هناك قلة نادرة من الناس يعيشون في الحياة ضيوفاً عليها، لا يُغيِّرهم بُهرجها، ولا تُغويهم زينتها، لا يشغلهم مال أو جاه عن فعل الخير، يؤمنون يقيناً أنهم راحلون إلى ربّ كريم، فالعمر بالنسبة لهم فرصة للعمل الصالح، واغتنام الأجر والثواب، والدنيا هي قنطرة للآخرة، والمرض لديهم هو ابتلاء من الله، ورِفعة في الدرجات يقابلونه بالصبر والرضا.
من هؤلاء صديقٌ لي (النظر في وجهه عبادة)، كما نقول في أمثالنا الشعبية.. هو صديقي سامح خيري النجار، عرفته منذ ما يقرب من 30 عاماً، حينما كنا زميلَين في المرحلة الإعدادية، جمعنا فصل واحد، وعلى مدار هذه السنين التي مرَّت كلمح البصر لم يتغيَّر -رحمه الله- كثيراً، سوى في العمر، فقد ظلَّت ملامح وجهه البريئة كما هي، توحي بحب الناس جميعاً، حيث وُلد -في رأيي- مؤدباً، مهذباً، طيب القلب، نقي الصدر والسريرة، عاش حياته في هدوء.. محافظاً على الصلاة، سباقاً في الخير، وغادر دنيانا الفانية في صمت وصبر.
وإذا كان يقال في المثل: "لكل إنسان نصيب من اسمه"، فإن المرحوم -بإذن الله- كان له نصيب وافر من اسمه، فقد كان سَمْحاً، متسامحاً في كل شيء ومع كل الناس، خيّراً معطاء، جواداً، كريماً.. لا تفارق البسمة محياه.
داهمه المرض فجأة ودون إنذار وعانى معاناة شديدة، لكنه قابله بالرضا والصبر واحتساب الأجر من الله.. فكان له ما أراد، إن شاء الله، زُرته في مرضه فوجدته رجلاً هادئاً، صابراً، بشوشاً، يعلم أن عطاء الله أفضل، واختياره أجمل، والدنيا وإن طال بقاؤها فهي إلى زوال.
غادر الفقيد عن عُمر لا يتعدَّى الحادية والأربعين عاماً، ومع عمره القصير فقد ترك -رحمه الله- ذكراً حسناً لا يُمحى.. وكان مشهد توديعه آية للناس، فقد شيَّعه جمع غفير لا يحصون عدداً، وسادت قريته والقرى المجاورة حالة من الحزن والألم، على فراق شاب غادر الدنيا في ريعان الشباب.. وكما يقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض".
والآن.. بعد رحيلك صديقي سامح، لا أكاد أصدق أنك الآن في عداد مَن نرجو لهم رحمة الله وغفرانه.. لكن جناب الله أرحب، ورحمته أوسع.
وإنني إذ أنعاه، فلا أزكيه على الله، بل أُحسن الظن فيه، وأرجو أن يكون مرضه في ميزان حسناته، ولو كان أحد أحق بالخلود، لكن أوْلى بذلك سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، ولكن وعد الله حق: (إنكَ ميِّت وإنهم ميتون)، وقال تعالى: (كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ وإنما توفونَ أجورَكُم يومَ القيامةِ فمنْ زُحزحَ عن النارِ وأدخلَ الجنةَ فقد فازَ وما الحياةُ الدنيا إلا متاعُ الغرور).. نعم الجنة هي الفوز، والحياة الدنيا متاع زائل.. أسأل الله أن يرحم الفقيد رحمةً واسعة، وأن يُسكنه فسيح جناته، وأن يطيِّب أوجاعه وآلامه، وأن يُلهم أهله وذويه، وعائلته الصبر والسلوان، وأن يبارك في أطفاله، وأن يُعينهم على ما ابتلاهم به.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.