إذا تحدّثنا عن منتخب إسبانيا فلا عجب أن نتذكر منتخب الماتادور الفائز بكأس العالم، فسوف يأتي في ذهنك أولاً إنييستا وتشافي وبوسكيتس، ثم سيأتي الجميع، هكذا منتخب إسبانيا دائماً إذا حضر نصف الملعب حضرت المتعة، وإذا فقدوا نصف ملعبهم أصبحوا من دون هوية، وبلا مذاق، وهكذا بعد فقدان دينامو ومحرك التيكي تاكا أصبح المنتخب بلا شكل أو أداء أو حتى نتائج، وبتغيير كثيف في اللاعبين، وبلا ثبات في التشكيل أو القوائم.
إنريكي والتحول الصعب
حتى جاء اللوتشو لويس إنريكي، ولكنّ سيئ الحظ لويس فقدَ أقرب شيء لقلبه، ابنته التي عانت من المرض لسنوات عديدة قبل أن تكتب لها الوفاة في عمر صغير، وهو ما أثر تأثيراً مهولاً عليه، فقد الكثيرون الأملَ في استعادة ذلك المدرب بعد تلك الظروف الصعبة على أي شخص مهما بلغت درجة قوته وثباته، وبالفعل عاد بعدها اللوتشو مدرباً غير الذي نعرفه، عاد من تلك الأزمة بتطور رهيب في الأسلوب والفكر والأداء، وحتى في أسلوب التعامل مع اللاعبين، وقوة الشخصية في الملعب، وفرض الأفكار، كل هذا لاحظناه، خاصة جماهير برشلونة التي عاصرت النسخة الأولى لإنريكي.
إنريكي النسخة الجديدة
مما يحسب لإنريكي وستقدم قرابين الوفاء والشكر له قريباً بسببه هو ما فعله في قائمة إسبانيا، وهو ما اعتبره البعض جنوناً، بضم فريق الشباب أو الأشبال ليكون الفريق الأول للمنتخب الإسباني، إذ اعتبره لويس الخيار الأكثر عقلانية في وضع أسس محددة يمكن أن يبني عليها المنتخب فريقاً ينافس لأعوام وأعوام، وأن تكون هناك أساسات تترتب عليها إضافات تأتي مع الوقت.
تلك هي وجهة نظر إنريكي، رغم ما رآه البعض بعد الخروج من نصف النهائي في اليورو الماضي أمام إيطاليا، وأنه فشل وخسارة -رغم أن الوصول لتلك المرحلة وقتها كان أكبر إثبات على نجاح نظريته-. لكن إنريكي زاد تأكيداً على صحة نظريته بعودته بعد ذلك، وثأره من إيطاليا سريعاً، والوصول لنهائي دوري الأمم الأوروبية.
تجربة جريئة
فيجب علينا أن نقف احتراماً لتلك التجربة للنجاح والتطور، وأن نستعد لمواهب قادمة يجهزها إنريكي قبل البدء في غزو العالم، ومن المكان الذي بدأت عنده المشكلة بدأ لويس بنصف الملعب، وبدأت الأسماء بالظهور بعده في كل أماكن الملعب المختلفة، وعلى سبيل المثال "بيدري" يُعد الآن أكثر لاعب اكتساباً للخبرات بين كل اللاعبين الأقل من عشرين عاماً، وبمشاركته أيضاً في تصفيات كأس العالم أصبح لبيدري خبرات دولية، وأصبح قوة في وسط الملعب، وركيزة أساسية للمنتخب، تمكّن المدرب من الاعتماد عليه والاطمئنان لوجوده في الملعب بشكل دائم.
وحتى في أولمبياد ريو الماضي، حينما كان نموذجاً في المشاركة مع كل الفرق العمرية لمنتخب إسبانيا، واكتسب لقب أصغر لاعب في التاريخ يشارك مع منتخب إسبانيا.
ولكن برغبة لويس في كسر هذا الرقم مجدداً ها هو جابي يشارك في منتصف الملعب، ليصبح بالفعل أصغر لاعب للمنتخب الأول في تاريخ كرة القدم، بعمر 17 عاماً.
لاعب برشلونة الحالي عند ولادته كان هنالك منافسون له، الآن قد سطروا أسماء في التاريخ وبطولاتٍ وأرقاماً، ورغم هذا لا ندري ما نوع الحبوب التي يتناولها لاعبو المنتخب الإسباني ليصبحوا بتلك الشجاعة في الوقوف في منتصف السان سيرو أمام الجمهور الإيطالي، الذي يدعم فريقاً لا يهزم، وله رقم قياسي، ومن مهامه مراقبة فيراتي؟ جافي، هنا لا مشكلة، هكذا قال بما قدمه اليوم في الملعب ليُثبت أنه لم يبدأ الأمر بعد، وإنما تلك هي البدايات.
فيراتي لم يظهر اليوم إلا ملاصقاً لجافي، وتحت سيطرة كاملة للإسباني الذي أثبت جدارته وإصراره على تقديم أقوى العروض الممكنة.
واستطاعت إسبانيا الفوز بهدفين، كلا الهدفين أحرزهما فيران توريس، الذي يتعامل معه اللاعبون كعجوز، نظراً لبلوغه سن الواحدة والعشرين.
فيران لاعب مانشستر سيتي هو الآخر قدم أداءً يحسب له مع الفريق الإنجليزي، وهو ما أكسبه ثقة المدرب الإسباني، ليضعه في التشكيل الأساسي، وكمهاجم يسد ثغرة لطالما كان بها عطل عند الإسبان.
توريس يقدم فترة جيدة حتى الآن مع السيتي، ولكنه يفتقر إلى الخبرات، وتلك الخبرات لن تأتي إلا بالممارسة والإصرار.
على أمَل
وبتلك الأهداف الحاسمة في تلك البطولات الصعبة لن يكون من الصعب التنبؤ بما سيكون في رصيده من المفاجآت مع استمراره بهذا الشكل التصاعدي.
الآن أصبحت إسبانيا في النهائي، وعلى بعد خطوة لا تعد أبداً مقياساً على فشل التجربة في حالة الخسارة في المباراة النهائية، وإنما مجرد الوصول لتلك المباراة وبأداء متزن هو أكبر دليل على النجاح.
ومن جهة أخرى ففي الفترة الحالية توجد حظوظ كبيرة في مصنع المواهب الإسباني، ويوجد مدرب يستغل هذا أفضل استغلال، رغم الهجوم والصراع الذي يواجهه كل يوم، نظراً لعدم استدعاء لاعبي ريال مدريد في المعسكرات، وبعض علامات الاستفهام التي يوجهها الكثير من المشجعين لعدم انضمام لاعبيهم، أو عدم تواجدهم بشكل كافٍ، وبالطبع دائماً ما تكون السلطة الكبرى في يد المدير الفني للمنتخب، وحتى الآن يستطيع إنريكي أن يختار من القائمة ما يتناسب مع طلباته ويساعده على تطبيق أفكاره بسهولة.
فمدرب الفرق يختلف اختلافاً جذرياً عن مدرب المنتخبات، خصوصاً مع قصر وقت المعسكرات الدولية، فلا بد للمدرب أن يختار مِن الجاهزين بدنياً وفنياً، وهو ما سيوفر الوقت والمجهود في المباريات السريعة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.