لأول مرة منذ سنوات تتشكل الحكومة المغربية من 3 أحزاب فقط، بعد أن تعوّد المغاربة على تواجد ما بين 4 إلى 6 أحزاب في التشكيل الحكومي الواحد، وهو اختيار برَّره رئيس الحكومة المكلف، رجل الأعمال الملياردير عزيز أخنوش، برغبته في الحصول على حكومة قوية ومتجانسة. وذلك باعتبار أن الأحزاب المشكّلة للحكومة هي تلك التي احتلت المراتب الثلاث الأولى في الانتخابات التشريعية ليوم 8 سبتمبر/أيلول 2021، وهو ما أكده أخنوش بقوله: "تشكيل الأغلبية الحكومية تم بناء على احترام الناخبين".
لكن احترام إرادة الناخب لا يجب أن يقتصر فقط على اختيار الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، أو اختيار وزراء من الكفاءات المشهود لهم بالنزاهة، وإنما يتعدى ذلك إلى تلبية تطلعات الناخبين، الذين "عاقبوا" حزب العدالة والتنمية بصناديق الاقتراع، بعد 10 سنوات قضاها الحزب على رأس الحكومة المغربية.
آمال وأحلام المغاربة، أو على الأقل المصوتين منهم في الانتخابات التشريعية كبيرة من الحكومة الجديدة التي يسيطر عليها رجال المال والأعمال، إذ ينتظرون إصلاحات تمس معيشتهم اليومية، من قطاع الصحة إلى التعليم والشغل، مروراً باستقلالية القضاء وملف العدالة الاجتماعية، وغيرها من الأعباء الكبرى التي تنتظر الحكومة الجديدة.
المواطن المغربي لا تهمه الصراعات بين الأحزاب السياسية على المقاعد الوزارية والمؤسسات الكبرى بقدر ما يهتم بأن ينعكس "التغيير المنشود" عليه بشكل مباشر.
يبحر المواطن المغربي نحو آماله وسط مخاوف من أن يكون هو الضحية للقرارات الحكومية كما حصل خلال السنوات الأخيرة، خاصة عندما رُفع الدعم عن المواد الأساسية، وفي مقدمتها المحروقات التي يسيطر على سوقها الداخلي في المغرب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي يرى جزء من المغاربة أنه قادر على "الإصلاح".
تستاهل ما أحسن
ما يجعل توقعات المغاربة متفائلة من تحقيق الحكومة الجديدة لانتظاراتهم أو على الأقل جزء منها، هو اعتقادهم السائد بأن المسؤول الأول عن الحكومة، عزيز أخنوش، مقرب من دوائر صنع القرار العليا لدرجة أن الإعلام وصفه في وقت من الأوقات بـ"صديق الملك"، وبالتالي فإنه لن يعاني من العراقيل التي ربما واجهها سابقوه، ولن تكون له أي شماعة يعلق عليها فشله أو "تماسيح وعفاريت" كما كان يقول رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بن كيران.
كما أن الشعار الذي رفعه حزب رئيس الحكومة المعين "تستاهل ما أحسن" والوعود الانتخابية السخية التي قدمها أخنوش خلال فترة الحملة الانتخابية، جعلت توقعات المغاربة من الحكومة الجديدة كبيرة، وأنها قدرة على انتشالهم من أزماتهم التي عاشوها خلال السنوات الماضية.
داخل المغرب يرى البعض أن تلك الوعود التي أطلقها حزب التجمع الوطني للأحرار وحلفاؤه في الحكومة هي مجرد "شعارات تسويقية"، وأن مدة صلاحيتها انتهت بمجرد حصولهم على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
فيما يرى آخرون أن وصول "الأحرار" لرئاسة الحكومة ودخول حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من القصر وحزب الاستقلال كان مخططاً له من المشرفين على هندسة المشهد السياسي في المغرب، من أجل تطبيق ما يُعرف بـ"البرنامج التنموي الجديد"، الذي أشرف عليه الملك محمد السادس شخصياً.
هذا ما قد يجعل من هذه الحكومة مجرد مُنفذ أو مشرف على "برنامج صاحب الجلالة"، ومخططه التنموي، الذي أشرف عليه القصر، مستعيناً بمجموعة من الخبراء في مختلف المجالات التي من المفروض أن تخطط لإصلاحها الحكومة الجديدة.
لكن هذا البرنامج التنموي قد لا يكون مساعداً للحكومة الجديدة، إذ إنه سيضع مصداقيتها وكفاءتها على المحك، وستكون تحت مراقبة مباشرة من الملك والشعب، اللذين ينتظران منها الشيء الكثير، فهي في نهاية المطاف تسمى في المغرب "حكومة صاحب الجلالة".
إسقاط الفساد
ما يجب أن ينتبه له المغاربة هو أنه كيفما كانت هذه الحكومة وطبيعة أعضائها، فإنها لا تملك عصا سحرية قادرة على تغيير واقعهم في وقت وجيز، خاصة أن المملكة تعاني من تراكمات لعقود من المشاكل وضعف القطاعات الاجتماعية بسبب الفساد.
هذا المعطى الأخير، الفساد، الذي سبق أن رفعه حزب العدالة والتنمية كشعار لحملته الانتخابية بعد الربيع العربي عام 2011، من أجل كسب تعاطف المغاربة، ووعده لهم بـ"إسقاط الفساد"، سيكون أكبر تحد أمام الحكومة الجديدة التي يقودها "الأحرار".
إذ ستكون الحكومة الجديدة مطالبة بإسقاط تهمة "الفساد" عن أعضائها الذين سبق أن اتهمهم حزب العدالة والتنمية وبعض المعارضين بأنهم "رعاته"، وهي مهمة لن تكون سهلة، خاصة أن بعض المنتخَبين الذين نجحوا في الانتخابات الأخيرة تلاحقهم قضايا فساد، بعضها لا يزال أمام المحاكم.
كما أن للحكومة الجديدة تحديات أخرى تتعدى الحدود الجغرافية للمملكة، فهي ستكون في مواجهة وضع إقليمي متوتر نسبياً، خاصة في علاقة الرباط مع الجزائر، قد يقول البعض إن ملف الجزائر يحتكره القصر، لكن الوضع العام للمنطقة سيؤثر على الحكومة وأدائها بشكل مباشر، خاصة في الجانب الاقتصادي.
هذا إلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به أغلب بلدان المنطقة، بسبب الأزمة التي فرضها وباء كورونا، والذي سيكون أول اختبار للحكومة الجديدة، بضرورة البحث عن طريقة لإخراج المغاربة من الضغوطات التي فرضها الفيروس على أكمل وجه.
فهل تنجح حكومة "صديق الملك" الملياردير في تدبير واحدة من أكثر مراحل المغرب حساسية؟ وهل تستطيع تجاوز تراكمات السنوات الماضية وأزمات الوضع الوبائي والاقتصاد؟ وهل تنجح فعلاً في انتشال المغاربة من مستنقع مشاكلهم التي لا تُعدّ ولا تحصى؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.