رفض حضور عزاء والده ليلعب مع كلابه.. إليكم قصة زوج صديقتي

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/06 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/06 الساعة 09:59 بتوقيت غرينتش

عندما كنا في عصرنا الذهبي كمسلمين تميز علماؤنا بتنوع علومهم ومؤلفاتهم، فهذا كتاب القانون في الطب لابن سينا ما زال يدرس في شتى أنحاء أوروبا حتى القرن السابع عشر الميلادي.

لم يكن ابن سينا طبيباً فيلسوفاً فقط، لكنه كان يدرس ويؤلف في الرياضيات والهندسة وعلم الفلك والفيزياء. ولم يكن الزهراوي أيضاً مجرد طبيب، ولا ابن الهيثم فيزيائياً فحسب، كان العالم في السابق يدرس اللغة العربية فيمتلك أسرارها، ويحفظ القرآن الكريم والحديث ويدرس الفقه، كما يدرس علوم الطبيعة والفلك والفلسفة والرياضيات، كان عالماً شاملاً بل كان نسيجاً إنسانياً محكم البناء، روحياً وعقلياً ونفسياً.

أما ما حصل لاحقاً، ولكثرة التخصصات التي يدرسها أبناؤنا في المرحلة الجامعية أصبح التركيز على منحى واحد من العلوم بتخصص شديد، قد يكون هذا مطلباً معاصراً لكثافة وتنوع العلوم، وسبباً رئيسياً في إتقانها وتطويرها، لكنه حرم العالم من الثقافة العلمية الشاملة، وأثر بل انتقص من تكوينه النفسي والإنساني، فأصبحنا نرى أنصاف علماء وأنصاف جاهلين.

لم نعد نفاجأ بطبيب يجهل أحكام صلاة السفر، ولا بمهندس لم تمر عليه "كان وأخواتها" ولا مرة واحدة، ولا برجل قانون يعتقد أن درب التبانة هو اسم حي في مدينته!

الذي جعلني أسترجع تاريخ علمائنا وتنوع علومهم هو (طبيب جراح)، وهو زوج صديقتي الطبيبة أيضاً، ولا أقيَمه على الصعيد المهني فلست أهلاً لذلك، لكنني أستطيع كما يستطيع غيري أن يقيمه على الصعيد الإنساني.

الشاهد أنني رغبت في تعزية صديقتي تلك في وفاة والد زوجها (الطبيب)، فحكت لي بأسى كيف يُعرض زوجها عن تلقي التعازي في والده، رغم حزنه الشديد عليه وتأثره لفراقه.

إلا أنه آثر الاعتذار للمعزين، وفضل قضاء وقته مع كلابه الهوسكي الثلاثة، والتي أخاف شخصياً أن تسلم عليّ ولو من بعيد عند وصولي إلى منزلهم.

جعلني هذا الموقف أسترجع معنى وقيمة الطبيب كشخصية متكاملة، ناضجة، وخاطبته في عقلي، كنت أتمنى أن أجدك قوياً صلباً، ومواجهاً صابراً لقضاء الله. 

كيف أجرؤ أن أترك مبضعك يعمل في جسدي أو أجساد أحد أولادي، إذا احتجت لعملية جراحية لا قدر الله وأنا أراك بهذه الهشاشة وهذا الضعف. كيف تطمئن المريض، وأنت بحاجة لمن يعيد تأهيلك النفسي. 

ماذا ستخبر والدك حين تلقاه في الدار الآخرة عن وقوفك وقت عزاه وطريقتك في الترحم عليه.

نحن جميعاً بشر، هذا مؤكد، نعارك الحياة وتعاركنا، نحزن ونضعف، لكن لا ننهزم، لا نختبئ، لا نستسلم لمشاعر الرفض، ولا نعجز أن نكون في توافق مع مجريات الحياة وأحداثها.

حزينة لأجله نعم، لكن أدرك تماماً أنه ما كان ليكون طبيباً جراحاً في عصر خلا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ديمة علوش
كاتبة سورية
تحميل المزيد