“الصحراء الغربية” ليست وحدها السبب.. ما وراء إلغاء أوروبا لاتفاقيتي الصيد والفلاحة مع المغرب

عدد القراءات
580
تم النشر: 2021/09/30 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/02 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة - رويترز

لا يمكن النظر إلى قرار المحكمة الأوروبية بإلغاء قرارات مجلس الاتحاد الأوروبي المتعلقة باتفاقيتين مبرمتين مع المغرب حول المنتجات المغربية من جهة، والصيد البحري من جهة ثانية، من دون العودة إلى التطورات الجيوسياسية المهمة التي تشهدها المنطقة العربية والعالم مؤخراً، خاصة تلك المرتبطة بملف النزاع حول الصحراء الغربية، وبعلاقات المغرب مع شركائه الأوروبيين وبقية القوى الدولية المعتبرة.

ففضلاً عن المكاسب التي حققها المغرب فيما يتعلق بملف النزاع الصحراوي، خاصة تأمينه لمعبر "الكركرات"، وسيطرته الجوية على المناطق العازلة شرقي الحزام الفاصل، بفضل العمليات النوعية التي شنّها طيرانه العسكري، فقد دشن المغرب إنزالاً اقتصادياً كبيراً في عمقه الإفريقي، لا سيما في عديد من القوى الإقليمية الوازنة كنيجيريا، وكينيا وإثيوبيا، وهو ما أهّله إلى كسب تأييد بعضها، إضافة إلى تحييد مواقف بعضها الآخر من أهم الداعمين للبوليساريو، كما تغلغل في مجموعة من بلدان غرب إفريقيا، بفضل تنافسية منتجاته الزراعية، ليرسّخ علاقاته الوطيدة بها ويكرّس مواقفها التقليدية الداعمة له.

لكن الأهم هو انفتاح المغرب الأمني والاقتصادي أيضاً على عديد من القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، خاصة فيما يتعلق بتدبير جائحة كورونا وعديد من الشراكات الأمنية والعسكرية، حيث يواظب على تأدية المناورات العسكرية مع الجيش الأمريكي، واقتناء أسلحة استراتيجية متطورة، فضلاً عن الاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء، بالإضافة إلى استيراد لقاح سينوفارم الصيني وإنتاجه محلياً، كما يعكف على تجديد اتفاقية الصيد البحري التي تجمعه بروسيا الاتحادية.

شراكات هامة تعد بمثابة اعتراف ضمني بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، وتكرس واقع تواجده الفعلي وتدبيره للإقليم منذ قرابة نصف قرن من الزمن، وهو ما تسبّب بالفعل في نوع من الفتور مع شركائه الاقتصاديين التقليديين، وفي مقدمتهم فرنسا وإسبانيا، لكنه أحدث وضعاً جيوسياسياً مغايراً، أهّل المغرب إلى تغيير نبرة خطابه إزاء شركائه الأوروبيين، حيث تجاوز مستوى الندية إلى الدخول في توتر وتصعيد مع كل من ألمانيا وإسبانيا مؤخراً، عمَّقمها الفتور الذي طبع علاقاته بفرنسا، والذي يمكن رصده من خلاله إنهائه لعديد من العقود التي جمعته مع شركات فرنسية عاملة في المغرب، وتعويضها بشركات محلية. 

موقف سبق أن عبّر عنه بشكل صريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حين وجّه كلامه لـ"الشركاء الأوروبيين"، موضحاً أن "عليهم أن يستوعبوا أن مغرب اليوم ليس مغرب الأمس"، قبل أن يعيد التأكيد على نفس الموقف في مناسبات أخرى، تعليقاً على قرار المفوضية الأوروبية بعدم الاعتراف بلقاح سينوفارم الصيني، الذي اعتمده المغرب والعديد من البلدان النامية، ورداً على القرار الفرنسي بتقليص عدد تأشيرات الدخول إلى فرنسا الممنوحة لمواطني مجموعة من بلدان منطقة شمال إفريقيا، كان من بينها المغرب.

ورغم متانة العلاقات التي تجمع المغرب بشركائه الأوروبيين، فإن بوادر التفكك الأوروبي، خاصة بعد البريكست، ودخول الولايات المتحدة والصين وروسيا على الخط، ومحاولات تغلغلهم في المغرب وجواره الإقليمي، سيدفع بالتأكيد بأوروبا إلى استعمال بعض أوراق الضغط القليلة المتبقية في حوزتها، لتأمين ما تعتبره مناطق نفوذها التقليدية في شمال إفريقيا، وبالخصوص في المغرب، الذي لا تنفك تنظر إليه، ليس كقوة إقليمية تريد أن يكون لها دور هام في المنطقة، ولكن مجرد سوق مستهلك لبضائعها، وشرطي في المنطقة ينبغي أن يكون له دور محدود فيها، لكنه تابع ومحتَكَر من قبل المتدخل الأوروبي والفرنسي على وجه الخصوص.

سياقات تهم أيضاً قضية الصحراء الغربية، ففي حين تشهد العلاقات المغربية الجزائرية توتراً وتصعيداً كبيرين منذ تمكّن المغرب من تأمين معبر الكركرات، وإحداثه لاختلال غير مسبوق في موازين القوى المرتبطة بالنزاع الصحراوي، يقترب موعد جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة تطورات الملف وتمديد مهام بعثة الأمم المتحدة العاملة في الإقليم (المينورسو)، شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كما تتزامن مع قرب انتهاء آجال اتفاق الصيد البحري، الذي يجمع المغرب بالاتحاد الأوروبي والمفاوضات المتعلقة بإمكانية تجديده، الأمر الذي يُحيلنا على مجرد مناورة تفاوضية، تدخل في إطار لعبة شدّ الحبل بين مجموعة من البلدان الأوروبية والمغرب، هدفها إخضاع الأخير بالدرجة الأولى.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سالم عبد الفتاح
ناشط حقوقي
باحث سياسي وكاتب رأي
تحميل المزيد