استكمالاً لملف العلاقات والتي شبهها الكاتب ستيفن كوفي بأنها حساب بنكي وأنه يحدث لها عمليات سحب وإيداع مستمرة نتيجة للعلاقات اليومية والتفاعلات والاختلافات. (ذكرنا ذلك بالتفصيل في المقال السابق).
فالكاتب يؤكد أن الاستثمار في العلاقات هو استثمار "طويل الأجل"، ولا وجود للحلول السريعة، حيث إن بناء العلاقات يحتاج إلى كثير من الوقت والمجهود.
ويلقي الكاتب الضوء هنا على نقطة مهمة جداً، فإذا التقيت بالصدفة صديقاً لك من المدرسة لم تقابله منذ عدة سنوات، يمكنك المواصلة من النقطة التي وقفت عندها؛ لأن الإيداعات السابقة ما زالت موجودة (مع ملاحظة أنه قد تكون تغيرت بعض ملامحه الشخصية من تصرفات أو معاملات، إلا أنك لم تكن موجوداً فيها)، ولكن حسابك مع الناس الذين تتفاعل معهم باستمرار يتطلب المزيد من الاستثمار المستمر، فهذا يعني أن علينا بناء رصيد من الثقة والمخزون العاطفي، فعندما يكون رصيد الثقة كبيراً يكون التواصل سهلاً وفعالاً.
بمعنى أوضح؛ إذا كان بيننا رصيدٌ من الحب والتفاهم والعطف والأمانة وحافظت على عهودي لك، فأنا لديّ رصيد كبير عندك من الثقة وسيكون التواصل سهلاً وفورياً يسمح ببعض الأخطاء؛ لأنه نتيجة التعامل المستمر والتفاعلات اليومية تحدث عمليات انسحاب تلقائية.
لذلك فالعلاقات الدائمة مثل الزواج والأبوة والأخوة والصداقة تتطلب عمليات إيداع مستمرة.
وعلى النقيض، إذا كان ما بيننا عبارة عن رصيد من الفظاظة وعدم الاحترام والمقاطعة والمبالغة في رد الفعل والتهديد والمحاولات المستمرة للسيطرة على حياة الشريك، فبدون شك سيكون رصيد حساب المرء مستنزفاً، ويبدأ مستوى الثقة في التدني.
لماذا تفشل هذه العلاقات؟
ويفسّر الكاتب بهذه الطريقة كيف أن الكثير من الزيجات تنتهي بعد فترة طويلة بالفشل، وأحياناً يتحول المنزل إلى فندق يعيش فيه شخصان يحاول كل منهما الحياة بأسلوب مختلف بعيداً عن الآخر بدلاً من التفاهم والتواصل الغني والمستمر.
وقد تشهد العلاقة مزيداً من الاستنزاف والوصول إلى حالة من "الإفلاس" التام وتتحول إلى علاقة عدائية، أو ينتهي الأمر بشن حرب باردة فى المنزل لا يوقفها سوى الأطفال أو الحفاظ على صورة الزواج، أي الحفاظ على الحساب البنكي مع عدم وجود رصيد يسمح بإجراء أي معاملات، وأحياناً يكون الحل الأفضل هو غلق الحساب.
وأحياناً يكون الخطأ ليس في أنه ليست هناك عمليات إيداع مستمرة، إنما أن يكون الإيداع وفق احتياجاتنا الشخصية نحن ورغباتنا وما نعتقد أن الآخر يريده ويحتاج إليه، وفي كثير من الأحيان نسقط احتياجاتنا ونوايانا على الآخرين بغض النظر عن احتياجات الآخر الفعلية، وتظهر هذه العمليات من الإيداع بشدة مع الزوج والأبناء، ويظهر السؤال المؤلم الذي قد يوجهه أحدنا لأبنائه أو زوجه في علاقة دامت لسنوات: "بعد كل ما فعلته من أجلك وكل هذه التضحيات التي قدمتها لك كيف تكون ناكراً للجميل إلى هذا الحد؟ أنا أحاول التعامل معك بلطف وأنت تتصرف بهذه الطريقة.. لا أستطيع تصديق هذا!".
وننسى أننا قد بذلنا الجهد وفق ما نحتاج نحن، لا وفق ما يحتاجه الآخر، وكأني أودع رصيداً من العملة الصينية في حساب بالجنيه المصري.
"تذكر أن الحلول السريعة سراب، فبناء العلاقات وإصلاحها يحتاج إلى الوقت، وإذا لم تكن صبوراً تجاه عدم الاستجابة، أو عدم الامتنان الظاهري ستقوم بعمليات انسحاب هائلة، وإلغاء كل الأشياء الجيدة التي قمت بها من قبل". ستيفن آر. كوفي.
لذا فإن أولى محاولات الإيداع وأهمها هي محاولة فهم الآخر، وفهم أن أولادنا على الأخص ليسوا نحن، وربما ما تودعه فى حسابك عنده يمثل له سحباً؛ لأنه لم يلمس اهتماماته والاحتياجات العميقة لديه.
وعلينا أن نتذكر جميعاً أن الحلول السريعة سراب، فبناء العلاقات وإصلاحها يلزمه الوقت، وإن لم نتحلَّ بالصبر ونتمسك به قد يجعلنا ذلك ننسحب من العلاقات أو نستمر ونحن في حالة ألم مزمن ومستمر.
وعليهِ، فابدأ بأن تستمع إلى الآخر باهتمام، وأن تُشعره بقبولك له قبولاً تاماً كإنسان مختلف عنك باحتياجاته واهتماماته، وأن تفهمه وتبدأ في عمليات إيداع جديدة له تتميز بالصبر والتفهم والثقة والأمان.
دمتم أحباباً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.