 بتوقيت غرينتش
ماكرون وبايدن في قمة مجموعة السبع/ رويترز

عقب الغضب الفرنسي على الولايات المتحدة بسبب أزمة الغواصات مع أستراليا، بدأت باريس باعتماد سياسة أكثر دبلوماسية في التعاطي مع حليفتها التاريخيّة؛ أي الولايات المتحدة الأمريكية، إذ استقبل إيمانويل ماكرون في باريس وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أمس لتحضير القرارات الملموسة التي سيُعلنها الرئيسان الفرنسي والأمريكي نهاية الشهر الحالي من أجل التوصّل إلى مصالحة بعد أزمة الغوّاصات غير المسبوقة في منتصف سبتمبر/أيلول.

وأوضح قصر الإليزيه أن "اللقاء المنفرد المطوّل"، الذي لم يكن على جدول الأعمال في البداية، يرمي إلى "الدفع في اتجاه استعادة الثقة بين فرنسا والولايات المتحدة"، فيما كشف مصدر دبلوماسي فرنسي أن الأمريكيين يأخذون على محمل الجدّ غضب حليفهم القديم، ولا يُحاولون فقط اللجوء إلى "العلاج عن طريق العناق والأحضان".

بالمحصلة يتحدث الفرنسيون عن الخديعة التي تعرضوا لها أمريكيّاً، فعلى المستوى الداخلي يعيش الفرنسيون شعوراً غير مسبوق بالإذلال، وكل المواقف السياسية الحادة لا تخفي جملة أمور أولها وأخطرها أن المخابرات الفرنسية لم ترصد أي تحول أسترالي تجاه "صفقة الغواصات"، وثانيها أن سفيرَي باريس في واشنطن وكانبِرا (عاصمة أستراليا) لم يرصدا بدورهما مثل هذا التحول الأسترالي، مع الأخذ في الاعتبار عدم توقف الزيارات المتبادلة بين المهندسين والخبراء من البلدين، وكانت آخر زيارة أسترالية إلى مقر شركة "نافال" في النورماندي مطلع الصيف المنصرم.

ما أفصحت عنه أزمة الغواصات

ووفق السياسي اللبناني خلدون الشريف والذي عمل لسنوات مستشاراً لرؤساء حكومات في لبنان، فإن إلغاء "صفقة الغواصات" الفرنسية لأستراليا، أفصح عن حقائق عديدة لا يمكن تغافلها.

الأولى، أن شعار "أمريكا أولاً" يتحكم بقرارات الإدارة الأمريكية الحالية كما كان الحال مع ترامب.

والثانية، أن تحالف "أوكوس" الثلاثي بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا يعيد أمريكا إلى مربعها الأول في العلاقة مع أوروبا ومع فرنسا تحديداً، فلا فرانكوفونية أنتوني بلينكن ولا شعارات بايدن الداعية إلى تعزيز علاقاته الأوروبية والأطلسية أعادت الألق إلى الدور الفرنسي، لا بل ثمة رغبة أمريكية بعلاقة معززة مع ألمانيا أوروبياً على حساب فرنسا.

أما الثالثة، فخروج لندن من الاتحاد الأوروبي أعادها بقوة إلى المدار الأمريكي الذي لم تخرج منه أصلاً، ولكن ثمة أدوار جديدة ما كانت لتلعبها المملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لو لم تغادر الاتحاد الأوروبي.

والرابعة، أنه على أوروبا أن تدرس تموضعها في حقبة توزيع النفوذ العالمية وأن تحدد ما إذا كانت تريد أن تشكل محوراً بذاتها أو تريد البقاء في المنتصف أو الالتحاق بالمحور الأمريكي أو الصيني مع استبعاد هذا الخيار الأخير.

فرنسا تبحث عن تعويض خذلانها

ووفقاً للمرجع السياسي فإنه وضمن هذه المشهدية العالمية الشرسة، تسعى فرنسا لتحقيق قصص نجاحات سريعة في أمكنة متعددة مثل العراق (صفقة توتال)، واليونان (صفقة الفرقاطات)، ودول المغرب العربي (تخفيف أعداد التأشيرات).

ضمن هذه المشهدية أيضاً تم تسهيل استيلاد حكومة في لبنان واستقبال رئيسها نجيب ميقاتي في قصر الإليزيه دون إعطائه أية وعود بمساعدات جديدة ما لم تنفذ حكومته إصلاحات سيكون وقعها شديد الصعوبة على الشارع وبالتالي على حكومته.

الغرب يعيد التقييم

ويروي المرجع أنه خلال لقائه مع مسؤول أوروبي واسع الاطلاع في جلسة حوارية مقفلة عن "متغيرات دولية وإقليمية" تفرض إعادة تقييم أداء أوروبا في الشرق الأوسط، يعتبر أن حقبة الربيع العربي الذي انطلق من تونس عام 2011 انتهت من تونس أيضاً عام 2021 مع محاولات تجري هنا وهناك لإعادة تشكيل السلطة في هذا البلد أو ذاك إذا ما استطاع الغرب إلى ذلك سبيلًا.

