ألف باء سياسة.. كيف تؤسس حزباً سياسياً ناجحاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/05 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/05 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش

تبيَّن من خلال تعريفنا للسياسة في مقالنا السابق باعتبارها تدبيراً راشداً للشأن العام للبلاد، أن الغاية من السياسة هي خدمة المجتمع، فالبرنامج السياسي ينبغي أن يكون برنامجاً يعكس تطلعات وحاجات المجتمع.

والحزب السياسي ينبغي أن يكون حزباً للمجتمع، منصتاً إلى مشاكله ومعبراً عنها في برامجه وأهدافه، ومنبثقاً في نشأته من رحم المجتمع.
والدولة الشرعية هي من تكون دولة للمجتمع، حاضنة لآماله، خادمة له ومعبرة عن اختياراته الكبرى، وعلى هذا الأساس وبكلمة عامة فالأداء السياسي قولاً وفعلاً ينبغي أن يكون أداء يتوخى رضا المجتمع عنه، بما هو أداء لغايته، وتنزيل آماله في السياسة اليومية المعتمدة نضالياً وإجرائياً واستراتيجياً.

فما هو مفهوم الحزب السياسي؟ 

يمكن أن نعرف مفهوم الحزب السياسي كأحد التعبيرات المجتمعية المنظمة والمتجانسة من حيث الفكرة، المنبثقة من رحم المجتمع، الطامحة من خلال آلية التداول السلمي للسلطة إلى تطبيق برنامجها الإصلاحي، الذي تعتقد بصوابيته في الإجابات عن الإشكاليات العامة المرتبطة بتحقيق التنمية والنهضة للبلاد، إذا ما حظي بالتأييد الشعبي عبر آلية صناديق الاقتراع، في إطار انتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة.

ثانياً في عناصر المفهوم

على قاعدة التعريف السالف الذكر للحزب السياسي يمكن استنباط أهم عناصر هذا المفهوم في التالي:

  • أنه حزب منبثق من رحم المجتمع

وهذا يعني أن الحزب هو أحد نتائج التفاعلات الداخلية للمجتمع، التي تُنتج باستمرار تعبيراتها من ذاتها، وهذه الحركية المنتجة تتطلب شروطاً موضوعية حتى تنتعش وتعطي بشكل تلقائي، ولهذه الشروط علاقة بظروف الفعل المجتمعي، من حيث إفساح المجال للحريات، ومنها الحق في التنظيم والتشكيل لكل التعبيرات المجتمعية المعتبرة، المنصتة إلى نبض المجتمع وإلى توجهاته العامة في مجمل الاختيارات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمجتمعية الكبرى له، والساعية إلى حماية المجتمع من كل إرادة تسلّطية تكبح نهوضه وتمسخ هويته وتُؤبد الاستبداد من داخله.

  • أنه حزب متعاقد مع المجتمع 

وهذا يعني أن الحزب ملتزم بوعوده التي قطعها على المجتمع في إطار برامجه وخطاباته، والالتزام هو السعي الحثيث إلى تمثل ما يقول وما يعد به قولاً وفعلاً بحسب المواقع التي يرتادها، سواء في الدفاع عن الاختيارات المجتمعية الكبرى للمجتمع، أو في تنزيل وعوده الانتخابية إلى أرض الواقع في حال وصل للسلطة. 

  • أنه حزب مستقل على أية جهة من خارج مؤسساته 

وهذا يعني أن الحزب لا يخضع إلا إلى ديناميكية إنتاج القرارات من داخله، ما يجعله وفِياً لما يقول وما يعِد به، ومتحرراً من أية قيود خارجية تُشوش على استقلالية قراراته، ومنحازاً كلياً للمجتمع وقضاياه الكبرى في مواقفه وبرامجه ومقترحاته.

  • أنه حزب طامح إلى الوصول إلى السلطة سلمياً 

ذلك لأن مبرر وجود حزب هو طموحه إلى الوصول إلى السلطة سلمياً، قصد تنفيذ برنامجه السياسي الذي يعتقد بصوابيته لإيجاد حلول لمشاكل البلاد، الذي هو أساس تعاقده مع المجتمع في حال حيازته تأييداً شعبياً واسعاً عبر انتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة.

في عناصر الالتزام بمفهوم الحزب

إن الالتزام بالعناصر الأربعة لمفهوم الحزب يعد معركة في حد ذاتها، ذلك أن تمثلها يتطلب كفاحاً ذاتياً وموضوعياً. يبدأ الكفاح الذاتي أصلاً من ظروف النشأة، فالحزب الذي تكون نشأته نتاج حركية تبادل للأفكار والتوجهات بهدف صناعة عقل جمعي بهويته المعرفية والمذهبية الكبرى هو الحزب الذي تكون ولادته سليمة، ومن كانت ولادته سليمة زرع البذور الأولى لقوة شخصيته وتواجده وقوة قراراته. 

الحزب القوي من يمتلك جمهوراً كثيفاً من الرواد والأتباع، وليس ذاك الحزب الذي يمتلك عدداً كافياً من الفروع والممثلين، وليس ذاك الذي يمتلك آلة تعبوية قوية مسخّرة لحشد الكثافة العددية في التجمعات، لأن ذلك كله زَبَد ما يلبث أن يذهب جفاء.
الحزب القوي هو من كانت نشأته حرة وناتجة عن قرار ذاتي مستقل، ومعافاة من أي تشويش، وملتحمة في توجهاتها مع الاختيارات المجتمعية الكبرى للمجتمع في تحرير إرادته واستعادة سلطته.

إن عربون الانحياز الكلي للمجتمع وقضاياه يمر عبر سلامة دواعي النشأة من كل تشويشات أو خلفيات، تكون الغاية من ورائها تجديد إرادة الاستبداد ومُصادرة سلطة المجتمع في التقرير والتنفيذ والتقويم.

وتكمُن أهمية الكفاح الموضوعي في أن انتزاع هوية الحزب المتمثلة في الأضلع الأربعة السابقة الذكر (حزب منبثق من رحم المجتمع، مستقل عن أية جهة خارجية، متعاقد مع المجتمع، وطامح إلى الوصول إلى السلطة)، درب دونه مكابدة مع الأشواك والمعيقات التي تعترض طريقه.

أن يكون الحزب متعاقداً مع المجتمع يعني أن يقول ما يفعل، ويفعل ما يقول، وأن يكون كذلك، يعني إدراكه لقيمة ما يقول وما يعد به وحجمهما والقدرة على الالتزام بما يقول.

وعلى هذا الأساس فالحزب الذي ينتصب راهناً أمام الناس مدعياً القدرة على حل مشاكل المجتمع وتحسين ظروف العيش ما حاز تأييدهم، هو حزب في تقديري يصنع الوهم، وهو يعلم يقيناً أن آلية تنفيذ البرامج الموعود بها معطلة دستورياً.

أن يكون الحزب متعاقداً مع المجتمع هو أن يكون صادقاً في خطابه، أن يتبنّى برنامجاً ذا نَفَس نضالي وليس تقنياً، بمعنى أن يكون خطابه منسجماً مع حال الوضع الدستوري والسياسي للبلاد، الذي يؤطر العملية الانتخابية وآليات التقرير والتنفيذ.

الحزب المتعاقد مع المجتمع لا يصنع الوهم الانتخابي، بل هو يؤسس للوعي بمعيقات الإصلاح، ويجعل من لحظات المهرجانات والتواصل مع الناس لحظات للتعبئة من أجل الإصلاح، ومن أجل الانخراط في مسلسله، ومن أجل استكمال حلقات تحرير المجتمع واستعادة سلطته.

وأخيراً فإن الحزب بمفهومه الذي بيّناه من خلال عناصره الأربعة هو الحزب الذي يكافح من أجل إرساء المعنى الحقيقي دستورياً لمبرر وجوده، المتمثل في سعيه السلمي والديمقراطي للوصول إلى السلطة، بغاية تنفيذ برنامجه السياسي، وليس فقط بغاية تنظيم المواطنين وتمثيلهم. 

الخلاصة

  1. إن التلازم التّبعي بين المعرفة والسياسة ينبغي أن يظل متصلاً في الزمن، والطلاق بينهما (كما هو حاصل في السياسة المغربية) يؤسس للتلّون، وتتيه المبادئ ويضيع المعنى والمعقول.
  1. إن إعادة الاعتبار لعلاقة السياسة بالمعرفة يعد في تقديري من الورشات الإصلاحية التي ينبغي أن تُدرج ضمن أجندة ورشات الإصلاح الكبرى، وهي تحتاج أيضاً إلى مجهود معرفي ثقافي وسلوكي أيضاً غير مفصول على العملية الإصلاحية ذاتها ميدانياً.
  2. يمكن أن نقعّد لمفهوم الحزب السياسي من خلال عناصر أربعة: حزب منبثق من رحم المجتمع، حزب مستقل عن أية جهة خارجية عنه، وحزب متعاقد مع المجتمع يقول ما يفعل، ويفعل ما يقول، سواء في وعوده أو في تنبيهه إلى معيقات الإصلاح عموماً، وحزب طامح للوصول إلى السلطة لتنفيذ برنامجه السياسي عند حيازته التأييدَ الشعبي الواسع عبر انتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بوعشرين
كاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي
ناشط حقوقي وسياسي، وكاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي، من مواليد مدينة مكناس بالمغرب، خريج كلية الحقوق جامعة المولى إسماعيل تخصص اقتصاد، حاصل على الماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الإسلامية، ودبلوم دكتوراه في الفيزياء من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ناشط جمعوي ورئيس سابق لجمعية منبر الحوار للتربية والثقافة والفن.
تحميل المزيد