ويضيف أن إسقاط الديمقراطية الغربية بالباراشوت على المنطقة تبين أنه غير قابل للتطبيق من أفغانستان وإيران إلى الخليج فالمشرق العربي فمصر فالمغرب بدوله كلها، ما يعني أن ديمقراطية الانتخابات في تلك البلدان مشكوك بنزاهتها، فكيف في بلدان تمتلك فيها بعض القوى سلاحاً قادراً على فرض وقائع ونتائج لمصلحته.

ويروي المرجع أن المسؤول الأوروبي ختم اللقاء بالقول إن الشرق الأوسط منطقة شديدة الأهمية بالنسبة لأوروبا وما يهم الغرب في لبنان أمران اثنان: أولاً منع تدفق اللاجئين؛ وثانياً منع انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية، وهو ما يدفع الأوروبيين لمحاولة احتواء الصعوبات الاقتصادية بما يحقق للناس ما دون كفاف يومهم من غذاء ودواء وماء وكهرباء وباقي عناصر الأمن الاجتماعي الأساسي.

تغير إقليمي عربي

وعليه ثمة سياق أردني سوري متدحرج، بالتوصل إلى اتفاق بين الأردن ولبنان وسوريا ومصر لإيصال الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عن طريق الأردن وسوريا، ربط لبنان والأردن كهربائياً عبر سوريا، زيارة رئيس الأركان السوري إلى عمّان، لقاء وزيري خارجية مصر والأردن مع نظيرهما السوري في نيويورك، التعاون الأمني المفتوح بين دمشق وعمّان في الجنوب السوري وفتح الحدود البرية الأردنية السورية.. والجوية لاحقاً، لقاءات وزراء الطاقة اللبناني والمصري والسوري مع نظيرهم الأردني في عمان، والاتصال القنبلة بين بشار الأسد والملك عبد الله الثاني، والسؤال الأهم هل يكون التتويج بقمة أردنية سورية قريبة وكيف سيتصرف لبنان في ظل هذا الانفتاح الذي يحظى برعاية دولية بأحسن الأحوال أو غض نظر دولي في أسوأ الاحتمالات؟

وعليه في مسار أمريكي آخر، فالولايات المتحدة، الساعية إلى تثبيت استراتيجيتها المتعلقة بمحاصرة التمدّد الصيني على الساحة الدولية، تعمل على إعادة ترتيب الشرق الأوسط بنحو يحفظ مصالحها، وعلى أساس إقفال ساحاته في وجه الصين، التي أبدت اهتماماً خاصاً بهذه المنطقة النشطة من العالم. لذلك تسعى إدارة بايدن إلى إعادة سياسات جديدة وقوية للمراحل القادمة والمتعلقة بأزمات الشرق الأوسط.

لأنه وخلال العشرين عاماً المنصرمة ارتكزت السياسة الأمريكية في المنطقة بشكل رئيسي ومباشر على تعزيز دور تل أبيب السياسي والأمني والدفاعي، كقوة جديدة في دول الشرق الأوسط والخليج العربي وإلى جانب مراكز القوة الإيرانية، حيث منابع النفط الأكبر في العالم، بالإضافة للاحتواء، وفق نظرية تشبه نظريات العالم العربي- العوائل أو العساكر- حيث أمسك الجيش في أنقرة على مراكز السلطة المدنية والاقتصادية معطوفة على جعل الحضور التركي الأكثر تأثيراً في الحضور العسكري في حلف شمال الأطلسي، كونها القوة السنية الأقوى في منطقة كانت ممراً للاتحاد السوفييتي باتجاه دول المنطقة شرقاً وغرباً، والأسطول الخامس الأمريكي يعمل في المحيط الهندي والخليج، حيث حصلت مواجهات بحرية عدة، كانت إيران الطرف الرئيسي فيها.

لكن إيران باتت حاضرة عسكرياً وبقوة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهو ما يجعل "إسرائيل" مطوّقة، خصوصاً إذا أضفنا إليها حركتي حماس والجهاد، وبقية فصائل المقاومة، في غزة، وهذا يعني أنّ إسرائيل ستكون عاجزة عن القيام بالوظيفة التي أرادتها لنفسها طوال العقود المقبلة.

 لكن وفي الرؤية الأمريكية الجديدة، بقي اللاعبون الأساسيون الثلاثة في صلب المعادلة، وهم إيران وتركيا وإسرائيل، ولكن لاعباً جديداً دخل بقوة إلى المعادلة من خلال الساحة السورية، والمقصود به روسيا والتي فرضت نفسها كعامل ضغط جديد تضطر القوى الثلاث للحديث معها بكونها ذات أذرع موجعة وحاضرة في الإقليم برمته.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد